الصناعات الثقافية تنتظر قبلة الحياة

الحرف اليدوية تحتاج للإنقاذ
الحرف اليدوية تحتاج للإنقاذ

- نقيب الحرف التراثية: نعانى من خطر الاندثار.. وإحياؤها ينعش الدخل القومى
- الحرفيون: نحتاج لمعارض ومسابقات ومنتجاتنا تستطيع المنافسة عالمياً
- خبراء الاقتصاد: حلم «الوظيفة الميري» اغتال «سر الصنعة» .. ونحتاج لمدارس متخصصة 

 

الثقافة .. كلمة ترددت كثيرا على ألسنة المشاركين فى المؤتمر الوطنى السادس للشباب، والذى استضافته جامعة القاهرة.. فالثقافة مجال متسع الروافد والآفاق، وهى ركيزة أساسية لبناء الإنسان المصري، وتحقيق الهدف المنشود الذى أعلنه الرئيس لفترة ولايته الثانية.. والثقافة المصرية ورغم ثرائها الكبير وتنوعها، إلا أنها تعانى من عدم الاستغلال بالصورة المطلوبة، والتى يمكن إذا ما أحسنا الاستفادة منها أن تتحول إلى أداة مهمة، ليس فقط فى تنمية وعى وبناء الإنسان المصري، بل يمكن أن تكون أيضا موردا اقتصاديا كبيراً للاقتصاد الوطني، فالاهتمام بالصناعات والحرف الثقافية يمكن أن يساهم فى زيادة الدخل القومي، فهناك حرف تميز بها المصريون على مر العصور مثل الخيامية والصدف والخزف والبوص. 

 

«الأخبار» للحديث طرحت السؤال على عدد من الخبراء والمتخصصين فى هذه المجالات للتعرف على كيفية النهوض بالصناعات التراثية، وتفعيل دور الثقافة  فى بناء الإنسان المصري.


فى البداية يقول أشرف السيد، الأمين العام لنقابة العاملين بالحرف التراثية، ان المهن التراثية ترتبط بشكل وثيق بالصناعات اليدوية، والصناعة اليدوية تشكل جزءاً كبيراً من الاقتصاد المصري، وتنمية هذه الصناعات لاتعنى إلغاء التكنولوجيا فى العمل اوالتقليل منها، بل ان المهارة اليدوية تساعد بشكل كبير العامل على تنمية مهاراته التكنولوجية لاستخدام الماكينات والأدوات الحديثة.


هوية المجتمع
ويضيف قائلا: ان نشر الحرف التراثية يؤدى إلى زيادة أعداد الورش الصغيرة مما يساعد على تنمية المجتمع، فهناك مئات من انواع الحرف التراثية التى يمكن تنميتها حتى لاتندثر مثلما حدث لبعض الحرف بسبب قلة شيوخ الحرف وعدم وجود نشء كاف لاستمرارها، بالإضافة الى فكرة ابتعاد الأسرة عن إلحاق ابنائها بالتعليم الفنى حتى لايعانى من مشاق العمل الحرفي.
ويتابع السيد بالقول : إنه يجب وضع حلول دائمة لتنمية المهن التراثية التى تشكل جزءا كبيرا من هوية المجتمع المصرى وتراثه الثقافي، بالإضافة الى المكاسب الاقتصادية التى يمكن تحقيقها من استغلالها بشكل مناسب، فالاهتمام بالحرف التراثية يبدأ من خلال تطوير مناهج التعليم الصناعى والاهتمام بالمستوى العلمى والعملى للمعلم الذى يجب ان يخضع لتدريبات جيدة حتى يستطيع ان يخرج عاملا ماهراً على قدر كبير من الاحترافية تؤهله لأن يدخل سوق العمل.


ويضيف السيد: أن من ضمن الحلول ايضا المشاركة المجتمعية لأصحاب المصانع والذين لهم دور فى رفع كفاءة العمال مثلما يحدث فى دولة مثل ألمانيا التى تشترط على المصنع وجود جزء تدريبى وتعليمى بداخله حتى يحصل على الترخيص.


ويؤكد: ان الدولة لها دور كبير من حيث توفير المواد الخام التى ارتفعت أسعارها بشكل كبير بسبب ندرتها، مما يؤدى إلى ارتفاع سعر المنتج وبالتالى تقل المبيعات وتتكبد الورش الخسائر فيتم إغلاقها، ولذلك يجب ان يكون هناك دعم من الدولة لهذه الحرف، بالإضافة لتوفير طرق للتسويق من خلال توفير المعارض بأسعار مناسبة للحرفيين.


ويشير إلى ان اهتمام الرئيس بالتراث الثقاقى والمهن التراثية أمر مهم للغاية ومطمئن، ونتمنى خلال الفترة المقبلة تحرك الجهات المختصة ووضع خطط وآليات لتنمية هذه المهن التى يمكن ان تشكل مصدرا مهما للدخل القومي.


تحدثنا الى بعض العاملين فى الحرف التراثية والثقافية للتعرف على أبرز مشاكلهم وما يحتاجون إليه كى يساهموا فى الانتاج بشكل أفضل، فأكد محمد سيد، أحد العاملين فى صناعة التماثيل التذكارية بمنطقة امبابة، أنهم يحتاجون إلى دعم للمواد الخام التى يستخدمونها أثناء العمل فبسبب ارتفاع الأسعار خاصة ان معظم المواد المستخدمة مستوردة وأصبحت تكلفتها تؤثر على الربح مما تسبب فى فرار العديد من العاملين من هذه الحرف التراثية قائلًا: «معظمنا ساب الحرف التراثية واتجه للتوك توك عشان بيكسب أكتر».


وأضاف سيد: أنه يتمسك بالحرفة التى امتهنها ابًا عن جد ورغم أنها تعرضهم احيانًا للإصابات وللخطر إلا أن شهادات أمان التى انشأها الرئيس عبد الفتاح السيسى لهم ولحمايتهم لكن يظل نقطة ارتفاع اسعار المواد الخام تهددهم خاصة أن المنتج الصينى المنافس يطرح ما يشبه نفس الصناعة بأسعار أرخص كثيرًا.


أما أحمد عبد المنعم، عامل بصناعات الخيامية: فتحدث عن غياب المعارض التى يحتاجونها لتنشيط البيع والشراء فى هذه المجالات وأنه يحتاج احيانًا من النقابات والوزارات المعنية إلى التواصل من أجل تنظيم مسابقات ومعارض بين العاملين بالحرف الثقافية والتراثية لخلق مجال تنافسى بجوائز تشجع على الإبداع وعدم التكاسل وكذلك المعارض تشجع المشترين على الذهاب ومشاهدة الأعمال الفنية قائلًا: «والله فيه ناس فينا بتعمل تحف ممكن تنافس على مستوى دولى .. بس محتاجين تسويق ودعم مش أكتر».


الوظيفة الميري
وعن العائد الاقتصادى من تفعيل دور الثقافة وإحياء الصناعات التراثية يقول د. رشاد عبده رئيس المنتدى المصرى الاقتصادى والاستراتيجي : إن الصناعات الثقافية فى جميع أنحاء العالم تعتبر مصدرًا رئيسيًا تهتم به جميع الدول وذلك لفائدته الكبيرة على كل الأصعدة الاقتصادية لان الصناعات اليدوية من ارقى الصناعات التى يتهافت عليها الجميع لجودتها.


ويضيف عبده: أن فوائد هذه الصناعات لا تتوقف حيث انها شريك رئيسى فى صناعة السياحة، لأن هذه الصناعات تعد عاملًا رئيسيًا فى نشر ثقافة وصورة هذه المجتمع وابراز عاداته من خلال المنتجات التى يتم تصنيعها والتى تعبر عن الواقع الذى يعيشه أفراد هذا المجتمع فتكون بذلك رسالة تعارف بين المجتمعات وبعضها البعض.


ويشير عبده إلى أن مصر مليئة بهذه الصناعات ذات القيمة وذات السمعة العالمية مثل الصناعات اليدوية والفرعونية، والتى كان يقوم بها خان الخليلى وكان يتحدث عنها العالم اجمع بالإضافة إلى صناعة السجاد اليدوى الذى كان يتم تصنيعه من الحرير والذى كانت تنتجه اشميم فى سوهاج والكثير الكثير الذى كان يتهافت عليه الجميع لشرائه ووصل سمعته للعالمية وكان يتم تصديره مما كان له أثره على الدخل القومي.


ويكمل الخبير الاقتصادى أنه مع غلاء تكاليف المعيشة وتغير الثقافة اندثرت هذه الصناعات على الرغم من أهميتها لتصبح الآن أثرا من الماضى نحاول إحياءه مرة أخرى بعد أن أصبحت المنتجات الصينية بديلة عنه فى وقتنا الحالي.


ويوضح عبده أن الكارثة الكبرى هى أن أصحاب هذه الحرف انتهجوا منهجا جديدا فبعد أن كانوا يورثون أبناءهم « سر الصنعة» أصبحوا الآن يوجهون أبناءهم فى اتجاهات اخرى ويقتصرون فى نصائحهم على ضرورة أن يستمر الابناء فى التعليم لأجل حلم الوظيفة الميرى ذات الدخل الثابت وهذا كان سببا رئيسيا أيضا فى اندثار هذه الصناعات القيمة.. ويرى رئيس المنتدى المصرى الاقتصادى أن الحل لعودة هذه الصناعات يبدأ من وزارة الصناعة والتى يجب ان تتبنى حملة مكبرة لتوعية المواطنين بأهمية هذه الصناعات بجانب ان تقوم بعمل ورش وحضانات لتأهيل الشباب لمثل هذه الصناعات.


ويضيف أن من أهم الحلول أيضا هو أن تعود وزارة التضامن لإحياء مشروع الأسر المنتجة مرة أخرى وان تعود لتوفير الخامات وتوزيعها على أصحاب الحرف لتصنيعها ومن ثم تعود لتسويق هذه المنتجات فى المعارض السياحية وبذلك يكون هناك استفادتان الاولى هو اننا روجنا لمنتجاتنا اليدوية والثانى اننا قمنا بالترويج السياحى لمناطق هذه الصناعات والتى ستتحول لـ»بازارات» سياحية يأتى اليها جنسيات مختلفة.


ويشير د. رشاد عبده إلى أن الصناعات الإبداعية تسهم بحوالى 3٪ من الاقتصاد الخاص بالاتحاد الأوروبي، وتبلغ القيمة السوقية لهذه الصناعات هناك حوالى 500 بليون يورو، ويعمل فيها حوالى 6 ملايين نسمة وتهتم بشكل حاسم بالابتكار، وفى إندونيسيا يوجد اهتمام زائد بالصناعات الإبداعية، إذ تم إنشاء وزارة جديدة فى الحكومة الإندونيسية هى وزارة السياحة والاقتصاد الإبداعى.


أكاديميات للتدريب
أما النائبة بسنت فهمي، عضواللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، فتؤكد أن الصناعات الثقافية التى تحدث عنها الرئيس السيسى فى المؤتمر الدولى للشباب، لا تحظى بالاهتمام الكافى حاليًا ولكن عندما تحدث عنها الرئيس، فإن ذلك يفتح الطريق أمام إعادة الاهتمام بها، ويجب على كل مسئولى الدولة الاهتمام بمثل هذه الصناعات المتمثلة فى «الصدف والخزف والصناعات اليدوية والاثار والحرف وغيرها من الحرف»؛ لذلك يجب تدريب الشباب تدريبا جادا على هذه الحرف المهملة فى مصر.


وأضافت فهمي، أنه يجب إنشاء أكاديميات متخصصة أوكليات متخصصة لتدريب هؤلاء الشباب على الحرف المختلفة، وذلك لكى يتم النهوض بالبلاد بالاضافة إلى أنه يجب على الشباب أن يتكاتفوا مع الرئيس السيسى من أجل النهوض بالبلاد؛ لأنهم بناة المستقبل.


استراتيجية واضحة
من جانبه يؤكد محمد السيد عيد، الكاتب والسيناريست، والمهتم بقضايا التراث المصرى على أهمية بناء الإنسان المصري، ويكون ذلك من خلال تعاون 6 جهات وهى وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالي، والشباب والرياضة، والثقافة، والأوقاف، بالإضافة إلى الإعلام، وتقوم هذه الوزارات بوضع إستراتيجية واضحة لبناء الإنسان فى الأعوام العشرين المقبلة، على ان يرأس هذه المجموعة نائب رئيس وزراء.. وتابع قائلا إن هناك جهودا طيبة فى هذا الأمر، واهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى بقضية بناء الإنسان المصرى وما يقوم به من تطوير التعليم والمجال الصحى خطوتان مهمتان لبناء الإنسان، ولكن لابد أيضا من الاهتمام بالجانب الأخلاقى والنفسى والثقافى لأن الانسان ليس جسدا فقط، اوتعليما يخاطب العقل فقط ولكنه كائن متعدد الجوانب ولذلك يجب الاهتمام بكافة هذه الجوانب، واذا لم نقم بالبناء الأخلاقى للإنسان فإن المنتجات الآخرى ستضيع.. وأضاف عيد أن معظم ما نعانيه من مشاكل يرجع لعيب فى بناء الإنسان المصري، وهذا العيب هو اهتزاز البناء الأخلاق، فأمراض المجتمع من السرقة، والرشوة، والاختلاسات التى وصلت أحيانا للمليارات، وغير ذلك من أشكال النصب والتحايل، بل إن مشكلة المخدرات وانتشارها حالياً ترجع أولاً لاهتزاز البناء الأخلاقي، ولذلك فبناء الإنسان هوالضمان لعلاج كل مشاكل المجتمع المصرى.