حوار| «سرور» عاد إلى الحياة بعد 30 عاماً فى دفاتر الموتى

العم سرور خلال الحوار
العم سرور خلال الحوار

 يقف الإنسان مندهشا أمام روعة خيال « المؤلفين «،  لكن القدر يقدم بين الحين والآخر ما هوأكثر دهشة من الخيال مهما وصل ذروته..


هذا هوحال المواطن المصرى «سرور» وان لم يكن له حظ من اسمه الذى ظل يعتقد الجميع انه مات لمدة 30 عا.. سافر إلى ليبيا فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى بعد ان ضاق به الحال وقرر البحث عن مصدر رزق يحسن به دخله ويساعد والده فى نفقات زواجه بعد عقد قرانه على شريكة حياته.. ودع أهله وكانت آخر كلمة اوصاه بها والده قبل سفره «متنسناش يا سرور».. رد الإبن قائلا: راجع يا أبى لا تقلق.


ومن هناك أرسل إلى عروسه فستان الزفاف الأبيض ووعدها بقرب عودته لتجهيز شقة الزوجية وشراء متطلبات الفرح.. فجأة انقطعت أخباره تماما..! ست سنوات اضطرت بعدها العروس لإقامة دعوى طلاق بعد الحكم باعتبار «سرور» مفقودا ثم تزوجت.. اعتقد أهله انه مات.. وقالوا له فى ليبيا أن والده فارق الحياة ولحقت به أمه! فأقام لهما سرادق عزاء وكره الدنيا كلها.


ثلاثون عاما مضت فى الغربة.. ثم شعر «سرور» بقرب الأجل وهو يتلقى العلاج بإحدى المستشفيات فى ليبيا.. طلب من أشقائه الليبيين أن يدفن فى مصر بجوار قبر والده،  لكنه لا يمتلك أية اثبات شخصية بعد ضياع كل أوراقه الشخصية حتى بطاقته الشخصية.. ساعده بعض الاشقاء الليبيين حتى وصل لحدود مصر حيث استغاث بالأخبار والسلطات المصرية بعد تواصله مع اشقائه عن طريق مصرى يعمل فى ليبيا من كفر الشيخ.. وتوالت المفاجآت المثيرة بعد أن حكى لـ «الأخبار» قصته.. بحثنا عن أهله وخطيبته التى كانت تنتظره حتى عودته لإتمام الزفاف.. وفوجئ «سرور» بأن والديه على قيد الحياة.. وفوجئ الوالدان أن ابنهما حى يرزق!.. العروس التى حصلت على حكم الطلاق من سرور تبحث عن دليل أوورقة أو ذكرى فى رسالة تساعد السلطات المصرية على ادخال «سرور» الى الأراضى المصرية وعودته للحياة الطبيعية.. فجأة توصلت الى صورة من عقد قرانها على «سرور» واخرى من حكم المحكمة بتطليقها منه باعتباره مفقودا وحملت الأوراق التى قدمتها لاشقائه «أحمد» و«محمد» التى كانت دليلا دامغا والوحيد على ظهر الأرض على شخصية «سرور» حتى يتمكن من دخول مصر بعد احتجازه فى احد المراكز الطبية فى المنطقة المحايدة بين البلدين !
الاخبار التقت سرور الميت الحى منذ 30 عاما ليحكى قصته منذ البداية.


   فى البداية حدثنى عما حدث لك فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى قبل سفرك الى ليبيا؟
ـ   انا شاب كنت مقبلا على الحياة لا اجيد القراءة أو الكتابة من اسرة بسيطة من صعيد مصر وانتقلنا للعيش فى القاهرة واشترينا قطعة أرض فى منتصف السبعينيات  بمنطقة عزبة النخل.. كان حلم والدى  ان يزوجنى ويفرح بى لأننى ابنه البكر وخاصة بعد أن اقترب عمرى من 30 عاما وكنت فى ذلك الوقت أعمل «نجار مسلح» لكن كانت مهنتى غير مجزية ماديا لذلك فكرت فى البحث عن وسيلة اخرى لتحسين دخلى وخاصة أن لى اشقاء صغار وبينهم بنات.
وماذا عن قصة السفر الى ليبيا؟
كنا 7 اصدقاء فى العمل..   سافرنا سويا من خلال سيارة بيجو وكانت الأجرة من القاهرة الى ليبيا 15 جنيها مصريا لا غير بالفعل وصلنا الى طرابلس ومنها انتقلنا الى منطقة الجبل الغربى ولم نلتحق بأى عمل الا بعد أسبوع من وصولنا.
  هل تواصلت بعد سفرك مع اهلك واسرتك؟
ـ  بالفعل لكن معظم رسائلى لهم من خلال رسالة شفهية مع احد الأصدقاء المصريين اثناء سفرهم الى بلدهم أو من خلال تسجيل صوتى على شريط كاسيت.
وهل تواصلت مع زوجتك اثناء سفرك الى ليبيا وخاصة فى الشهور الأولى ؟
ـ  نعم أرسلت لها بعد شهور قليلة فستان الزفاف الأبيض وبعض الهدايا وابلغتها بقرب موعد زفافنا ووعدتها باقامة ليلة زفاف كبيرة.
 ومنذ متى انقطعت علاقتك بأهلك وزوجتك فى القاهرة ؟
ـ  فى العام الثانى من وصولى الى ليبيا اقترح على احد الأصدقاء المصريين بالسفر الى جزيرة مالطة للعمل بها وقال لى ان الأجر اليومى هناك  يعادل 50 جنيها  وافقت سعيا الى تحسين ظروفى وحبا فى زيارة تلك الجزيرة الساحرة بالفعل قضيت هناك اياما جميلة لكننى لم اتمكن من ادخار اى مبالغ مالية نظرا لغلاء المعيشة على الجزيرة فقررت العودة الى ليبيا والعمل هناك بمهنتى التى اعشقها وهناك كانت المفاجأة !.. اخبرنى أحد المصريين الذين حضروا معى الى ليبيا ان والدى قد مات.. ولحقت بى والدتى بشهور قليلة.. اسودت الدنيا أمامى وضاعت جميع أحلامى وحزنت أشد الحزن.. بل اقمت سرادق عزاء، لكن منذ تلك اللحظة انقطعت اتصالاتى بأهلى وناسى بكل الطرق بعد شعورى أن بوفاة والدى ووالدتى لم يصبح للدنيا طعم وعزفت عن الاتصال بزوجتى التى لم يشأ القدر ان يتم زفافنا  اوالزواج من غيرها للأبد.
 واين استقر بك الحال فى ليبيا؟
ـ من خلال بعض الأصدقاء الليبيين هناك قبيلة تدعى قبيلة « الكيانات « لها باع طويل فى المقاولات وكانت طبيعة تلك القبيلة انها تحب كل مصرى بل تقدم له الحماية والرعاية وتوفر له عملا يدر عليه دخلا بخلاف مسكن ملائم ولكننى بعد سنوات فقدت كل اوراقى الشخصية ولم احمل ما يثبت شخصيتى اومصريتى نهائيا.
 ومتى فكرت فى العودة الى مصر وما أسباب ذلك؟
ـ  منذ شهور سقطت من الدور الثالث اثناء عملى فى احد البنايات وتم نقلى الى مستشفى ترهونة وهناك لم يتركنى اصدقائى الليبيون وقدموا كل الدعم والمساندة لى لكن اصابتى الشديدة ارقدتنى فى المستشفى شهورا حتى طلبت قبل رمضان الماضى من صديق ليبى مقرب لى مساعدتى لوقدر لى الوفاة فى ليبيا ان يتم دفنى فى مصر بجوار والدى بمنطقة المرج على حدود القاهرة وبالفعل قام صديقى الليبى باستخراج وثيقة تحرك باسمى لأول مرة صادرة من مكتب انهاء المصالح المصرية فى طبرق حتى اتمكن من عبور الحدود من خلال سيارة اسعاف التى تم استئجارها من قبل القبيلة التى كنت اعمل بها على حسابها الخاص.
لكن كيف تواصلت مع اهلك واشقائك فى مصر ؟
ـ صديق مصرى فى ليبيا من محافظة كفر الشيخ  تولى ابلاغ عائلتى بعد ان اعطيت له اخرعنوان لى فى مصر وبالفعل وصل الى شقيقى « احمد « الذى يعمل ضابطا بالقوات المسلحة والذى تحرك مع شقيقى الآخر «محمد» لانهاء اوراق استقبالى فى مدينة السلوم والاتصال بجريدة الأخبار لمساعدتى على دخول مصر واستخراج اوراق عودتى الى حضن الوطن.
 لكن مهمة دخولك الى مصر كانت صعبة للغاية وخاصة انك لم تكن مسجلا داخل الدفاتر فى السجلات الحكومية اوالمواليد ؟
ـ بالفعل هذا صحيح لقد فقدت كل اوراقى الثبوتية لكننى لدى وثيقة زواج وطلبت من اشقائى احضارها حيث فشلت فى الدخول بوثيقة التحرك الصادرة من مكتب انهاء المصالح المصرية.
 عندما وصلت الى القاهرة شاهدت والدك ووالدتك لأول مرة ماذا كان رد فعلك ؟
ـ   سجدت لله أمامها وقبلتهما وشعرت أن عمرى لم يكن 60 عاما بل 6 سنوات فقط .
 ماذا عن الغربة فى ليبيا وغيابك عن الأهل الوطن 30 عاما؟
ـ الله خد.. الله جاب.. الله عليه العوض.. الغربة الفاشلة قتلتنى ودمرتنى.
 الأخبار سألت الأب الحاج محمد عبدالعال احمد سرور الذى يبلغ من العمر 82 عاما عن احساسه برجوع ابنه بعد 30 عاما من الاختفاء واعتقاده ان ابنه مات ؟
قال « كنت حاسس انه هيرجع فى يوم من الايام وكنت بصلى وادعو له بالرجوع واليوم رجع وحضنته قبل ان ارحل عن الدنيا.. فرحتى به لا توصف ربنا يحفظه واشكر جريدة الأخبار على وقوفها بجوارى حتى ارجاع ابنى والأم تقول للأخبار : ابنى «سرور» ولد من جديد وسوف اتلقى التهانى من الأهل والجيران بمولده  على الرغم انه الابن البكر لى