رحلة البحث عن «حضّانة»..المستشفيات الحكومية «لا توجد أماكن»..والخاصة: «ادفع أولًا»

صورة توضيحية
صورة توضيحية

◄حضانة «أبو بلاش» بمستشفى «الجلاء» بـ30 جنيهًا يوميًا.. والليلة بـ1100 في المراكز الخاصة

◄طبيب بـ«الجلاء»: 22 حضانة فقط بالمستشفى.. و60% نسبة الشفاء

◄عدم اكتمال النمو وفقر الدم «أصعب الحالات».. و«مريض الصفراء» يخرج بعد أسبوع

◄أستاذة بـ«طب القاهرة» تؤكد: 100 ألف طفل مبتسر سنويًا في مصر.. و16 من كل ألف «يتوفون»

◄أمينة «كعب داير» من المنوفية للقاهرة بحثا عن «صندوق زجاجي شاغر»

◄و«عجوز» بولاق: «كعيت دم قلبي في المستشفيات»

 

غطى الحزن وجه «حسام»-ذلك الرجل الأربعيني الذي زار الشيب رأسه قبل شهور-، وظهرت عليه كل علامات الآسي الممزوجة بالقلق والانتظار، فهو بين دوامتين.. زوجة طريحة الفراش تصرخ من آلام الولادة.. ومولود مبتسر-لم يكتمل نموه- بين الحياة والموت.. يبكي وينتظر فرصة حياة تنتشله من براثن الموت.

حاول «حسام» استجماع قواه، إلا أنه غرق في التفكير مجددًا.. كيف يحقق المعادلة.. من أين يُسكن أوجاع زوجته الملقاه على فراش رث في مستشفى حكومي عتيق من ناحية، ويبحث عن «حضّانة» لطفله الذي لم يكُف عن الصراخ من ناحية أخرى.. ما سبق ليس إلا مشهدًا قصيرًا-عاشته «بوابة أخبار اليوم» مع أب، استقبل مولوده الثاني منذ ساعات، في مستشفى الجلاء للولادة بمنطقة بولاق بالقاهرة.

 

طفل الحضانة

امتد المشهد حتى وصل «الرجل الأربعيني»- الذي يعمل أرزقيًا «على باب الله»-، إلى عنبر الولادة الفسيح، وبدأ في البحث بين الوجوه الكثيرة عن وجه زوجته، وأخيرًا التقيت الأعين، فأمسك بيدها، واسترسل بحديث مفعم بفرحة وضعها «على خير» واستقرار حالتها، وبالعضو الجديد في العائلة، قبل أن يطمئنها بتأكيد الأطباء على إيداع الصغير الحضانة وخروجه بعد ساعات.

بعد أن ربت الزوج على يد زوجته، تركها وقصد قسم الحضانات.. تاهت أفكاره وسط عنبر فسيح محكم الإغلاق وصناديق زجاجية متراصة، قبل أن يلاحظ لحوم حمراء داخل تلك الصناديق والأجهزة الطبية والأنابيب التي تخرج منها خراطيم رفيعة تخترق جلد الأطفال.. وبعد دقائق، وقعت عينه مولوده بعد أعطته الممرضة «كود الطفل».. توجه إليه للاطمئنان عليه بعد انخفاض نسبة «الصفراء» فاطمئن قلبه وعاد أدراجه.

 

تجمع نسوي

تركنا «حسام» وتوجهنا إلى تجمع نسوي بمدخل المستشفى، بعد أن تصدرته عشرات النساء المرتديات «عبايات سمراء» وكأنهم في جنازة.. واقتربنا منهن لنرصد حكاياتهن.

 

مولود الصفراء

في البداية، جلسنا بجانب سيدة خمسينية من بولاق، بدا عليها أيضًا الحزن، وانتظرت إنهاء إجراءات خروج ابنتها التي وضعت طفلها الأول قبل ساعات، وقالت إن من السهل دخول مستشفى الجلاء لكن من الصعب إيجاد حضّانة لطفل حديث الولادة.

«الحاجة سعاد» قالت لنا أيضًا إن ابن ابنتها – حديث الولادة-، أصيب بـ«الصفراء» فور ولادته بالمستشفى، وحاولوا إيداعه إحدى الحضانات، إلا أن جميعها كانت شاغرة-بحسب حديث الأطباء-، فاستوجب الأمر إيداعه بمستشفى خاص مقابل 600 جنيه في الليلة- بحسب قولها-.

واستطردت: «بنتي تبكي ليل نهار بسبب ابنها، احنا في دوامة، نحاول متابعة حالة الطفل من ناحية، ومتابعة الأم من ناحية أخري، دعواتكم بالشفاء لحفيدي».

واشتكت «الحاجة سعاد» نقص الحضّانات في المستشفيات الحكومية، مطالبة بضرورة توفيرها لمحدودي الدخل الذي لا يقدرون على أسعار المستشفيات والمراكز الخاصة، قائلًة: «الأسعار نار.. وكل حاجة على حساب المواطن الغلبان، ارحمونا وارحموا أطفال لا تملك التعبير عن الشكوى».

 

رحلة كعب داير

أما «أمينة» من المنوفية، فهي خاضت رحلة «كعب داير» من أشمون إلى بولاق، للوصول إلى مستشفى الجلاء بحثًا عن صندوق زجاجي شاغر لحفيدتها الأولى من ابنتها، بعد أن فشلت في الحصول عليه في المستشفيات الحكومية بالمحافظة، وكذلك مستشفى بنها الجامعي.

وروت «أمينة» قائلة، إنها تنتظر دور الدخول إلى استقبال المستشفى للاستفسار عن وجود حضّانة لحفيدتها من عدمه، صارخة: «تعبت من كتر اللف، كعيت دم قلبي، حسبي الله ونعم الوكيل».

 

النظام المجاني

وردًا على ما رصدناه، كشف مصدر في مستشفى العلاج، أن المستشفى مفتوحة لجميع حالات الولادة، إلا أن عيادات المجانية «أبو بلاش» هي الوحيدة التي تعمل حاليًا، وتستقبل حالة الولادة مقابل 245 جنيه بدون مرافقين، موضحًا أنها تفتح أبوابها كل يوم-عد الجمعة-، ابتدءً من الساعة التاسعة صباحًا حتى الـ 12 بعد منتصف الليل.

أما مواعيد الزيارة، فأوضح لـ«بوابة أخبار اليوم»، أنها تبدأ من الـ12 ظهرًا حتى 2 بعد الظهر، ومن الـ6 مساء حتى الثامنة، مشيرًا إلى أن عيادات الولادة بالقسم الاقتصادي مغلقة لإجراء إصلاحات بالمستشفي، أما الفندقي فمرتفعة الثمن، وتكون قريبة من أسعار المستشفيات الخاصة.

وعن الحضانات، قال المصدر إن الحضانات هناك متنوعة وتتحدد بناء على حالة الطفل، إذا كان يعاني من «الصفراء، عدم اكتمال النمو، الأكسجين، نقل دم، وغيرها»، متابعًا: «فالطفل الذي يزن كيلو يحتاج «حقنة نمو» بـ4 آلاف جنيه، أما الصفراء فهي من الحالات السهلة، ويخرج الطفل بعد أيام معدودة».

 

الأسعار

وبالنسبة للأسعار، فكشف أن المبيت في الحضانة بـ30 جنيهًا يوميًا، أما تكاليف العلاج فتختلف بحسب حالة الطفل، مضيفًا: «هناك حالة تحتاج علاج بـ100 جنيه، وأخري علاجها 500 جنيه، وثالثة تحتاج 20 ألف جنيه لحاجتها لأكياس دم، وفصيلة غير موجودة فيضطر لشراء أكياس دم، بـ500 جنيه للواحد».

 

نسبة الشفاء

فيما كشف أحد الأطباء بالمستشفى- تحفظ على ذكر اسمه-، أن المستشفى تمتلك 22 حضانة فقط، وبطبيعة الحال فلا توجد أماكن شاغرة، لافتًا إلى أن الطفل المبتسر يقضي الليلة داخل الحضانة بـ30 جنيهًا، وهناك طفل يظل في الحضانة أسبوع بينما أخر يخرج منها جثة بعد وفاته بسبب سوء حالته.

وأكد  لـ«بوابة أخبار اليوم»، أن نسبة الشفاء بالنسبة للأطفال تبلغ60%، وتتحدد بناء على حالة الطفل المولود.

وعند سؤاله عن إمكانيات مستشفى الجلاء، نصح «الطبيب» بالاعتماد على حضّانة خارجية في مستشفى خاص، لكثرة الاهتمام والرعاية الطبية بها، رغم أنها تكلف الأسرة آلاف الجنيهات، مضيفًا: توفير الحضّانة هناك مضمون لأنه بـ«الفلوس»، كما أن نسبة الاكتمال والشفاء مضمونة جدًا لأنه دئوبين على ذلك.

وبسؤاله عن إجراء ما بعد رفض الطفل لعدم توافر حضانة، رد الطبيب قائلًا: «أثناء الإجراءات يمضى الأب على إقرار حضانة، بأنه لو لم يتوافر حضانة في المستشفى، فهو المسئول عن توفير حضانة في مكان خارجي، والحضانات عادة ما يتم فراغ واحدة أو اثنين كل أسبوع».

 

مستشفى خاص.. الليلة بـ 1100 جنيه

لم تكتفِ «بوابة أخبار اليوم» بمشوار المستشفى الحكومي، وتوجهت إلى أحد المستشفيات الخاصة بمحافظة القليوبية، لرصد أسعار الحضانات هناك.

في البداية، أكد أحد الأهالي الجالس على كرسي حديدي، في ساحة الانتظار بقسم الولادة والحضانات، أن «الدفع أولًا» هو مفتاح دخول المستشفى والحصول على مكان شاغر لطفلك.

وذكر أنهم يدفعون 1100 جنيه «تحت الحساب» قبل دخول الطفل الحضانة، وأن الليلة بـ400 جنيه، وفي حالة احتياج الطفل للوضع على جهاز التنفس الصناعي تبقي 600 جنيه، و300 جنيه في حالة مرض الصفراء، هذا بخلاف الأدوية.

وأوضح أنهم يتكبدون آلاف الجنيهات على مواليدهم الذين قد يفقدونهم بسبب حالتهم الصعبة، أو خطأ طبي أو عطل في الحضانة، موضحين أن ليس أمامهم سوى الانتظار، علّ الله يكرمهم بنجاة الطفل من الموت.

 

الأزمة.. والحل

من جانبها، حذرت الدكتورة أميمة أنور، أستاذ طب الأطفال بكلية طب جامعة القاهرة، واستشاري الرعاية المركزة للأطفال وحديثي الولادة، من نقص الحضانات بالمستشفيات الحكومية، ما يهدد أرواح آلا لاف الأطفال المبتسرين، مؤكدة أن 20 % من حديثي الولادة مبتسرين، وأن مصر تشهد سنويا ولادة أكثر من 100.000 طفل مبتسر يحتاج إلى رعاية.

وذكرت «أنور» في تصريحات لها، أن 16 من كل ألف طفل حديث الولادة حتى عمر شهر في مصر يحدث لهم حالة وفاة، لافتة إلى أن معدلات وفاة الأطفال انخفضت بشكل ملحوظ من 21 إلى 16 لكل ألف خلال سنوات القليلة الماضية، مرجعة سبب الوفاة إلى الولادة المبكرة ونقص الرعاية أثناء الولادة ونقص الأكسجين، وكذلك عدم وجود حضانات مناسبة.

وجددت الطبيبة تحذيرها قائلة: الإحصائيات تؤكد وجود أكثر من 25.000 طفل حالتهم حرجة بحاجة إلى تدخل سريع من خلال الاعتماد على أحدث الأدوية وأجهزة الرعاية الخاصة، مطالبة الجهات المختصة بضرورة التدخل لإنقاذ أرواح الأبرياء الصغار.