في ليلة المونديال.. مهاجرون يصنعون المجد وساسة ينصبون لهم العداء

منتخب فرنسا المتوج بكأس العالم
منتخب فرنسا المتوج بكأس العالم

في الوقت الذي دشنت فيه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني، مقري بعثة الاتحاد والبعثة الأوروبية لمراقبة الحدود  للحد من ظاهرة الهجرة إلى القارة العجوز، توج المنتخب الفرنسي بكأس العالم والذي يشكل أبناء المهاجرين حوالي 75% من قوامه بتواجد 17 لاعبا من أصل 23 شملته قائمة الفريق.


ليفتح باب التساؤلات من جديد حول المهاجرين الأفارقة وهل هم عبئا على الدول الأوروبية حقا أم أنهم جزء من نجاحات تلك الدول.

 

لم يقتصر نجاح أبناء المهاجرين لأوروبا في كأس العالم على المنتخب الفرنسي فقط، بل شمل كذلك منتخب بلجيكا الذي حصد المركز الثالث وضم في صفوفه 11 لاعبا من المهاجرين، والمنتخب الإنجيليزي الذي ضم 6 لاعبين من أصول غير أوروبية ونجح في الوصول للمربع الذهبي للمرة الأولى منذ 28 عاما، وكذلك للمنتخب السويسري الذي امتلك 13 لاعبا تنحدر أصولهم ما بين دول البلقان وأفريقيا، بالإضافة للعديد من المنتخبات الأخرى.

 

النموذج الفرنسي


وتوج منتخب الديوك بكأس العالم للمرة الثانية في تاريخه، الأحد، بفوزه على نظيره الكرواتي بأربعة أهداف لهدفين في المباراة النهائية التي أقيمت على ملعب لوجينيكي في العاصمة الروسية في موسكو، في ختام النسخة 21 من البطولة الرياضية الأعرق على وجه المعمورة، ليعود بذاكرة الفرنسيين 20 عاما للوراء حينما توج زملاء زيدان بالكأس الذهبية للمرة الأولى عندما استضافت فرنسا البطولة.

 

ويعد القاسم المشترك بين الجيلين هو أبناء المهاجرين الذين شكلوا القوام الرئيسي للمنتخب الأزرق، ففي بطولة 98 شملت قائمة الفريق نحو 13 لاعبا من أصول أفريقية في مقدمتهم ( زين الدين زيدان، باتريك فييرا، مارسيال دييساييه، ليليان تورام، تييري هنري، ديفيد تريزيجيه، كريستيان كاريمبو)، حينها اشتهرت عبارة "ألوان العلم الفرنسي تحولت من الأزرق والأبيض والأحمر.. إلى الأسود والأبيض و«الزبدي» (مصطلح يطلق على العرب)، كمثال على توحد الفرنسيين.

 

بينما يمثل المنتخب الحالي 17 لاعبا من أصول أفريقية من أبرزهم كيليان أمبابي الفائز بجائزة أفضل لاعب شاب بالمونديال، والذي ولد لأب كاميروني وأم جزائرية، وبول بوجبا نجم وسط الميدان مانشستر يونايتد من وأبوين غينيين، بالإضافة إلى بليز ماتويدي وعثمان ديمبلي وصاموئيل اومتيتي وعادل رامي ونجولو كانتي وجابريل سيدي بيه ورفائيل فاران وآخرين. 


واعتبرت صحيفة «لوموند» الشهيرة الفوز بالمونديال انتصاراً لما أسمته بـ«النموذج الفرنسي» القائم على التنوع والشمول بين الفرنسيين أصحاب الأعراق المختلفة. 

 


 

ضغوط وعداء

 

بيد أن هذا النموذج لا يزال يواجه تحديات وضغوطات من دول الاتحاد الأوروبي، والتي اجتمع وزراء داخليتها الخميس الماضي 12 يوليو، بالعاصمة النمساوية فيينا، لبحث ملف الهجرة وتشديد إجراءات الحد منها من خلال إقامة «نقاط إنزال» في أفريقيا للمهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر الأبيض المتوسط.


وسبق اجتماع الخميس لقاءً ثلاثيًا بين وزراء داخلية النمسا هيربرت كيكل (يمين متطرف) وإيطاليا ماتيو سالفيني (يمين متطرف) وألمانيا هورست زيهوفر (يمين متطرف)، للتمسك بإقامة تلك النقاط، والترويج لمشاريع أكثر تشددا، مثل اقتراح بمنع تقديم طلبات اللجوء والهجرة انطلاقا من الأراضي الأوروبية بل فقط من أماكن خارج الاتحاد.


 وهو ما قوبل بالرفض من مفوض الهجرة الأوروبي ديميتريس إفراموبولوس، الذي اعتبر أن ذلك المقترح ينافي القيم والمبادئ الأوروبية، وكذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بقوله إن فرنسا لن تقبل أبدا بالحلول السهلة التي تتمثل في تنظيم عمليات ترحيل عبر أوروبا لوضع الأجانب في مخيم على حدودها أو أي مكان آخر.


وتريد فرنسا من جهتها إقناع إيطاليا بالقبول بإقامة «مراكز مراقبة» على أراضيها ويتمثل الأمر في أماكن يتم فيها فرز اللاجئين من المهاجرين الاقتصاديين. وستكون هذه المراكز مغلقة بعكس نقاط التجميع الحالية، وستستفيد هذه المراكز من دعم قوي من الاتحاد الأوروبي.
تصريحات «ماكرون» قوبلت بهجوم حاد من لويجي دي مايو، نائب رئيس الوزراء الإيطالي الذي وصف فرنسا بالدولة المتغطرسة التي تخاطر بأن تصبح العدو الأول لدول الاتحاد الأوروبي بسب موقفها من قضايا الهجرة.

 

الضغوطات التي تواجه باريس في ملف الهجرة ليست فقط من الدول الأوروبية بل كذلك من داخل المجتمع الفرنسي نفسه، الذي ازدادت فيه موجة العداء للمهاجرين، وهو ما يعكسه حصول المرشح الرئاسي السابق «مارين لوبان»، والمعروف عنها توجهها اليميني المناهض للهجرة على 35% من أصوات الفرنسيين في انتخابات الرئاسة العام الماضي، وهو رقم يوضح حجم السخط على المهاجرين إذ ما قُارن بانتخابات الرئاسة عام 2002 والتي حصل فيها اليميني المتطرف جان ماري لوبان، (والد مارين) وصاحب عبارة "عندما أرى منتخب فرنسا.. لا أشعر أنني أميز فرنسا أو نفسي شخصيا" على 17% من الأصوات.

 

نجاحات المهاجرين في مجالات أخرى

 

وبعيدا عن كرة القدم والرياضة بشكل عام، فالصورة السلبية التي تَصدر عن المهاجرين بأوروبا باعتبارهم عبء تبدوا غير منصفة ومنطقية، حيث تمكن الكثير من هؤلاء المهاجرين في فرض أنفسهم وبقوة داخل مجتمعاتهم ونجحوا في شغل أعلى المناصب السياسية والتنفيذية بالدولة.

ففي فرنسا تولى «حملاوي مكاشرة» الذي ولد في الجزائر عام 1930 وهاجر إليها شابا، وزارة الدولة ثم وزيرا منتدبا مكلفا بالمحاربين القدامى في عهدة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي.


«قادر عريف»: ولد في الجزائر عام 1959. وهاجر صغيرا لفرنسا، وانخرط بالعمل السياسي حتى تولى وزارة المحاربين القدامى في حكومة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، وشغل أيضا منصب كاتب دولة في وزارة الدفاع.

 


«جانيت بوغراب» وزيرة الشباب والحياة الاجتماعية في فرنسا في حكومة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، ولدت عام 1973 في فرنسا لأبوين جزائريين. 

 


«يمينة بن قيقي» شغلت منصب وزيرة الفرنكفونية والرعايا في عهدة الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وهي وولدت عام 1957 في فرنسا لأبوين جزائريين.