متى المسكين| «الأب الروحي» لدير الأنبا مقار..رحل ولم ترحل سيرته

الراهب متى المسكين
الراهب متى المسكين

شهدت مصر حادث في الـ29 من يوليو الماضي يعد الأول من نوعه، فقد كانت جدران دير الأنبا مقار على موعد مع جريمة قتل بشعة راح ضحيتها رئيس الدير الأنبا ابيفانيوس الذي عرف بحسن خلقه وتدينه ودماثة طباعه.

صارت تلك الجريمة هي حديث الساعة في مصر، وظل سؤال «من القاتل؟» هو الأكثر طرحا وتداولا، فمن يجرأ على اقتحام أسوار الدير المنيعة؟ وما الذي يدفع قاتل إلى ارتكاب مثل تلك الجريمة في حق واحدا ممن اختاروا ترك الحياة بكل ما فيها والانعزال وتخصيص حياتهم للصلاة والتعبد؟..أسئلة عديدة طرحت، وكثيرون تم وضعهم في لائحة المشتبه بهم، وقد ذكر الكثيرون أن هذا الدير شهد خلافات وانقسامات عديدة، مع صدور قرار رسمي من الكنيسة بتجريد أحد رهبان الدير من رهبنته وعودته إلى علمانيته، الأمر الذي أثار شكوك حول ماهية تورطه في الجريمة، إضافة إلى محاولته الانتحار..الخ من القرارات والتأويلات.

وبالرغم من كافة التساؤلات والاحتمالات والاتهامات، إلا أن الأمر برمته الآن هو أمام جهات التحقيق وهي الوحيدة المخولة بكشف الأمر وإظهار القاتل ودوافع الجريمة.

وبذكر دير الأنبا مقار، لا يمكننا إغفال ذكر الراهب متى المسكين الذي كان واحدا من أهم أضلع هذا الدير، فقد كان أبا روحيا للدير ورهبانه، كانت شخصيته قوية مثقفا وصاحب أفكار تسببت في خلافات حادة بينه وبين البابا شنودة حتى قبل توليه منصبه الباباوي، ولم تكن الأفكار دينية فقط بل اختلفوا حتى في الأفكار السياسية.

فمن هو الراهب المسكين الذي هاجمه البابا شنودة ووصفه بكونه «حارب الكنيسة كما لم يحاربها أحد»؟؟

وُلد متى المسكين عام 1919 بمدينة بنها، تخرج في كلية الصيدلة عام 1943، وزاول مهنة الصيدلة حتى عام 1948 حيث كان يمتلك صيدلية في دمنهور.

اتخذ قرار الرهبنة، فباع كل ما يملك ووزعه على الفقراء ودخل دير الأنبا صموئيل القلموني بالصعيد عام 1948، واختار هذا الدير لأنه كان أفقر دير وأبعد دير عن العمران وأكثرها عزلة، رغبة منه في ذلك.

ولكن نظرا لأوضاع الدير السيئة فقد ساءت حالته الصحية، مما أجبره على الانتقال إلى دير السريان بوادي النطرون عام 1951، حيث عاش متوحداً في مغارة وسط الصخور بعيداً عن الدير، وبعد سنتين كُلّف أن يصير أباً روحياً لرهبان الدير وعلى الأخص للشباب المتقدم للرهبنة حديثاً.

ظل يدبر هذه الجماعة الرهبانية الأولى وهو في مغارته بعيداً عن الدير، لمدة سنتين وهناك أكمل أول كتاب له: «حياة الصلاة الأرثوذكسية».

وفي 1954 اختاره بابا الإسكندرية آنذاك الأنبا يوساب الثاني وكيلاً له في مدينة الإسكندرية «بعد أن رفع درجته الكهنوتية إلى قمص» حيث مكث حوالي سنة وشهرين هناك، ترك في شعبها أثراً روحياً عميقاً ما زال ظاهراً حتى اليوم في إكليروس وشعب الكنائس القبطية في الإسكندرية.

في أوائل عام 1955 فضل الراهب المسكين العودة إلى مغارته بالدير ليكمل حياته الرهبانية في الوحدة والهدوء، وعاد إلى دير السريان، وآنذاك ازداد الإقبال على التتلمذ له في طريق الرهبنة.

أما في عام 1956 ترك دير السريان إلى ديره القديم (الأنبا صموئيل) طلباً لمزيد من الخلوة، فتبعه تلاميذه الجدد إلى هناك، وظل هناك 3 سنين رُشح خلالها للمرة الأولى ليكون بطريركاً.

في عام 1969 دعا البابا كيرلس السادس، الراهب متى المسكين وجماعته الرهبانية المكونة من 12 راهباً للانتقال إلى دير الأنبا مقار بوادي النطرون والذي كانت الحياة الرهبانية فيه توشك أن تنطفئ وعهد إليه بمهمة تعمير الدير وإحياء الحياة الرهبانية فيه من جديد، حيث لم يكن فيه أكثر من خمسة رهبان (مسنين ومرضى) ومباني الدير توشك أن تتساقط.

ومنذ هذا التاريخ أخذ الراهب المسكين على عاتقه مهمة النهضة العمرانية والرهبانية الجديدة، حتى قدرت أعداد الرهبان في 2006 في الدير لحوالي 130 راهباً، واتسعت مساحة الدير ستة أضعاف المساحة الأصلية بحيث تتسع لمائة وخمسين راهباً، كما أصبح الدير مقصدا للزائرين ليس من مصر وحدها بل من كل العالم.

في الثامن من يونيو عام 2006، توفي الأب القديس متى المسكين تاركا خلفه تلامذة وأفكار لا تزال تصطدم بتلامذة من اختلف معهم يوما.