حوار| العالم المصري محمد الصوان: أكثر من ألف عالم نووي مصري رهن إشارة الوطن

العالم المصري محمد الصوان
العالم المصري محمد الصوان

- إذا وقع انصهار فى مفاعل الضبعة سينغلق ذاتياً لمدة 72 ساعة بدون تدخل بشرى
- الأمريكيون أثنوا على تصميم «روساتوم» ويعتبر الأفضل فى العالم
- الحلم النووى المصرى طار مع نكسة 67 وتوقف لأسباب سياسية 50 سنة


أكثر من ألف عالم ومهندس مصرى نووى يعيشون فى مختلف دول العالم..بعضهم بالفعل يترأس مشروعات نووية ناجحة.. والبعض الآخر يعمل فى مجال الأبحاث والتدريس الجامعى أو فى شركات لها علاقة بالطاقة النووية..

الحلم النووى المصرى بدأ فى الستينيات بتأسيس أول قسم للهندسة النووية بجامعة الإسكندرية.. للأسف طار الحلم وتعطل مع عام النكسة فى 1967 وطار بعده مئات من العلماء المصريين النوويين إلى خارج البلاد بحثاً عن وظيفة او لاستكمال دراساتهم وأبحاثهم..اليوم وبعد 51 عاماً بدأت الدولة المصرية من خلال سفاراتها فى مختلف أنحاء العالم بجمع بيانات هؤلاء العلماء استعداداً للتواصل معهم مستقبلاً وعقب بدء المشروع النووى المصرى والذى سيدشن بإنشاء المفاعل الكهرونووى بمدينة الضبعة..

«الأخبار» حاورت العالم المصرى محمد الصوان أحد أهم طيور مصر المهاجرة بالخارج وأستاذ الطاقة النووية بجامعة ويسكونسون بالولايات المتحدة الأمريكية والأستاذ بقسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية..حصد العديد من الجوائز العلمية المهمة منها جائزة الإنجاز المتميز من الجمعية النووية الأمريكية وجائزة الإسهام المتميز والدور القيادى فى مشروع مفاعل الاندماج النووى ITER من وزارة الطاقة الأمريكية وجائزة التقدير للتفوق البحثى من جامعة ويسكونسون الأمريكية..الصوان يترأس حاليا فريقا بحثيا مكونا من 5 أساتذة بينهم مصرية و10 طلاب دراسات عليا بينهم مصرى أيضا فى أكبر مشروع لتكنولوجيا الاندماج النووى (ITER) يشترك فيه 7 مجموعات من دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا وروسيا والصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان بتكلفة 15 بليون دولار لإقامة اول مفاعل نووى تجريبى لدراسة الاندماج النووى فى فرنسا...والاندماج النووى هو «الكأس المقدسة» وحلم أحلام المستقبل بالنسبة للكثير من علماء دول العالم حاليا..فمن يمتلك هذه التكنولوجيا الجديدة سيستطيع أن يغير الكثير من موازين القوى فى العالم والتى تعتمد على الطاقة التقليدية مثل البترول والغاز.

 فى البداية سألته..علماء الذرة المصريين فى الخارج يوجه إليهم اللوم بأنهم لايقدمون خبراتهم إلى بلادهم؟
خريجو الهندسة النووية من المصريين على مدار الخمسين عاما الماضية اصبح يعمل عدد كبير منهم فى امريكا وكندا وأوروبا ومعظمهم على قدر عالٍ من الخبرة ويشغلون أهم المناصب فى مواقع مثل الهيئة الدولية للرقابة على الطاقة الذرية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية وهيئات الرقابة على المفاعلات بأمريكا وكندا بالإضافة إلى خبرتهم فى مجال إنشاء المحطات وتشغيلها. وعندما تخرجت فى الستينيات كان هناك أمل وحلم ببدء البرنامج النووى لإنشاء محطات نووية لإنتاج الكهرباء فى مصر. لكن تعطل البرنامج النووى بعد النكسة فى 67 واضطر معظم المهندسين النوويين للعمل بالخارج. وبالنسبة لنا كان بناء اول محطة نووية فى الضبعة بمثابة حلم طال انتظاره وفور دخول البرنامج النووى المصرى مجال التنفيذ عرضنا المساهمة بخبراتنا لمساعدة مصر فى الدخول فى هذا المجال.


دعوة علماء مصر
 هل تم أى تواصل بينكم وبين الجهات الرسمية فى مصر؟

مؤخرا تم دعوة جميع العلماء المصريين المتخصصين فى المجال النووى بالخارج لملء استمارات فى السفارات المصرية تشمل الكفاءات والإمكانيات ومجال العمل والفترات التى يمكننا العمل بها والأوقات المناسبة لنا..استعدادا لتجهيز قاعدة بيانات بمعظم العلماء المهاجرين لمساعدة الدولة على الاستفاده من خبراتهم...ونحن جميعا رهن اشارة الوطن لكن للاسف لم ير هذا التعاون النور حتى الآن ومعظم الجيل الاول من المهندسين النوويين وصل إلى مرحلة التقاعد وقلنا مرارا فى اللقاءات والمؤتمرات التى حضرتها فى مصر اننا على استعداد للمساعدة عن طريق التواصل مع الأجيال الجديدة بدون مقابل مادي. ما أقوم به الآن هو حضور مؤتمرات فى مصر وإلقاء المحاضرات العامة فى الجامعات ومراكز الأبحاث فى مصر اثناء زياراتى كذلك التواصل المستمر مع طلبة واساتذة قسم الهندسة النووية بجامعة الاسكندرية وقضاء وقت طويل بالقسم. أنا مجالى أكاديمى فى التدريس والابحاث ولكن هناك الكثيرين من العلماء المصريين الذين يعملون بمحطات نووية او هيئات نووية دولية ويرغبون فى المساهمة بخبراتهم ومستعدون لتقديم يد العون.


 علمنا أنك تعمل مع فريق بحثى يضم مصريين منذ سنوات على أكبر مشروع لتكنولوجيا الاندماج النووى(ITER)..الى ماذا انتهى هذا المشروع ؟ وماهى تكنولوجيا الاندماج النووى؟
انا اعمل فى مجال طاقة الاندماج النووى منذ حوالى 40 عاما حتى الآن واذا نجحت مفاعلات الاندماج النووى ستصبح طفرة علمية حقيقية وستحقق خيرا كثيرا للبشرية واقود حاليا فريقا من العلماء المصريين والاجانب من جامعة ويسكونسون الامريكية لتصميم مفاعلات الاندماج ونبنى حاليا اول مفاعل تجريبى يعمل بطاقة الاندماج النووى فى جنوب فرنسا بمدينة مارسيليا وسيكون اول اختبار عملى لاستخدام طاقة الاندماج فى انتاج الكهرباء ولو نجحنا واثبت فعاليته فسيكون قفزة كبيرة للبشرية وممكن ان تحل مكان الوقود الاحفورى مثل البترول والفحم والغاز وطاقة الرياح والطاقة الشمسية ويعمل على هذا المشروع 6 دول من الاتحاد الاوروبى بالاضافة إلى امريكا والصين وروسيا واليابان والهند وكوريا الجنوبية واكثر من نصف سكان العالم يمثلون ذلك المفاعل الاندماجى وكل دولة تقوم ببناء جزء من المفاعل وتم بالفعل انشاؤه منذ حوالى 5 سنوات وسينتهى 2025 وسيعمل بقدرة كاملة فى 2035 بعدها سنقوم بتحليل نتائج هذا المفاعل ومدى فاعليته للعالم لانتاج الكهرباء بسعر معقول وطريقة آمنة.


 ماهى تكنولوجيا الاندماج النووى؟
عملية الاندماج النووى هى عكس عملية الانشطار النووى التى تعتمد عليها كل المفاعلات النووية الموجودة فى العالم حاليا التى تعتمد على تحطيم الذرات وانشطار اليورانيوم لتنتج عنه طاقة كبيرة اما الاندماج النووى فيعتمد على دمج الذرات معاً واندماج ذرات الهيدروجين لتتحد مع بعضها البعض لينتج عنها الهليوم وطاقة كبيرة جدا وهى عكس عملية الانشطار وتمتاز مفاعلات الاندماج بانها آمنة تماما ولاتنتج عنها نفايات نووية مشعة طويلة العمر مثل التى تنتجها المفاعلات النووية الحالية كما ان تلك النفايات الاندماجية ليست خطيرة إذا ما قورنت بتلك الناتجة من تفاعلات الانشطار...كما ان وقود المفاعلات الاندماجية لانهائى تقريبا ولاتحتاج إلى شرائه لانه ببساطة يمكن استخراجه بسعر معقول من مياه البحر كما انه لايمكن ان تتعرض مفاعلات الاندماج لاى نوع من الحوادث الخطيرة الناتجة عن التسرب الاشعاعى والتلوث البيئى لان التفاعلات التى تحدث بداخله تماثل تماما التفاعلات التى تحدث فى الشمس والتى تعتبر اكبر مفاعل اندماجى فى الكون حيث تقع فى مركز المجموعة الشمسية تسحق العناصر التى داخلها تحت الكثير من الضغط (الذى تتسبب فيه جاذبية الشمس الهائلة) وتندمج ذرات الهيدروجين لتكوّن الهليوم وتطلق الحرارة والضوء.


حلم يتحقق
 ما تقييمك لمشروع الضبعة النووى؟

مشروع الضبعة الكهرونووى هو حلم بدأ يتحقق وسيلعب بالتأكيد دورا هاما فى تنمية مصادر الطاقة فى مصر وسيعمل على منحنا خبرات محلية فى بناء وتشغيل مثل تلك المحطات التى لامحالة انها ستكون البديل لمحطات انتاج الكهرباء من البترول والغاز والفحم وستساهم فى تقليل التلوث البيئى واعتقد ان مشروع الضبعة يسير بخطوات جيدة بعد طول انتظار وكان لدينا مشاريع كثيرة لبناء محطات كهرونووية منذ الستينيات وكان مخططا بناؤها فى منطقة سيدى كرير وبرج العرب ثم انتهت الدراسات إلى ان افضل مكان لوجود هذه المفاعلات فى منطقة الضبعة وفى الثمانينيات توقف المشروع تماما لاسباب سياسية والان لابديل امام مصر سوى الحصول على الطاقة النووية ونقلل من اعتمادنا على البترول او الفحم او الغاز الطبيعى لان كل هذا الوقود الاحفورى يساهم فى زيادة بيئتنا الملوثة..والسد العالى كان عند بداية انشائه يمنح مصر نصف احتياجاتها من الكهرباء الان لاتمثل طاقته سوى 6 % فقط من حجم الكهرباء فى بلادنا نظرا لتوسع الرقعة السكانية والانشائية وزيادة استهلاك الطاقة. وبالتالى كان لابد من ادخال الطاقة النووية النظيفة إلى منظومة مصادرنا فى الحصول على الكهرباء فى مصر وأرى ان علينا فى ان نقوم بتنويع مصادرنا فى الحصول على الطاقة النظيفة لتكون الطاقة النظيفة من المصادر المائية والشمس والرياح والنووية أساسا متكاملا لتوليد الطاقة الكهربية.


 البعض ينتقد قيام مصر ببناء محطات كهرونووية فى حين انها تمتلك مخزونا جيدا من الغاز الطبيعى خاصة مع الاكتشافات الجديدة ؟
هذه رؤية محدودة لاترى المستقبل ولننظر حولنا لنجد دولة مثل الامارات قامت بالفعل بالتعاقد على بناء اربع مفاعلات كهرونووية واولى تلك المحطات سيعمل هذا العام بالرغم من توفر البترول والغاز لديهم بوفرة كبيرة لكنهم قرأوا المستقبل وعرفوا انهم لابد ان يستثمروا فى مجال الطاقة النووية لتنويع مصادرهم من الطاقة وتكوين كوادر قادرة فى المستقبل على ادارة مثل تلك النوعية من المحطات النووية.


ضغوط سياسية
 إذن لماذا لاتزال بعض الدول ترفض الاستثمار فى محطات الطاقة النووية الجديدة بل وحتى تقوم بإغلاق المحطات القائمة...رغم مزاياها المعروفة ؟

هذا صحيح هناك بعض الدول تقوم باغلاق محطاتها النووية وتقليل اعتمادها عليها ولاسباب مختلفة مثل المانيا التى اضطرت بضغوط سياسية من حزب الخضر لاغلاق بعض محطاتها النووية للاعتماد على الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والاعتماد على استيراد الكهرباء النووية من جارتها فرنسا لكن نجد دولا اخرى تتوسع فى بناء المحطات النووية فمثلا فرنسا تعتمد فى 80% من انتاج الكهرباء بها على المحطات النووية وتتوسع فى بناء المزيد منها وكذلك امريكا يوجد بها 104 محطات نووية تعمل حاليا وتوقفت عن بناء المزيد عقب حادثة وقعت لاحد مفاعلاتها فى أواخر السبعينيات وحاليا يعملون على بناء محطات جديدة وفى المقابل بدأت دول فى العالم تخطط لبناء محطات نووية مثل تركيا والاردن والسعودية وبنجلادش. والهند والصين تتوسعان فى بناء المحطات النووية خاصة الصين التى ترغب بشدة فى التحول من الاعتماد على انتاج الكهرباء من الفحم الذى تسبب فى مشاكل بيئية ضخمة بالبلاد والصين حاليا تقوم ببناء محطة كهرونووية بمعدل محطة كل شهر وخريطة بناء المفاعلات النووية بالعالم فى ازدياد وليست فى تناقص.


 ما تقييمك لشركة روساتوم الروسية المسئولة عن بناء مفاعل الضبعة؟
روساتوم الروسية هى من افضل الشركات العالمية فى مجال بناء المحطات الكهرونووية فى العالم ولها مشاريع بناء فى مختلف انحاء العالم كما ان نوع المفاعلات الذى تم الاتفاق على بنائه فى مصر يعتبر من افضل واحدث المفاعلات الآمنة من الجيل الثالث المعدل ونسبة الامان بها مرتفعة للغاية ومعظم المحطات التى وقعت بها حوادث من قبل تعتبر من الجيل الاول او الثانى وتم الاستفادة من الدروس والاخطاء التى وقعت بهما وتجاوزهما فى الجيل الثالث والجيل الثالث المعدل وما يهمنى كمهندس نووى ان تصميم مفاعلات الجيل الثالث الروسية تضمن عدم وجود اى تدخل بشرى لمدة 72 ساعة فى حالة وقوع اى مشكلة بالمفاعل وستقوم باغلاق نفسها ذاتيا ذلك بالاضافة لخواص أمان اخرى تفوق الموجود فى المفاعلات الأخري. وهو امر مهم للغاية فى زيادة فعالية الامان بالمفاعل وهى ميزة كبيرة حتى ان العلماء الامريكيين الذين تحدثت اليهم اكدوا لى ان تصميم المفاعل الروسى لروساتوم يعتبر من افضل التصميمات الموجودة فى العالم والاكثر امنا حاليا وكان ذلك مؤشرا بالنسبة لى ان الاختيار المصرى لتلك الشركة لم يأت من فراغ بل من واقع دراسة للشركات الدولية المصممة والمنفذة.


آمنة تماما
 هل الحياة بجوار المفاعلات تمثل خطرا على السكان المحليين او عائقا للسياحة أو الزراعة مستقبلا ؟

رأيت بعينى مفاعلات كهرونووية فى الولايات المتحدة ومحاط بها مساحات كبيرة من المزارع النباتية والحيوانية ولم تتأثر البيئة المحيطة بها وبالتالى فهى آمنة على البيئة حولها ولاتوجد خطورة منها ومن ضمن الوسائل التى اقوم باستخدامها فى محاضراتى لشرح المخاطر ابعاد الاقامة بجوار تلك المحطات الكهرونووية ان الاشعاع الناتج عن تلك المحطات اقل 100 مرة من الاشعاع الذى قد يتعرض له الانسان عندما يقوم بمشاهدة التليفزيون او التعرض للاشعة الكونية الصادرة عن الشمس لانه ببساطة الوقود النووى داخل المحطة يكون محاطا بحواجز خرسانية وفولاذية سميكة للغاية والمعلومة العلمية التى قد لا يعرفها الكثيرون ان من يقيم بالقرب من محطة تعمل على انتاج الكهرباء بالفحم يتعرض لاشعة نووية اكثر 10 مرات من المواطن الاخر الذى يقيم بالقرب من محطة كهرونووية والسبب ان الفحم به شوائب نووية والاغرب ان بعض المدن الاوروبية حاليا تتنافس على اقامة المحطات الكهرونووية فيها لانها ستتحول فيما بعد إلى مزار سياحى يتوافد عليه الناس كذلك تؤدى إلى انتعاش اقتصاد المنطقة. فضلا عن كميات الطاقة الضخمة التى ستعمل على زيادة التنمية فى تلك المدينة وتنفيذ المشروعات مما يؤدى إلى انتعاش اقتصادى لهذه المدينة.


 أين يذهب هؤلاء الخريجون من قسم الهندسة النووية بمصر حاليا ؟ وهل هناك اهتمام بهم؟
قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية أنشئ فى الستينيات على امل ان تدخل مصر مجال الطاقة النووية لكن للاسف تخرجت مع الدفعة الاولى لهذا القسم عام 1967 حيث تعرضنا للنكسة وتوقف معها البرنامج النووى وبناء المفاعل النووى..وبالتالى قام معظم الخريجين - وانا منهم - بالسفر إلى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا لاستكمال دراساتهم والبحث عن عمل ولكنى بعد عدة سنوات قررت العودة إلى التدريس بجامعة الاسكندرية ثم جاءتنى فرصة للتدريس بجامعة ويسكونسون الامريكية فى مجال الهندسة النووية وبالفعل سافرت واكملت ابحاثى ودراساتى هناك ولم تنقطع صلتى بجامعتى فى الإسكندرية وكل عام اقوم بزيارة للقسم بالكلية وألقى محاضرات للطلاب والزملاء حول آخر ما توصل له العلم فى مجال الهندسة النووية وهذا القسم يقوم بتخريج من 20 إلى 30 طالبا سنويا.