الفنان التشكيلي زوسر مرزوق: الثورة صنعت فنا تشكيليا خاصا بنا

الفنان التشكيلي زوسر مرزوق
الفنان التشكيلي زوسر مرزوق
أكد الفنان التشكيلي الكبير زوسر مرزوق، أن الفن التشكيلي قبل ثورة يوليو كان يعيش على الفتات المتساقط من موائد الفن الغربي.

 وقال إن الفنانين المصريين كانوا إذا أرادوا أن يكونوا فنانين عالميين يُقلدون الفنانين الغربيين، فظهرت التأثيرية والتعبيرية والتجريد، وظهر فنانون برعوا في هذه المدارس لأنهم كانوا على سفر مستمر لدول أوربا، وهنا اختفت الهوية المصرية تمامًا.

 وأضاف أن في عهد عبد الناصر تأثر الفنانون بخطبته النارية ضد الغرب والولايات المتحدة فتمردنا نحن أيضًا على الفن الغربي، وشعرنا أن لنا قيمة وشخصية، فظهرت مذاهب فنية خاصة بمصر مثل الواقعية الجديدة التي شربت مبادئ الثورة وحاولت تطبيقها في الواقع الفني، وظهرت تعبيرية خاصة بمصر على أيدي الفنانين الذين درسوا بالخارج ثم عادوا وتأثروا بالثورة.. ثم ظهرت موجة أن مصر للمصريين فلجأ فنانون مثل: علي دسوقي وسيد عبد الرسول وأحمد عبد الوهاب وأحمد عثمان إلى الفن المصري القديم واستقوا منه، وهناك من قلده تقليدا مباشرا مثل عبد الوهاب مرسي وعلي دسوقي، ولكن هنلك فنانين شربوا الفن القديم وأعادوا صياغته بمفهوم الفن الحديث مثل أحمد عثمان، وأكد النقاد أنني واحدٌ من هؤلاء.


نهضة مصر


 ويشير زوسر إلى أن أكبر مثال على هذا كان محمود مختار الذي سافر إلى فرنسا وتتلمذ على رودان الذي كان زعيما للرومانسية الغربية، وعندما عاد مختار من البعثة عمل: (الفلاحة المصرية) كفتاة الصالونات، ناعمة وذات جسد جميل؛ إلى أن التقى بسيد درويش وسعد زغلول والتحم بثورة 19 وعاش أحداثها، ومن هنا صنع (شيخ الحارة) و(نهضة مصر) و(شيخ البلد) و(بائعات الخبز) و(الجوعى)، وكلها أعمالٌ مرتبطة بالثورة التي صقلته وأعطته الحس الوطني، واستمر هذا الطريق ولكن الإنجليز والقصر قاوموا ذلك الاتجاه بسلطتهم وكانوا يستقدمون الفنانين الإيطاليين والفرنسيين وهو ما نراه في تماثيل الميادين وأسود قصر النيل، وكأن الفن الغربي هو النموذج الوحيد، ومشى في هذا الطريق فؤاد كامل ورمسيس يونان وفنانون كثيرون، لكن من حين لآخر كان يظهر فنان أصيل مثل محمود سعيد الذي عمل (بنات بحري)، وإن كان قد عملع بالمفهوم الغربي والحس المصري، لأنه كان قاضيا ولم يتأثر بالثقافة الغربية أو يدرس على أيدي الأجانب.


ويتابع الفنان زوسر مرزوق أنه عندما قامت ثورة يوليو وتمردت على الأغنياء وعلى السلطة القائمة ارتمى في أحضانها جيل كامل من الفنانين التشكيليين الذين آمنوا بمبادئها، خاصة مع ظهور قانون الإصلاح الزراعي، وهؤلاء الفنانون القادمون من الطبقات الفقيرة أدركوا أن هذه الثورة ستنقذهم، وكذلك أبناء الطبقة المتوسطة الذين شعروا أن الثورة ستحقق تطلعاتهم، فأحب الشعب عبد الناصر وآمن بكلامه الذي كان يدق باستمرار على وتر الشعب المصري، فآمن به الفنانون وغيروا تاريخهم كما فعل عبد الوهاب وأم كلثوم، وهذا ما حدث في الفن التشكيلي، فهناك فنانون كانوا يعيشون حسب احتياجات الحياة وعندما قامت الثورة ظهر معدنهم الحقيقي وانصهروا مع مبادئها في بوتقة واحدة وظهر منتجهم الفني متفقا مع هذا الانصهار.


ويوضح زوسر أن من أشهر هؤلاء الذين ظهروا مع يوليو من التشكيليين: عبد الهادي الجزار، الذي عمل لوحة (السد العالي) العبقرية، و(الغيبيات)، وغاص في الفن الشعبي فعمل (الجعانين) و(لقمة العيش)، لأنه كان قادما من الطبقات الدنيا ومتأثرا جدا بالثورة، وظهر كذلك في النحت عبد الحميد الدواخلي، الذي كان مرتبطا بالفلاح في معظم أعماله لأنه كان فلاحا مثلهم، فعمل (الفلاح) و(الجاموسة) و(الشادوف)، وثلما حاول عبد الناصر الارتقاء بالفلاح حاول الدواخلي أيضا الارتقاء بالريف المصري؛ ثم ظهر صلاح عبد الكريم الذي استعمل التروس الحديد في الفن، يريد أن يقول إن الشعب كله مترابط ومتماسك كالتروس وإذا تعطل منه ترس تعطلت آلة المجتمع، وكان يشترى هذه التروس من الوكالة، يريد أن يقول كما قال عبد الناصر: ابحثوا في أعماقكم.. ثم ظهر علي دسوقي في الرسم على القماش، وعمل (البنات اللي نازله البحر) و(الحصاد)، وظهر سيد عبد الرسول، وحسن سليمان الذي عمل (النورج) و(حمامة السلام) و(حرب 56)، فكان الفنانون في هذا هم وقود الثورة وهم الركيزة التي اعتمد عليها عبد الناصر، ولذلك قام بتكريمهم وأنشأ جوائز الدولة للفن وعيد الفن وغيرها.


خطاب محمد نجيب


ويشير الفنان الكبير زوسر إلى أن هناك حادثة شهيرة له شخصيا قربته من الثورة وهي أن والده كان رساما وقد رسم عدة لوحات لزعماء مصر ومنهم محمد نجيب، فقمتُ بتقليد رسمة أبي، ويبدو أنه لاحظ في ابنه الموهبة فأرسل لوحتي إلى الرئيس محمد نجيب الذي أرسل لي خطاب شكر وصورة شخصية له كتب على ظهرها يتمنى لي التوفيق ويتوقع لي مستقبلا فنيا مُبهرًا، وهذا ما جعلني عريسًا في قريتي والفنان الأول في مدرستي، كما شجعني على الاستمرار في الرسم.. وهذا الأمر ربط بيني وبين الثورة وجعل أفكاري طموحة جدا وأشعرني أنني متميز وأنني قريبٌ من رئيس الجمهورية.


لقاء عبد الناصر


 ويُضيف زوسر أن هناك حادثة أخرى مع الرئيس عبد الناصر، وذلك أنني كنت متخرجا في كلية الفنون التطبيقية عام 64، وقبل هذا العام لم تكن هناك دراسات عليا في هذه الكلية، وكنتُ أنا أحب الدراسة، فكتبتُ خطابًا شديد اللهجة إلى الرئيس جمال عبد الناصر نشره صلاح جاهين في الأهرام، أقول فيه إنه إذا لم تكن الفنون ترقى للتخصص فعلى الدولة أن توفر فلوسنا ووقتنا، وتصوّر الجميع بعد نشر الخطاب أنني سأذهب إلى وراء الشمس، ولكنني فوجئت برئاسة الجمهورية تستدعيني لأن الرئيس يُريد مقابلتي، وبالفعل قابلت الرئيس جمال عبد الناصر وسمع مني الحكاية بالكامل وأخبرني أنه لا يستطيع أن يعدني بشيء إلا بأن الموضوع ستتم دراسته لأنه غير مُلم به وأحالني إلى وزير التعليم العالي، وفي العام التالي مباشرة 65 تم إنشاء الدراسات العليا لأن الرئيس اقتنع بالفكرة.. ولذلك لم أنفصل أبدًا عن عبد الناصر الذي أثبت أنه قد وصل إلى أقصى مكان في قلوب المصريين حين وفاته.