محمد البهنساوي يكتب.. من ينقذ الاستثمار السياحي؟

الكاتب الصحفي محمد البهنساوي - رئيس تحرير «بوابة أخبار اليوم»
الكاتب الصحفي محمد البهنساوي - رئيس تحرير «بوابة أخبار اليوم»

مضاعفة دورة رأس المال خطر.. وإنهاء تعدد المراقبة والرسوم بداية الحل


لا يختلف اثنان على أن الحسنة الوحيدة التي طالت صناعة السياحة بعد ثورة 25 يناير هي زيادة الاهتمام ولفت أنظار الجميع بمصر لأهمية تلك الصناعة الحيوية لاقتصادنا القومي. 

 

ولا يختلف اثنان أيضا على أن تعاون الحكومة وسعيها لمساندة القطاع كان الأفضل منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، وحتى فترة ليست بقليلة كانت الوزارة فيها ضد مصالح القطاع نفسه بل وتسعى لإعاقته لكان قد تم حل مشاكل عديدة للقطاع السياحي، وربما تغيير حقيبة السياحة وإسنادها إلى الوزيرة الحالية د. رانيا المشاط يحسب للقيادة السياسية أيضا ورصيدها في مساندة القطاع وإخراجه من دوامة الصراع التي كادت أن تفتك به.

 

كل هذا كلام جميل ولا نستطيع إنكاره، بل على العكس نسارع بدق جرس إنذار إذا ما شعرنا بخطر يؤثر على العائد الذي تسعى الدولة لجنيه من الصناعة الكثر تنافسية بمصر، وهو ما دفعنا للكتابة اليوم، فقد وقع أمامنا معلومتان متضادتان ومحصلتهما تهديد حقيقي وخطير على مستقبل الاستثمار السياحي خاصة الفندقي بمصر. 

 

المعلومة الإيجابية الأولى تخص دولا منافسة لنا بالمنطقة، وهذا التطور الكبير لصناعة السياحة والاستثمار الفندقي بها في ظل تسهيلات حكومية غير محدودة للسياحة بتلك الدول مما دفع بها للصفوف الأمامية في خريطة السياحة العالمية، وكان السبب الأهم في هذه الطفرة السياحية بتلك الدول التسهيلات الحكومية والمزايا العديدة التي زادت من عوائد الاستثمار الفندقي فبدأ تدفق الاستثمار والمستثمرين على هذه الدول.

 

في المقابل نصل وبكل أسف للمعلومة الثانية، وهى الزيادة الكبيرة لتكلفة الاستثمار السياحي بمصر والتراجع الملحوظ لعائداته، مما تسبب لن نقول في هروب الاستثمارات السياحية من مصر لكن بالمعنى الأخف تراجعها، ولمن يريد التأكد من ذلك عليه مراجعة حجم الاستثمارات والمشروعات التى تمت السنوات الماضية مقارنة بمثيلاتها قبل ثورة يناير. 

 

وبالطبع هناك أسباب عديدة لذلك لكن في مقدمتها حجم القيود الحكومية التي تعوق انطلاق الاستثمار السياحي وتفرض عليه رسوما تزيد من أعبائه !!. وما لفت نظري لتلك القضية تهليل لبيان هيئة التنمية السياحية عن أعمالها بإصدار موافقة مبدئية لأكثر من ١٦ مشروعا جديدا بالعين السخنة وافتتاح مشروعات بالقصير ومرسى علم ورأس سدر وجميعها أرقام أولا ليست بمدن سياحية ولا تخدم بنسبة كبيرة صناعة السياحة وثانيا أرقام هزيلة.

 

ولمعرفة أعمق لتلك المشكلة تواصلنا مع عدد من مستثمري السياحة فكان هناك بالفعل إجماع على أن الاستثمار الفندقي في خطر، ولأسباب كثيرة منها، زيادة التكلفة الاستثمارية للغرفة الفندقية بمصر من 500 ألف جنيه إلى حوالي 2.5 مليون جنيه للغرفة الواحدة، وذلك لأسباب عديدة منها بالطبع ارتفاع سعر الصرف فتضاعفت معه أسعار كافة التجهيزات، وكذلك ارتفاع تكلفة البناء ومواده وتجهيزاته.

 

الشق الثاني وهو المصيبة التي تواجه السياحة المصرية وهي التدني الشديد والمتواصل في أسعار بيع الفنادق مما أدى لتراجع الدخل والعائد، وأمام كل تلك الأسباب زادت دورة الاستثمار السياحي وعائده من 7 سنوات قبل ثورة يناير إلى حوالي 15 عاما حاليا وهو رقم يدعو كل مستثمر للتفكير قبل ضخ استثماراته، وكما قلنا لمن يريد التأكد من صحة هذا الكلام فليراجع أرقام الغرف التي أضيفت للطاقة الفندقية السنوات الماضية وحجم الإقبال على المشروعات الجديدة، ليكتشف تراجعا حادا في الأرقام، الأمر يتطلب وقفة جادة سريعة من حكومة الدكتور مصطفى مدبولي ووزيرة السياحة د. رانيا المشاط لدق ناقوس الخطر.

 

وهنا نصل لنقطة أخرى ومشكلة عويصة منذ سنوات تواجهها السياحة بلا حل أو حتى سعى للحل، فلا توجد دولة في العالم مثل مصر في حجم الجهات التي تراقب وتشرف على صناعة السياحة والتي تصل إلى حوالي 25 جهة، بجانب ما تفرضه كل جهة من رسوم ومصروفات وخلافه بصورة أولا غير منطقية وثانيا مبالغ في بعضها.

 

لا اعتراض بالطبع على كثير من المصروفات والأعباء مادامت قانونية مثل الضرائب والتأمينات وما شابههما، لكن أن يصل الأمر إلى ما يشبه الإتاوة وتتحول السياحة إلى «الفرخة» التي يسعى الجميع لقتلها للحصول على البيض الذهب فهذا غير منطقي أو معقول على الإطلاق.

 

ونقطة أخرى غريبة للغاية، فرغم أن معظم تلك الرسوم التي يعانى منها القطاع غير قانونية، إلا أنه تتم زيادتها بشكل مستفز ومبالغ فيه ويدعو للجنون فهل يعقل أن يزيد رسم رسو الفندق العائم بالمراسي من 34 ألف جنيه إلى 1.3 مليون سنويا دفعة واحدة أو إيجار أراضى المراسي من 5 إلى 80 جنيها للمتر.

 

ومرفق بالمقال جدول لأغرب الرسوم التي تفرضها الجهات المختلفة على صناعة السياحة، فلو بدأنا فقط بمراجعة هذا الجدول نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحيح لمواجهة الخطر السياحي والاستثماري الذي يقترب منا، فهل يتحقق هذا الأمل ؟! .