لن نسامحك

أطفال المريوطية يتحدثون من العالم الآخر: إحنا ضحية سهرة مزاج

الأم المتهمة
الأم المتهمة

منذ أيام قليلة مضت استيقظنا على خبر سيء، يفيد بالعثور على جثث لثلاثة أطفال بالمريوطية، ربما كانت بشاعة الأحداث لا تقف فقط عند حد أنهما أطفال لكن الشكل والطريقة التي عثر بها على الأطفال كانت في غاية الألم.

كان العثور على الجثث بالصدفة البحتة، عن طريق بائع متجول أثناء مروره بتقاطع شارع الثلاثين مع شارع المريوطية، وجد كلب "ينبش" في أكياس سوداء، حتى ظهرت رأس رضيع، الأمر الذي دفعه للصراخ والاستغاثة، ما أدى لتجمع أهالي المنطقة من حوله لاستطلاع الأمر، ومن ثم طلبوا رجال الشرطة لاكتشاف تفاصيل الواقعة.

وكشفت المعاينة المبدئية أن الجثث عُثر عليها داخل أكياس سوداء، ومقطعة لأشلاء، والجثث لثلاث أطفال، أعمار الأطفال تتراوح مابين عامين إلى 5 أعوام، يبلغ عمر الطفل الأول عام، والثاني 3 أعوام، والثالث 5 أعوام، وفي حالة تعفن تام ومشوهة، ويرجح أن يعود قتلهم لأكثر من أسبوع، فرضت قوات الشرطة طوقًا أمنيًا بمحيط موقع الحادث، وانتقل فريق من النيابة العامة والمعمل الجنائي للمعاينة.

تبدو الأمور إلى هنا تسير في طريقها الجنائي بشكل طبيعي، لكن ما زاد من حدة الهلع والخوف هو تناثر الشائعات هنا وهناك بأن الأطفال بدون أعضاء بشرية الأمر الذي لو كان حقيقيًا كان ينذر بكارثة ستؤدي إلى ترويع المجتمع والأسرة المصرية على حد سواء، وما بين القيل والقال والشائعات المتناثرة، وجهود بحث استمرت خمسة أيام متتالية، جاء بيان الداخلية ليوضح حقيقة الأمر ويكشف المستور، ويؤكد أن الجثث ناتجة عن أم مستهترة وسيدة لعوب لم تقدر قيمة الزهور الأبرياء التي كانت بين يديها بعدما تسببت في وفاتهم محترقين ومختنقين.


* تخيلنا لو أننا قمنا بإجراء حوار مع الزهور الثلاثة فماذا كانوا سيقولون من العالم الآخر؟.

تحدث «الأطفال الثلاثة» لأول مرة بأنفاس متلاحقة، وعيون دامعة، وحزن لو وزع على أهل الأرض لوسعهم، الحسرة والخيبة ترتسم على قسمات وجهوهم، غابت عنهم الابتسامة المعهودة، نبرة صوتهم كان يملؤها الآسي والحزن، لم تعد لديهم القدرة على اللعب واللهو مثل من هم في نفس أعمارهم، نظراتهم كانت مخيفة وكأنهم يصرخون في وجوه الجميع قائلين هذا ما جنته علينا أمنا اللعوب!!. 

بدأ الأطفال كلامهم بصوت واهن يملؤه شعور بالأسف وخيبة الأمل، فهم ولدوا في أجواء غير طبيعة وأم مستهترة، فمن أجل سهرة مزاج خاصة حُرموا جميعا من تحقيق أحلامهم بدخول كليات مرموقة تخلصهم من مرارة الحرمان وقسوة الدنيا.


 يقول الأطفال، ولدنا في كنف أسرة مفككة وسط ظروف اجتماعية صعبة، الأم واحدة أما الأب فمختلف لكل واحد مننا، ولكم أن تتخيلوا ثلاثة أطفال لديهم ثلاثة من أولياء الأمور، من سوء حظنا أن والدتنا كانت سيدة لعوب تهوى اللعب بالرجال والمغامرات العاطفية، وفي كل مرة تأبى أن تنهي المغامرة بهدوء لكن بعد كل جلسة مزاج وسهرة فرفشة تنتهي الليلة بحملها، والمخرج الوحيد لهذا المأزق كان يتمثل في ورقة زواج عرفي ثمنها بضعة جنيهات حتى تنجح والدتنا في التغطية على جريمتها في حقنا، لم تكتفي بفعل هذا الأمر مرة واحدة وإنما فعلته ثلاث مرات متتالية وكنا نحن، جئنا إلى الدنيا في ظل ظروف بالغة القسوة والصعوبة، كل منا كان له حلمه الخاص، أهم هذه الأحلام على الإطلاق هو التخلص من هذه الحياة المليئة بالكوابيس وعدم الاستقرار، نعلم أن حجم الطموحات والأحلام لم يكن بالأمر الهين فأطفال مثلنا سيقضون معظم سنوات عمرهم داخل الملاهي الليلة وسط الزبائن السكارى لكن ما باليد حيلة. 

صمت الأطفال قليلًا، أخذوا تنهيدة كبيرة وكأنهم مقبلون على أمر جلل، تساقطت دموعهم على وجناتهم، توقفت الكلمات في حلوقهم، حاولوا التماسك ثم واصلوا كلامهم قالوا، يوم الحادث كنا نلهو ونلعب مع بعضنا البعض، الفرحة كانت تملأ أعيننا كأي أطفال يلعبون ويلهون، البراءة كانت في ضحكاتنا وابتسامتنا ولم يكن أي منا يعلم أنه اليوم الأخير لنا على الأرض، ليلة الحادث فكرت والدتنا في اصطحاب، شقيقنا الأصغر فارس ابن العامين معها داخل الملهى الليلي، لكنه بكى بشدة وكأن نظرات عينه تقول أنتم أحن علي من أمي، وكما كنا دائما بمفردنا في حياتنا، يبدو أن الموت نفسه أبى أن يفرق بيننا لحظة مصرعنا.

استطرد الأطفال قائلين، كان المفروض أن تعود والدتنا «أماني» تقريبًا في حوالي الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، لكن هذا الأمر لم يحدث، نفذ الطعام وشعرنا بالجوع الشديد والملل من كثرة الانتظار بمفردنا، فكرنا في أن نشغل وقتنا حتى عودة والدتنا، قررنا لعب «الاستغماية»، اختبأنا في أحد أركان الشقة، كان صوت ضحكاتنا يملأ المكان ولم نكن نعلم أنها «ضحكة الوداع».

 

أمسك أحدنا بعود ثقاب بحجة تهديدنا بالنار لو لم نظهر أنفسنا أمامه لكن يبدو أن الهزار انقلب إلى جد، حيث أمسك عود الثقاب بمحتويات الغرفة، فجأة ودون سابق إنذار اشتعلت الغرفة بالنار وأصبحت النيران تحيط بنا من جميع الجهات، هرولنا على الفور إلى باب الشقة في محاولة يائسة لإعادة فتحه لكن دون جدوى، طرقنا الباب بقوة لعل أحد الجيران يسمعنا لكن ذهبت كل ضرباتنا أدراج الرياح، صرخاتنا ملأت أرجاء المكان، الخوف والهلع كان يسيطر علينا بقوة، كل لحظة كانت تمر علينا كنا نشم فيها رائحة الموت يدنو منا واحدًا تلو الأخر، شقيقنا الأصغر فارس ابن العامين لم يحتمل جسده النحيل الدخان ومات مختنقًا، أما نحن فقد طالتنا النيران وحاولنا كثيرًا مصارعة ومقاومة الموت دون جدوى حيث أسدل الستار وكتبت كلمة النهاية. 

عندما وصل الأطفال لهذا الجزء من حكايتهم بكوا بشدة، حاولوا التماسك، ثم واصلوا كلامهم قالوا، ما حدث بعد ذلك فاق كل تصور، كل واحد مننا كان ملقى في أحد أركان الغرفة وهو فاقد للروح، كنا نتمنى أن يتم تكريمنا بعد مصرعنا بهذه الطريقة البشعة، لكن الذي حدث أن «والدتنا المصونة» بعد عودتها من سهرة مزاج بالملهى الليلي، لم تبالي بفقداننا وكأننا كنا نمثل عبء عليها تخلصت منه قضاء وقدر، لم نحصل على حقنا في العيش حياة كريمة ونحن أحياء، ولم نحصل على التكريم اللازم ونحن أموات، حيث فاجأتنا والدتنا بمعاونة صديقتها سها، بلفنا في سجادة ثم وضعنا في أكياس بلاستيك ثم حملتنا واستقلت «توك توك» وألقت بنا مثل الكلاب بجوار إحدى صناديق القمامة.


اختتم الأطفال كلامهم قائلين، نعلم إننا في مكان ومكانة أرفع وأرقى من الدنيا الزائفة التي كنا نعيش فيها، لكن في نهاية الأمر نود أن نخبر والدتنا إننا لن نسامحها على ما اقترفته يداها بحقنا. 

كانت هذه هي رسالتنا من العالم الآخر، ونتمنى ألا نرى سيدة يطلق عليها مجازًا «أم» أن تفعل بفذات أكبادها مثلما حدث معنا. 

يذكر أن بيان وزارة الداخلية حمل الكثير من المفاجآت على رأسها أن الأطفال هم كل من «محمد حسان–5 سنوات»، و«أسامة حسان- 4 سنوات»، و«فارس- عامين»، ووالدتهم تدعى «أماني» تعمل في ملهى ليلي، وتقيم الأم برفقة صديقة لها تدعى سها.


 وأوضحت التحريات أنه مساء يوم الحادث بعد عودة الأم أماني وصديقتها سهى من الملهى الليلي اكتشفتا حدوث حريق بإحدى الغرف، ووفاة الأطفال الثلاثة، بمنتهى قسوة القلب، قامت أماني "أم الأطفال الثلاثة" بوضعهم داخل أكياس سوداء وسجادة وألقتهم بجوار إحدى صناديق القمامة بالمريوطية. 

وتوالت المفاجآت تباعًا وتبين أن الطفل الأول من زواجها عرفياً من «مبروك.أ.- 47 عاما– مطرب شعبي»، ومُقيم بكرداسة، وأن الطفل الثاني من زواجها عرفياً من «عيد.ع.خ- 52 عاما– مطرب شعبي»، ومُقيم بمدينة النور بالهرم، وأنها قيدتهما باسم زوجها «حسان»، والطفل الثالث من زواجها عرفياً من «عزام.م- 25 عاما– عاطل» ومُقيم بكفر الجبل بالهرم، بإجراء الفحوص المعملية وتحليل البصمة الوراثية DNA  تبين أن المتهمة «أماني» أم بيولوجية للأطفال الثلاثة المعثور على جثثهم، وأن كل طفل منهم من أب مختلف عن الآخر، وليس من بينهم زوجها «حسان».