حكايات| «خطابات مانديلا من السجن».. الحب والأمل طريقًا للحرية

نيلسون مانديلا
نيلسون مانديلا

لم يكن متأكدًا من أن حرفًا واحدًا مما كتب سيصل.. إلا أنه واصل الكتابة، جالسًا في زاوية زنزانته المظلمة وحيدًا ممسكًا بقلمه ليكتب مئات الخطابات، التي كانت فرصة مانديلا الوحيدة للحياة .. فرصته لصنع عالم آخر موازٍ خارج حدود زنزانته يمنعه من الانهيار.

كتب مانديلا على مدار 27 عامًا عن كل شيء عن «الفتاة العادية» التي أحبها، عن أمه التي حُرم من حضور جنازتها، عن شعوره المفاجئ في آخر مرة زارته فيها بأنه لن يراها مرة أخرى، عن الأمل ولحظات الضعف والشك.

مئات الخطابات رسمت طريق المُلهم نيلسون مانديلا للنجاة من زنزانته الانفرادية بجنوب أفريقيا نحو الحرية، خطابات إلى العائلة، والزوجة والأبناء، كان يحاول فيها أن يبدو أمامهم شخصًا سويًا منفصلا تمامًا عما يعانيه من صعوبات.

250 خطابًا فقط تم اختيارها لنشرها في كتاب صدر بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده، تلك الخطابات التي حملت تفاصيل الحياة غير العادية لنيلسون مانديلا.

إلى الفتاة العادية

«الفتاة العادية» كان دائمًا الوصف الذي اختاره نيلسون مانديلا ليصف به زوجته « ويني» التي قال عنها في أحد خطاباته إن التاريخ دائمًا ما يقدر السيدات العاديات اللاتي يأتين من بلاد نادرًا ما تذكر على الخريطة.

وكتب مانديلا في أحد خطابته عن ابتسامة زوجته التي كان يفتقدها‘ وعن أنها الرابط الوحيد الذي كان بينه وبين العالم الخارجي وأنه في أحد الأحلام كان يراها وهي ترقص وتبتسم له.


اقرأ حكاية أخرى| حكايات| إحدى عجائب الرياضة السبع.. مصر تلتهم الديوك وتتوج بطلا لأوروبا

وفي 1970 كتب مانديلا عن أكثر أحلامه قتامه خلال فترة تواجده في السجن عندما حلم بأنه فقد زوجته عندما كانت تبحث عن شيء ما في أحد الوديان، وظل يبحث عنها إلا أنه لم يجدها إلا عندما عاد مرة أخرى إلى كوخهم، والذي وجده ممتلئ بأصدقائه، الذين حرموهم من خصوصيته تلك اللحظة.


لا أعرف متى سأعود

في فبراير عام 1969 كتب نيلسون مانديلا أحد خطابته ردًا على خطاب ابنتيه «زيناني وزينزي» والذي هنأهما فيه على اجتيازهما الامتحانات بنجاح مبديًا سعادته بما تحققه عائلته في غيابه.


وقال مانديلا في خطابه ردًا على سؤال ابنته زينزي عن موعد عودته إلى المنزل « أعلم أن زينزي تشعر بالحزن لعدم وجودي إلى جواركم.. لا أعرف متى سأعود إلى المنزل، حتى القاضي الأبيض الذي حكم عليا بالسجن مدى الحياة لا يعلم هو الآخر.. لكني متأكد من أني سأعود يومًا ما لكي استمتع بالبطاطس والأرز واللحم الذي أصبحت زيني تتقن طهوهم».


وتابع «لا تقلقوا أبدًا بشأني.. فأنا بخير.. أشعر بالوحدة ولكني دائمًا أنظر إلى صورتكم التي دائمًا ما أضعها أمامي في إطار أبيض.. طلبت من أمي أن ترسل لي مزيد من الصور إلا أن مسئولي السجن رفضوا إيصالها لي».


أشكركم على دفن أمي

في أكتوبر عام 1968 كتب مانديلا خطابا إلى دامبيسا كوزانا زعيم الحزب الديمقراطي الوطنى يشكره فيه على حضور جنازة والدته التي توفيت وهو في السجن.


وقال مانديلا في خطابه « لقد كان أمرًا صعبًا أن استقبل خبرا وفاة أمي وأنا قابع خلف تلك القضبان، ومن المفارقات الحزينة أن خبر وفاة أمي تزامن مع عيد ميلادي زوجتي.. ولكني أشكر أصدقائي الذين دائمًا ما اتكئ عليهم على تواجدهم في الجنازة في مشهد وصفه البعض بالمظاهرة».

اقرأ حكاية أخرى| حكايات| من «هاسكي».. كيف بدأت نهاية «موسوليني»؟

وأشار مانديلا في خطاب آخر بأنه شعر بأن والدته لن تعود لزيارته مرة أخرى عندما كانت تزوره لآخر مرة، قائلا « في تلك اللحظة التي عبرت فيها للقارب خارج السجن عرفت بأني لن أراها مرة أخرى»، وظلت تلك اللحظة دائمة الحضور في خطاباته.

عيني تؤلمني

في عام 1963 كتب نيلسون مانديلا خطابًا إلى السجان الخاص به يطالب فيه إدارة السجن بأن يخضعوه لكشف بسبب ما يعانيه من ألم في عينيه.


وقال مانديلا في خطابه إلى مسئولي السجن « أرسل لكم خطابي الثامن من أجل أن يتم إخضاعي إلى كشف خاص بالعيون، فعيناني تؤلماني، والنظارات التي استخدمها منذ سنوات لم تعد تؤدي الغرض، حتى الدواء الذي وصفه لي طبيب السجن لم يعد يُفيد».


وتابع «يداي مقيدتان على الرغم من قرب موعد محاكمتي، واحتاج أن تُفك قيودي كي استطيع قراءة الوثائق التي طلبتها وكذلك تسجيل بعض الملاحظات».