بعد تحويلها إلى أبراج ومولات..

صور| مذبحة دور السينما على أيدى «مافيا» المقاولات!

هدم سينما فاتن حمامة - تصوير أحمد حسن
هدم سينما فاتن حمامة - تصوير أحمد حسن

- سينما فاتن حمامة أحدث الضحايا.. و«فانتازيا» تتحول إلى وكر للبلطجية

كانت مصر من أوئل الدول التى عرفت صناعة السينما وطورتها وتركت بصمتها عليها ، وكانت دور العرض تملأ الأحياء الشعبية والراقية على حد سواء ، وكانت السينمات هى المتنفس المفضل لملايين المصريين ، وكانت هى المرآة التى تعكس الواقع المصرى بشكل مجرد من خلال الاعمال الفنية ، لكن ما حدث خلال السنوات الاخيرة ، يمكن ان نصفه بانه مذبحة للسينمات ، وقتل عمد للبنية التحتية للتراث الفنى والثقافى ، فهناك اكثر من 300 دار عرض سينمائية أغلقت «بالضبة والمفتاح» فى مختلف محافظات الجمهورية، لدرجة ان هناك محافظات كاملة لا يوجد بها سينما واحدة ، وشهد المجتمع ولا زال يشهد ، تراجعا مخيفا فى دور العرض لايتناسب مع حجم الزيادة السكانية والانتعاشة الإنتاجية التى تشهدها السينما المصرية حاليا.. وهدمت العشرات من دور العرض وتحولت إلى قاعات للأفراح أو أبراج سكنية أو مشاريع تجارية أو محلات أحذية.. وآخر هذه المذبحة ما شهدته سينما فاتن حمامة بالمنيل التى «تساوت» بالأرض واصبحت مجرد انقاض  مهيأة  لبناء ابراج سكنية.. ويحدث هذا فى ظل غياب تام من أجهزة الدولة المعنية بهذا الشأن.. خاصة فى ظل الهجمة النشطة من مافيا المقاولين والسماسرة الذين «يحومون» حول السينمات القديمة لما لها من موقع متميز واستغلاله فى بناء الأبراج والمولات والمحلات..


منذ ثورة 25 يناير 2011 لا يوجد وزير ثقافة ممن تولوا مسئولية الوزارة وحتى الان فكّر فى افتتاح دار عرض واحدة أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه بشراء هذه السينمات أو حتى القديمة منها والتى تحتفظ بطراز معمارى، خصوصا أن السينمات ليست وسيلة ترفيهية فقط، لكن لها دور أساسى فى توعية النشء وتثقيفه.. القانون الذى أصدره الرئيس الراحل أنور السادات عام 1980، والذى يمنع هدم المسارح والسينمات، حافظ على التراث الفنى المصرى، إلا أن «الرشاوى والمحسوبية» خلال الــ30 سنة الماضية فتحت باب التحايل على القانون، وقضت على البنية التحتية للفن المصرى،واصبح اصحاب دور العرض التى تم بيعها وهدمها وتحويلها لأغراض أخرى، يتحايلون على القانون الذى وضعته الدولة (بمنع هدم سينما إلا إذا تم بناء سينما أخرى فى نفس المكان) بقيامهم بوقف نشاط هذه السينمات ثم بيعها، ولا يوجد فى القانون ما يمنع إغلاق سينما أو بيعها وتغيير نشاطها.

 

 


ووفقا لتقرير صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء كشف أن عدد دور السينما فى مصر كان 92 فى عام 2012، مقارنة بـ 100 دار عرض فى العام 2011 و150دارا فى العام 2008، ويعنى هذا أن مصر فقدت 58 دار عرض سينمائى فى الفترة مابين 2008- 2014.
وأصدرت غرفة صناعة السنيما تقريرا اكدت فيه ان عدد السينمات كان 350 دارًا فى عام 1954، وانخفض إلى 250 دارًا فى عام 1966، ثم 190 داراً فى عام 1977، مما يعنى أن مصر فقدت أكثر من 260 دار عرضٍ سينمائى فى 60 عاما.
هذه المذبحة طالت جميع المحافظات ، لكن كان لمحافظتى القاهرة والجيزة نصيب الاسد منها.. ففى القاهرة تم إغلاق أكثر من 60 سينما، منها سينمات « جرين بالاس، والنزهة الصيفى، ورويال الجديدة وأواسيس والكورسال الجديدة وألمظ، والترجمان1 والترجمان2 والحرية بالخانكة وفينوس، والأهلى بشبرا الخيمة والحدائق ونيوستار، وسينما ومسرح الجزيرة بالمنيل، ومون لايت وسينما الحديقة الدولية وسينما الميرلاند ونادى المقطم، و4 سينمات تابعة لرويال اليمامة وسينما اكسنيت وسينما حدائق أكتوبر، وسينما داون تاون، و3 سينمات تابعة لجودنيوز جراند حياة وسينما قصر النيل، وسينما القاهرة التابعة لأفلام الشرق وسينما حديقة الجبل التابعة لشركة الكواكب، وسينما نادى الزراعيين ونجيب الريحانى، ونادى النخيل، ونادى سيتى كلوب، وسينما قرية اللوتس السياحية، وفاتن حمامة، وسينما فريد شوقى»، وسينما ماجدة بحلوان.. واخر هذه السنيمات سينما روتيرى بوسط البلد التى اغلقت وتحولت إلى مخزن لقطع غيار السيارات ومحلات بيع النظارات والعصائر..وسينما فاتن حمامة التى اصبحت انقاضا جاهزة لبناء ابراج سكنية شاهقة الارتفاع.

 

 


وأيضا أغلقت أكثر من 41 سينما فى الجيزة منها 3 سينمات تابعة لجودنيوز بورتو مارينا وسينما فانتزيو الشتوى وفانتزيو الصيفى اللاتى تحولتا إلى مخازن للباعة الجائلين بعد ان سكنتها الاشباح ، وسينما الكيت كات بالاس فى إمبابة وسينما قصر السمر السلاملك وسينما الحرية وسينما النخيل وسينما رينيسانس الجونة 1 و2، وسينما بالاس وفريال وميامى فى شارع الهرم، وسينما حديقة السمر والهرم 1 وسينما مسرح عتاب والحرية 1 و2، وسينما مينا بالاس وسينما رينيسانس مركز التجارة العالمى وسينما جودنيوز فى داندى مول، و3 سينمات تابعة لأليكس سنتر، و13 سينما تابعة لعثمان جروب سينما، وسينما جودنيوز القرية الفرعونية، وسينما مصر وسينما شبرا بالاس.
متنفس للمواطنين
المواطنون المقيمون حول هذه «السنيمات» التى يتم هدمها غاضبون من هدم دور العرض لما لها لديهم  من مكانة خاصة ، حيث يعتبروها المتنفس الافضل لهم ، يدخلونها لمشاهدة الافلام ، كما انها تعتبر تراثا ثقافيا لا يعوض ، ففى منطقة المنيل شاهد المارة والسكان عمليات هدم السينما فى غضب وذهول ، ويقول مدحت حسانين احد سكان المنيل ، ان هذه جريمة لا يجب السكوت عليها ، فسينما فاتن حمامة من التراث الثقافى والمعمارى الذى يجب على الدولة الا تفرط فيه ، وهذه السينما قدمت للبسطاء والاغنياء الكثير من مظاهر البهجة والسعادة فهى كانت سينما العيد لهم وكانت المتنفس الطبيعى لبسطاء المجتمع لمتابعتهم الافلام السينمائية.
ويضيف محمود عبد الله احد سكان منطقة وسط البلد ان هدم السنيمات التراثية خطر كبير على المجتمع ، لانه يمثل هدم للبنية التحتية للفن المصرى ، واضاف ان هدم سينما روتيرى يسدل الستار على واحدة من أقدم السينمات المصرية لتلحق بسينمات «ريو باب اللوق، وهذه السينما تحولت إلى مخزن لقطع غيار السيارات ، ومحلات بيع عصير والباعة الجائلين واشار ان هذه السينمات كانت شاهدة على تاريخ صناعة السينما وإقامة العروض الخاصة لنجوم زمن الفن الجميل، لكن أصبحت الان «سينمات تحت الأنقاض» بعد بدء هدمها واستبدالها بمولات ومنشآت سكنية جديدة لينتهى عصرها.
اما فى منطقة الجيزة فقد عبر اهالى منطقة ميدان الجيزة عن استيائهم من اغلاق «سينمات فانتزيو الشتوى وفانتزيو الصيفى» اللاتى تحولتا إلى مخازن للباعة الجائلين بعد أن سكنتها الأشباح ، ويشتكون من انها تحولت إلى وكر للبلطجية والخارجين على القانون واطفال الشوارع ، الامر الذى يمثل خطرا عليهم ، وقال حسين عبد اللاه احد سكان منطقة ميدان الجيزة ان هذه السينمات كانت « النزهة « المفضلة لدينا ، كنا ندخلها لمشاهدة الافلام ، لتفريغ هموم الحياه ، كانت مصدر سعادة لنا ، لكن بعد اغلاقها تحولت إلى خرابة مأهولة بالبلطجية الذى يمثلون خطرا على المنطقة..
هدم التاريخ
من جانبها اكدت الدكتورة سهير حواس، نائب رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضاري، أن هدم «السينمات» يُعتبر هدم جزء من التاريخ خاصة إذا كانت مُسجلة فى التراث المعماري، وعند هدم أى دور عرض يجب التأكد من شيئين أولهما هل لجنة الحصر سجلت تلك الدور ضمن التراث أم لا، وفى حالة الهدم لابد من اخطار لجنة الحصر ويجب على اللجنة أن تقوم بالمعاينة أولًا وتحديد إذا كان تلك الدور تستحق الاستمرار وتمثل جزءا من التاريخ أم إنها لا تمثل قيمة ويمكن هدمها.
وتضيف حواس أنه يجب على المحافظة عدم اصدار ترخيص الهدم « عمال على بطال « خاصة إذا كان المبنى من ضمن المبانى التراثية، إلى جانب أنه من الممكن أن يتم إعادة بناء دور سينما جديدة بنفس الاسم وفى نفس المكان إذا كان المبنى متهالك ويجب هدمه، لذلك يجب قبل أى هدم تحرى المعلومات والتأكد قبل صدور أى ترخيص هدم.
واضافت ان لدينا تشريعات كافية لردع المخالفين ولكننا نعانى صعوبة تطبيقها لأن لدينا دائما من يتخطى القانون ويفتخر بذلك، لذا نحتاج إلى تطبيق القوانين بقوة وهنا أيضا يأتى دور الإعلام فى تثقيف المواطن وخلق درجة من الوعى لديه بأهمية هذه المبانى التراثية.
تدخل وزارة الثقافة
ويقول الناقد الفنى طارق الشناوى أنه يسكن بجوار سينما فاتن حمامة وعندما تم هدمها أحس بالضعف، لأن سينما فاتن حمام تُعد من أهم معالم منطقة المنيل، وشهدت استخدام الرئيس الراحل محمد أنور السادات للتمويه ليلة اندلاع ثورة 23 يوليو 1952، حيث حضر فيها فيلمًا ليختفى عن أنظار المراقبة.
ويوضح الشناوى أن سينما فاتن حمامة شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ الفن المصري، كونها أحد مراكز التنوير والثقافة فى قلب العاصمة، تقف السينما اليوم، لتواجه مصير الهدم، مع اعتراف رسمى بأنها ليست طرازًا معماريًا، رغم أن عمرها يتجاوز نصف القرن، كانت خلالها شاهدًا على تاريخ صناعة السينما، واستضافت الكثير من العروض الخاصة لنجوم زمن الفن الجميل، إلا أنها حاليًا أصبحت تحت الأنقاض بعد هدمها لاستبدالها بمولات وأبراج سكنية شاهقة الارتفاع فى المستقبل القريب، وهكذا كُتب شهادة وفاة دار عرض جديدة.


واضاف أن كان يجب على وزارة الثقافة أن تتدخل لمنع هدم أى دار عرض بأى حجة، لأنها تعتبر أثرا على المستوى السينمائى، ويؤدى إلى تجريف الحياة السينمائية والثقافية للمجتمع..
ويختتم حديثه قائلًا أنه كان يوجد قانون يجبر صاحب الأرض الذى اشتراها عند بناء أى مبنى مكان دور السينما يجب عمل أول دور من المبنى ليكون سينما، متمنيًا إعادة تفعيل هذا القانون وإطلاق نفس النفس مرة آخرى على دور السينما الجديد ، لحماية دور العرض من الانقراض.