حكايات| من الزمالك للخرطوم.. رحلة مصور ورفيقه بالدراجة البخارية 

من الزمالك للخرطوم.. رحلة مصور ورفيقه بالدراجة البخارية 
من الزمالك للخرطوم.. رحلة مصور ورفيقه بالدراجة البخارية 

دون سبب واضح قرر مصوران شهيران، أن يخوضا رحلة على الطريق الموازي لنهر النيل من الشمال بدءًا من حي الزمالك صعودًا إلى الخرطوم جنوبًا.


تلك الرحلة - التي عرض موقع negative colors المُختص بالتصوير- تفاصيلها، يحكي فيها نوربرت شيللر مغامرته هو صديقه مارك ايلين في صحراء إفريقيا.


وذكر المصور الشهير خلال حديثه الكثير من تفاصيل مغامرته التي قرر أن يكتبها بعد 30 عامًا من القيام بها، إلا أنه لم يتحدث بشكل مباشر عن السبب الذي دفعه هو وصديقه لأن يخوضا مغامرة نتائجها غير محسوبة.. ربما أرادا أن يكملا مسيرة جيمس ويلسون وفرانسيس في رحلة مماثلة خاضاها منذ أكثر من 50 عامًا، أو ربما هما كما وصفهما سكان أفريقيا في ذلك الوقت..2 خواجات مجانين!

 

أقرأ حكاية أخرى|  وطن آخر لليهود.. باق للآن ومساحته أكبر من فلسطين

 

وفي قصته التي يرويها حول رحلته من القاهرة إلى قلب أفريقيا أوائل التسعينات، يقول المصور نوربرت شيللر: «في ديسمبر 1986 قررت أنا نوربرت شيللر و صديقي مارك ايلين القيام برحلة مشابهة لما قام به كل من جيمس ويلسون و فرانسيس فلود في عام 1932، اللذان استخدما دراجتين بخاريتين للسفر من مدينة لاجوس في نيجيريا، لمدينة مصوع بإريتريا، وهكذا أردنا أن نقوم برحلة مشابهة على أن نتحرك هذه المرة من القاهرة».

 


كانت خطتهما الأصلية هي أن تبدأ الرحلة من العاصمة المصرية ثم يتجها جنوبًا نحو الخرطوم، وبعد ذلك السير غربًا ليسلكا طريق ويلسون و فلود في رحلتهما الأصلية إلى إريتريا.

 
ويضيف: «عندما بدأنا مناقشة الرحلة فيما بيننا بدت وكأنها سهلة، لكننا ما إن شرعنا بتنفيذها حتى تحول الأمر إلى كابوس حقيقي».

 

أقرأ حكاية أخرى| مصريات في عالم الجاسوسية.. إحداهن أدخلت الألمان لـ«القاهرة»

 

يقول «شيللر» إنهما  كانا بحاجة لشراء دراجتين بخاريتين محليتين قويتين بما يكفي للسير على الأقل 8 آلاف كيلو متر داخل أكثر الأراضي وعورة في إفريقيا، وفي الأسواق المصرية تمكنا من رؤية أنواع كثيرة من الدراجات، بداية من الـMZ الألمانية وصولًا إلى الكلاسيكيات الراقية مثل BSA و Harley Davidson،  والتي كانت باهظة الثمن.
 

وبعد بحث طويل وجد الصديقان ما كانا يبحثان عنه في أحد أسواق الخضار والفاكهة بالقاهرة، دراجة بخارية روسية، حمراء اللون بمحرك 650 سي سي، وملحق بها سيارة اختيارية لتتسع لشخصين، وأطلقا عليها اسم "يوري"، وقررا أنها ستقودهما لقلب أفريقيا حيث الثقافات المتنوعة والمختلفة. 
 
أول صدمة

بعد حوالي شهر من الترتيب للرحلة، تحرك الصديقان في يوم 26 ديسمبر 1986، وقبل حتى أن يتمكنا من مغادرة حي الزمالك حتى تعرضا لأول صدمة بعدما توقفت «يوري» عن العمل، ليدركا سريعًا أنهما لم يملآها بالوقود الكافي، وبدآ في دفعها بأيديهما حتى أقرب محطة وقود.
 

أقرأ حكاية أخرى| زمن «الأوتوموبيلات».. آثار متحركة يلاحقها العاشق «وهدان»

 

«السير جنوبًا بالقرب من النيل والأرض الخصبة حلم كل رجل يحب قيادة الدراجات البخارية»، هكذا يصف شيللر الرحلة، ويضيف أنه على امتداد الطريق لم يكن يرى هو ورفيقه سوى الحقول الخضراء الواسعة والماشية والحيوانات.
 

وبينما كانا يسيران معًا شعرا بتقلبات الجو المُختلفة في جنوب مصر، بدءً من نسمات الصباح الباردة حتى الشمس الحارقة عند انتصاف النهار.
 
 
الدهشة تلاحقهما

 
ويقول شيللر: «بينما كنت أتوقف أنا ومارك لتناول الطعام أو النوم أو حتى زيارة المواقع الأثرية التي كنا نراها على جانبيّ الطريق، كان يلتف حولنا الناس، مندهشين من الرجلين المسافرين واللذان يبدو أنهما في مغامرة طويلة، فقط بصحبة دراجة بخارية حمراء تبدو وكأنها من حقبة تاريخية مختلفة».
 

كان عدد كبير ممن قابلناهم يشعرون بالرغبة في سماع قصتنا وما ننوي فعله، إلا إنهم بمجرد أن يعرفوا خطتنا للتوجه للجنوب بواسطة دراجة بخارية حتى يصفونا بأننا "2 خواجات مجانيين" أصيبوا بضربة شمس.
 

أقرأ حكاية أخرى| شعر ذقن وصوت ذكوري.. منشطات النساء «100% رجولة»  

 

يكمل شيللر: «كانت أيامنا الجميلة والبسيطة أوشكت على الانتهاء دون أن ندري عندما كنا نحاول الصعود على متن عبّارة لتنقلنا من أسوان في مصر إلى وادي حلفا بالسودان، ولأننا كنا قد سمعنا في ذلك الوقت أن السودان تعاني من أزمة في الوقود، أحضرنا معنا ما ظننا أنه سيكفي، ولكن قبطان العبّارة لم يسمح لنا بالصعود إلا بعد إفراغ كل حمولتنا من الوقود الإضافي الذي كنا أحضرناه، وذلك بسبب حريق قديم اندلع في إحدى العبّارات منذ عدة سنوات، الأمر الذي وضعنا في موقف سيء بمجرد وصولنا للسودان».


 
الوضع يزداد سوءًا


«كان الوضع في وادي حلفا أسوأ مما اعتقدنا بكثير»، يصف الراوي لحظاته الأولى هو وصديقه بالسودان، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أنهما لم يملكا سوى الدراجة البخارية التي أوشك وقودها على الانتهاء، والتي كانت وسيلة المواصلات الوحيدة في تلك المدينة بمجرد وصولهما، لذا حاولا اللجوء لعمدة المدينة متمنييّن أنه ربما يتمكن من مساعدتهما، لكنه كان يعاني من نفس المشكلة، بل والأسوأ من هذا أنه استخدم دراجتهم واستغل أن بها وقود ليوصلاه مجانًا إلى منزله في ذلك الوقت.
 

أقرأ حكاية أخرى|  مارمينا العجائبي.. بركات الجندي القبطي تُبطلها «المياه الجوفية»

 

وبعد فترة من الوقت ليست طويلة أدرك الرواي وصديقه المصور، أنه لا يوجد وقود على الإطلاق في هذه المنطقة وأنهما مجبران على التخلي عن الخطة الأساسية لقيادة الدراجة جنوبًا لاستكمال رحلة جيمس ويلسون وفرانسيس فلود، لذلك اضطرا للجوء إلى السفر بالقطار جنوبًا، والأكثر من ذلك أنهما قررا توفيرًا للمال أن يصعدا على قمة القطار، الأمر الذي سمح لهما بالتأمل في الصحراء لمدة 24 ساعة على الأقل، وهو الوقت نفسه الذي استغرقه القطار للوصول إلى مدينة عطبرة الواقعة بين الخرطوم وبور سودان.
 
 
انفراجة ثم حادث

 
يقول شيللر: «وجودنا في عطبرة جعلنا في حال أفضل بكثير من التي كنا عليها طوال اليومين السابقين، فقد وجدنا فندقًا صغيرًا نمنا فيه لمدة يومين متتاليين، كما تمكنا من العثور على وقود في مركز الشرطة المتواجد هناك، الأمر الذي أعطانا أمل جديد أننا سنتمكن من مواصلة الرحلة».

 

أقرأ حكاية أخرى| التنقيب «الدموي» عن الآثار.. قرابين بشرية ومطالب جنسية لـ«الأسياد»


وبينما كان الصديقان يستكملان رحلتهما ظهرت شاحنة كبيرة اصطدمت بـ«يوري» لتخرجهما عن الطريق، لم تكن هذه هي صدمتهما الأولى في ذلك الوقت، فبعد أن قاما بإصلاح الدراجة، وجدا أن طريق الإسفلت الممهدة التي يسيرا عليها قد انتهت، وكان ما تبقى من الطريق صحراء ورمال صفراء، الأمر الذي جعل الرحلة أصعّب.

 


الروس صمموا الدراجة «يوري» لتناسب درجات الحرارة المنخفضة والباردة التي يعيش فيها سكان الاتحاد السوفييتي، لكنها لم تكن مناسبة أبدًا لدرجات الحرارة العالية في جنوب أفريقيا، الأمر الذي دفع المغامران للتوقف على فترات قصيرة من أجل إصلاح تخفيف درجة حرارة المحرك.
 
 
هنا الخرطوم


 
في الطريق إلى الخرطوم - التي لم تكن سهلة على الإطلاق - قابل شيللر وصديقه مجموعات مختلفة من الأشخاص، ينتمون لثقافات مختلفة، من ضمنهم مجموعة من عمال الإغاثة الأيرلنديين، وكان القاسم المشترك بين كل من التقوه خلال الرحلة أنهم كانوا يحاولون تقديم المساعدة بقدر الإمكان.

 

أقرأ حكاية أخرى|  القائد لوكولوس.. صاحب أكبر معدة في التاريخ


ويقول شيللر: «بمجرد وصولنا إلى الخرطوم قمت أنا ومارك بإعادة ترتيب كل خططنا المُعدة سابقا حول هذه الرحلة، فبعد أن استسلمنا لفكرة عدم إنهاء المغامرة بالشكل الذي أردناه  في قلب أفريقيا، قررنا العودة إلى بور سودان مرة أخرى ومنها لمصر، لكننا قبل ذلك أردنا القيام ببعض الأعمال الهامة».

 
مهمة عمل


ويضيف: «تركت أنا ومارك دراجتنا البخارية عند بعض الأصدقاء بالسودان، وبينما سافرت أنا للعاصمة التشادية انجمينا لتغطية النزاع الدائر بين ليبيا والتشاد، قرر مارك التوجه إلى السودان الغربي (السنغال والنيجر)، واتفقنا على أن نتقابل مرة أخرى في الخرطوم بعد أسبوعين».
 
 


يُكمل شيللر «أثناء التحضير للعودة وجدنا طريقًا ممهدة حديثًًا واصلة بين الخرطوم وبور سودان، وعلى الرغم من كل محاولاتنا للمحافظة على محرك الدراجة البخارية وعدم استخدامها كثيرًا في النهار، إلا إنها توقفت في النهاية، وكان علينا أن ننتظر على جانب الطريق حتى جاءت مجموعة تتبع منظمة Save the Children وساعدتنا على العودة لبور سودان، وفي طريق عودتنا من هناك لمصر مرة أخرى لم نكن نتوقع أكثر مما شاهداه بالفعل على مدار رحلة التي استمرت شهرين».

 

أقرأ حكاية أخرى| بالدبابات والمدرعات.. معركة سياحية مصرية في قاع البحر


مرّ 30 عامًا على تلك الرحلة، إلا أن شيللر ومارك لا يزال يراودهما حلم إتمامها، فالآن الدراجة Ural Moto التي أطلقوا على نسختها القديمة يومًا اسم «يوري» تطورت كثيرًا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، وأصبح محركها مناسبًا أكثر للدول ذات الحرارة المرتفعة.