حكايات| مصريات في عالم الجاسوسية.. إحداهن أدخلت الألمان لـ«القاهرة»

مصريات في عالم الجاسوسية.. إحداهن أدخلت الألمان لـ«القاهرة»
مصريات في عالم الجاسوسية.. إحداهن أدخلت الألمان لـ«القاهرة»

بين الخيانة والوطنية «شعرة»، وفي القاموس المصري نساء بعضهن سطرن أسماءهن بأحرف من النور في صفحة الفدائية وأخريات لطخن أنفسهن بدماء فضيحة بيع الوطن، وأمسكن بخناجر لطعن بلدهن بـ«سم التخابر» لصالح جهات أجنبية في أوقات عصيبة.

 

ومثلما تتشابك أيدي الشرفاء دفاعًا عن أرض وعرض بكل قوة ولآخر نفس، هناك مصريات أدرن ظهورهن لتاريخ كليوباترا وحتشبسوت وقررن تسليم معلومات عن وطنهن لدول تقف في الجهة المقابلة من العداء، ليصبحن جاسوسيات من الدرجة الأولى.

 

هبه سليم.. ليلة بكت فيها جولدا مائير

 

في العادة، تأتي المادة على رأس مسببات الخيانة،  لكن ماذا عن شابة جميلة من أسرة راقية تخرجت في المدارس الفرنسية وارتادت أعرق الأندية؟.. ما الهدف الذي دفعها للإقدام على أمر كلفها حياتها في النهاية؟

 

هبه عبد الرحمن سليم، مولدة لأسرة ميسورة الحال، تخرجت في إحدى المدارس الفرنسية، ثم استكملت دراستها بفرنسا كعادة «الهاي لايف» آنذاك، الذين كانوا يستكملون تعليمهم بالخارج.

 

اقرأ حكاية أخرى| من الصحراء لعرض البحر.. رحالات يخضن مغامرات خارج الحدود

 

في هذا الوقت، كانت مصر تعيش مرارة هزيمة 67، بينما عاشت «هبة» حياة أوروبية بكل معانيها؛ حيث الخروج والانطلاق والانفتاح، تعرفت على صديقة بولندية يهودية، والتي بدورها عرفتها على مجموعة من الشباب اليهودي، تأثرت بفكر الجانب الآخر، حيث تم غسل مخها بأن إسرائيل دولة صاحبة حق، وأن شعبها ليسوا وحوش، ومن هنا بدأت مسيرة الخيانة.

 

كانت فرنسا في هذا الوقت مرتعا لعناصر الموساد السرية، حيث سهلوا مهمة «هبة»، واستطاعت من خلال دراستها بالسوربون من مد فترة تواجدها بفرنسا لعامين إضافيين.

 

وتزامنًا مع ذلك، كانت هبة ملاحقة «عاطفيا» من قبل ضابط بالقوات المسلحة يدعى فاروق الفقي، استغلت حبه الشديد لها حيث وافقت على الارتباط به رغبة في استغلال مكانته لصالح الحصول على معلومات تخص عمله الحساس.

 

اقرأ حكاية أخرى| أكل المخاصي «حرام».. ماذا لو كان رأي «أبو حنيفة» صائبًا؟

 

في البداية، استغلت هبة حب الضابط «الولهان» لها واستدرجته في الحصول على معلومات حول مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت لمصر سرا، والتي سيتم استخدامها في حرب أكتوبر التي لم يكن أحد يعلم موعدها، وكانت ترسل تلك المعلومات إلى باريس ومن ثم استطاعت تجنيده ليصير عميلاً غير مباشر للموساد، وللأسف تمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية بها منصات الصواريخ «سام 6» المضادة للطائرات.

 

 

لغز كبير أصبح أمام المخابرات المصرية، ففي الوقت الذي كانت الصفقات العسكرية سرية، كانت مواقع الصواريخ الجديدة تدمر أولاً بأول بواسطة الطيران الإسرائيلي، وحتى قبل أن يجف البناء وكانت المعلومات كلها تشير إلى وجود «عميل عسكري» يقوم بتسريب معلومات إلى إسرائيل.


استطاعت المخابرات قطع الحبل الذي كان يمد تل أبيب بأدق المعلومات، وذلك بالقبض على الفقي، حيث اعترف بكل شيء، وأعدت خطة للإيقاع بهبة وذلك عن طريق خداعها بضرورة الذهاب لوالدها الذي كان يعمل في ليبيا، حيث اصطحبها رجال المخابرات في طائرة وهناك تم الإيقاع بها.

 

اقرأ حكاية أخرى| مدرسة «الأرتيست» للفتيات.. ضبط إيقاع الطبلة بالأيادي الناعمة 

 

قدم «العاشقان» للمحاكمة، التي حكمت بإعدامها شنقا وإعدام الفقي رميا بالرصاص نظرا لكون مصر كانت في حالة حرب آنذاك. حزنت إسرائيل على موت «عميلتها» التي كانت توصف بكونها فوق العادة، حيث بذلت رئيسة الحكومة الإسرائيلية جولدا مائير قصارى جهودها لمنع تنفيذ الحكم لدرجة أنها أرسلت وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر للقاء الرئيس السادات كوسيط لمنع إعدام هبة، إلا أن الأخير أبلغه أن الحكم قد نفذ.

 

انشراح «سابقًا».. دينا بن ديفيد «لاحقًا»

 

سيدة مصرية عادية، ولدت في صعيد مصر، شاءت الأقدار أن يعمل زوجها إبراهيم شاهين في مدينة العريش، فانتقلت للعيش معه وأنجبا ثلاثة أبناء من الذكور، كان زوجها موظفًا بسيطًا بمديرية العمل – القوى العاملة حاليًا - بالعريش، وكان يستغل كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لجلب المال.

 

وعقب نكسة 67، اجتاحت إسرائيل سيناء، وبينما كان المناخ العام تشوبه الضغوط المعيشية، استغل الموساد تلك الأجواء للإيقاع بعملاء جدد يكونون عينا له على الوطن.

 

ولكونه شخص غير أمين، لم تكن مهمة الإيقاع بـ«شاهين» أمرا صعبا، حيث بدأ مهمته معهم بالإرشاد عن مخبأ أحد الفدائيين المصريين وقبض نظير خيانته 1000 دولار في الوقت الذي كان لا يملك ثمن طعامه، وتشجع على استكمال مسيرته من خلال وقوف زوجته مكانه التي كانت دوما تقنعه بأن ما يفعله ليس خيانة وفي حالة رفضه سيكون هناك المئات ممن يتمنون القيام بذلك، ليس هذا فحسب بل صارت هي الأخرى عميلة هي وأبنائها.

 

اقرأ حكاية أخرى|  بندق.. لبيسة فنانين تعمل «أسطى إكصدام»

 

جاءت النهاية أثناء وجود انشراح في إسرائيل، فعندما كان زوجها إبراهيم يحاول إرسال أولى برقياته إلى الاحتلال بواسطة جهاز إرسال استطاعت المخابرات المصرية التقاط ذبذباته بواسطة اختراع سوفييتي متطور جدًا وقتها اسمه «صائد الموجات» وقامت القوات بتمشيط المنطقة بالكامل بحثًا عن هذا الجاسوس، ومع محاولة تجربة الجهاز للمرة الثانية أمكن الوصول لإبراهيم بسهولة.

 

قبض على «إبراهيم» ومن بعده انشراح وأبنائهم وقدموا للمحاكمة، وفي 25 نوفمبر 1974 صدر الحكم بإعدام انشراح وزوجها شنقاً، والسجن 5 سنوات للابن نبيل وتحويل الأبناء محمد وعادل لمحكمة الأحداث، ونفذ الإعدام في زوجها وخفف الحكم على انشراح لتحبس 3 سنوات في السجن ثم أفرج عنها بموجب صفقة تبادل أسرى مكنتها من دخول إسرائيل بصحبة أبنائها فيما بعد والحصول على جنسيتها وتغيير ديانتهم لليهودية لتتحول أسمائهم إلى الأم دينا بن ديفيد والأبناء محمد وعادل ونبيل إلى رافي ويوسي وحاييم.

 

راقية إبراهيم.. «بطلة» اغتيال سميرة موسى

 

من لا يتذكر نجمة الثلاثينات والأربعينات فارعة الطول ممشوقة القوام راقية إبراهيم.. من لا يتذكر الدويتو الشهير الذي جمعها بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب حين غنى لها «حكيم عيون».

فنانة مصرية يهودية، اسمها الأصلي راشيل إبراهام ليفي، ابنة المنصورة، عرفها الجميع بكونها ممثلة من نجمات الصف الأول، وكونها يهودية لم يكن مسار شك في وقت كانت تعيش كافة الأديان والجنسيات على أرض مصر؛ لكن ما عرف عنها بعد سنوات هو أن الفنانة الشهيرة كانت عميلة للموساد،  وساهمت في جريمة اغتيال عالمة الذرة سميرة موسى، أثناء وجودها بالولايات المتحدة. 

 

اقرأ حكاية أخرى| المحجبات والرياضة.. تحرشات ومحاصرة و«ترنج» تفصيل

 

فضلت راقية إبراهيم إيمانها بدولة إسرائيل عن انتمائها لوطنها مصر، ولم يكن ضلوعها في قتل الدكتورة سميرة موسى تهمة دون دليل، فمنذ سنوات قليلة خرجت حفيدتها لتؤكد أن جدتها قد تعاونت مع إسرائيل في سبيل تنفيذ تلك المهمة حتى لا تكون لمصر فرصة في التقدم العلمي؛ حيث استغلت صداقتها الحميمة بعالمة الذرة المصرية وخانتها حتى القتل- وذلك وفقًا لمذكراتها.

 

 

وكانت إسرائيل قلقة من طموح سميرة موسى التي كانت تسعى لامتلاك مصر القنبلة الذرية، وتصنيعها بتكاليف بسيطة، فدفعت راقية إبراهيم لتقدم لها عرضا بالحصول على الجنسية الأمريكية وترك مصر، ولكن سميرة رفضت بشكل قاطع، وطردت راقية من منزلها، وواصلت أبحاثها، الأمر الذي دفع الموساد لتصفيتها بالتعاون مع «راقية».

 

حكمت فهمي.. جاسوسة للألمان في القاهرة

 

من علاقتها مع ضابط إنجليزي، أثناء حرب الألمان مع الإنجليز، اشتهرت الممثلة والراقصة حكمت فهمي بـ«جاسوسيتها»، ومن دمياط إلى القاهرة، ذاع صيتها ما دفع الألمان إلى محاولة تجنيدها، وبالفعل نجحوا في ذلك دون أن تعلم بأن حبيبها مجرد جاسوس ألماني أوقعها في حبه، وتحولت قصة الحب إلى شبكة تجسس لصالح الألمان ضد الإنجليز.

 

تعرف الجاسوس الألماني على الفنانة حكمت في النمسا وقدم نفسه على أنه طالب مصري اسمه حسين جعفر وظل يقترب منها يوما وراء الآخر حتى وقعت في غرامه، ولإتقانه العربية استغلته المخابرات الألمانية للإيقاع بحكمت التي كانت تكره الإنجليز فوافقت على التعاون معه واستأجرت عوامة له بجانب عوامتها ومنها كان يتواصل الجاسوس الألماني مع روميل من خلال جهاز اللاسلكي، وفجأة لاحظ جعفر عدم رد المخابرات الألمانية عليه فطلب من حكمت البحث عن شخص تثق فيه لإصلاح جهاز التجسس لإتمام مهمتهما في مصر.

 

اقرأ حكاية أخرى|  في الأزهر «الجديد».. «شباكنا ستايره حرير» بصوت المرأة ليس عورة

 

ذهبت حكمت إلى حسن عزت - قيل إنه صديق السادات وقتها - ووافق على إصلاح الجهاز فور علمه بمهمة الجاسوس، لكره الشديد للإنجليز، ولكن انقلبت الأوضاع واستطاع الإنجليز إلقاء القبض على الضابط الألماني وحكمت فهمي فيما بعد.

 

 

قضت حكمت عامين في السجن، وبعد خروجها قابلت الفشل في حياتها المهنية حيث رفض أصحاب الصالات أن تعمل لديهم بعدما كانت أشهر راقصة، كما فشل فيلم قامت بالتمثيل فيه، لتستكمل حياتها في التشرد والعيش داخل أروقة كنيسة ظلت تخدم بها دون أن يعرف أحد بشخصيتها سوى واحد من أقاربها الذي كان يساعدها بالطعام والدواء حتى وفاتها عام 1974.

 

سحر سلامة.. باعت جسدها من أجل «اليورو»

 

في 2014، ألقت المخابرات المصرية القبض على شبكة جاسوسية تتكون من مصريين وإسرائيليين، كانت من ضمن المتهمين امرأة مصرية باعت جسدها وشرفها ووطنها من أجل المال.

 

لم تكن كغيرها من الفتيات اللاتي قمن بشق مستقبلهن بالكد والتعب،  بل استغلت عملها السابق في مجال الصحافة لتسهيل مهمة عملها الجديد وتعاونت مع زميلها الذي ذهب بكامل إرادته وعرض نفسه على الموساد رغبة في التعاون معهم. 

 

اقرأ حكاية أخرى|  لماذا تصر سيدة صينية على لقاء «مضيف مصري» بمطار جوانزو؟ 

 

خلصت التحريات إلى أن المتهمين رمزي الشبيني وسحر سلامة قد تخابرا لمصلحة دولة أجنبية بقصد الإضرار بالمصالح القومية للبلاد بأن اتفقا والمتهمان الثالث صموئيل بن زائيف والرابع ديفيد وايزمان على التعاون معهما لصالح المخابرات الإسرائيلية بإمدادهما بتقارير بالمعلومات عن القوات المسلحة المصرية وتحركات التيارات الإسلامية ومدى شعبيتها بالشارع المصري.

 

قائمة المعلومات المقدمة، شملت قائمة بأسماء قادة المصريين في أحداث ثورة 25 يناير، والمخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية خلال تلك الأحداث، وبيانات العديد من المصريين داخل البلاد وبدولة إيطاليا وتقييم أداء عدد من المنشآت الاقتصادية العاملة داخل مصر، وكان ذلك بقصد الإضرار بالمصالح القومية للبلاد.

 

أدلت المتهمة خلال التحقيقات بأنها أقامت علاقات مخلة للحصول على معلومات تتعلق بالأمن القومي، وأنها استغلت عملها كصحفية للحصول على تلك المعلومات.

 

 

وفي التحقيقات معها أقرت بأنها حصلت على ملابس وهواتف محمولة ومستحضرات تجميل وعطور مقابل كتابة تقرير عن الجيش المصري، وتسليحه وأحداث ثورة 25 يناير، بل واعترفت بأنها كانت تعتقد في بداية الأمر أن ضابط الموساد المتهم معها في القضية، يعمل في المافيا الإيطالية وليس في الموساد الإسرائيلي.

 

المتهمة قالت في التحقيقات إنها حصلت على قرابة 2500 يورو مقابل تقرير احتفالات القوات المسلحة بتخريج دفعات، وكانت تحصل على مبلغ 500 يورو كراتب عن كل تقرير، فيما كشفت تقارير الأمن القومي أن المتهمة سيئة السمعة، واعتادت ممارسة الجنس مع الرجال، وأنها من عائلة مشبوهة فوالدها وإخوتها مسجلين خطر في جرائم سرقة وتحرش ومخدرات.