رواية «الخروج من البلاعة».. حين يصبح هاملت امرأة اسمها «حرنكش»

رواية «الخروج من البلاعة».. حين يصبح هاملت امرأة اسمها «حرنكش»
رواية «الخروج من البلاعة».. حين يصبح هاملت امرأة اسمها «حرنكش»

عند سماعك لجملة «الخروج من البلاعة» سيعود ذهنك إلى ذكرياتك مع ثورة 25 يناير، حين تكررت تلك الجملة على ألسنة المصريين لمّا وصفوا أن نظام مبارك حوّل مصر إلى «بلاعة» تخفي بداخلها العديد من المخالفات والفساد.

 

لكن هنا تعود تلك الجملة إلى شخص خرج من «البلاعة»، ووجهه وجسده ملطخان بالطين ومخلفات الشوارع والناس، متسائلاً: «من هذا؟»، وهذا السؤال نفسه تسأله حورية إسماعيل عبد المولى أو «حرنكش»- كما يصفها والدها- لنفسها: «من أنا؟»، وهي شخصية جديدة يقدمها الأديب نائل الطوخي، في أحدث أعماله الروائية «الخروج من البلاعة» الصادرة عن دار الكرمة للنشر.

 

حورية إسماعيل عبد  المولى، امرأة نوبية، سمراء، في الأربعين من عمرها، انتحر زوجها وتركها وحيدة مع ابنها الانطوائي الذي لا يتحدث كثيرًا، وتعمل معلمة رياضيات في إحدى المدارس الخاصة، وتحب السير في شوارع القاهرة وهي تستمع إلى الأغاني من خلال سماعات الهاتف المحمول «إذ كانت السماعات جزءًا من أعضاء جسمها، وتخرجها وتضعها في أذنها وتمشي إلى أي مكان يعن لها».

 

وبينما تعيش حورية في هدوء قاتل، فضلاً عن الكآبة المنتشرة في كل غرف منزلها، يدخل حياتها رجلاً اسمه كمال، أرمل، ولديه طفل يدرس في المدرسة نفسها التي تعمل بها حورية، حيث طلب منها أن تعطي لابنه درسًا خصوصيًا، فتوافق.

 

وتتطور العلاقة بينهما سريعًا، إذ جعلها تشعر بأنها ليست وحيدة في هذا العالم، ولكن هذا الحال لم يدم طويلاً، فأصبحت العلاقة بينهما متوترة بعد اتهام والدةكمال وابنه ابن حورية بأنه غريب الأطوار، ويحتاج معاملة خاصة، إلا أن الحبيبان يتزوجان، وبعد أيام قليلة من الزواج يقتل كمال ابن حورية أمام عينيها، ثم ينتحر، ويجعل حورية تسأل نفسها مرة أخرى: «من أنا؟».

 

ويدفع الطوخي، في روايته، القراء إلى التساؤل: «من تريد أن تكون حورية؟، هل تريد أن تصبح مشاءّة تسير في الشوارع مثلما علمها والدها؟»، حيث كانا يسيران، البنت والأب، حرنكش والمقدم إسماعيل عبد المولى، على طريق من المنيل إلى الجيزة، من روكسي إلى وسط البلد، من أول فيصل إلى آخره، من مقياس الروضة إلى الزمالك، ولا يلتفت إليها ولا هي تلتفت إليه، ويتوهان في الزحام ولا يسألان عن بعضهما.. وأصبحت حورية أحسن مشاءّة في القاهرة، تمشي ولا تلفت النظر لوجودها، في أذنها السماعات وتخوض بحار الرجال والنساء وملايين البشر ولا يلحظها أحد، لا كأنثى ولا كأي شيء آخر، فأصبحت الشوارع عبارة عن خرائط في رأس حورية، تتحرك في أي مكان كانت ترسم خريطة في رأسها للطريق المنتظر حسب الخريطة.

 

وأحيانًا نتساءل: «هل هي مناضلة في فترة ثورة 25 يناير حتى فترة حكم الإخوان، وتجري متجنبة طلقات النار المجهولة، وتتفادى قنابل الغاز، وترى لوحات الشهدء العائمة في بحيرات الدم داخل شوارع مليئة برائحة الغاز، أم أنها ضد الثورة، وتراها صانعة لفوضى جديدة في الحياة المصرية؟».

 

أم أنها امرأة قررت أن تدفن مشهد مقتل ابنها وانتحار زوجها في تراب الرصيف؟، وتعيش لمدة أسبوعين تسير في الشوارع بعباءة سوداء لم  تأكل شيئًا ولم تتعب من المشي، وتنام في شارع صبري أبو علم، كانت تتغطى ببطانية قذرة منحها إياها أحد المارة، امتلأ جسدها بالبراغيث الحشرات، وتسمع أغاني على هاتفها المحمول بصوت عالٍ، فيتوقف المارة برهة ليتأكدوا من أن تلك المرأة تستمع حقًّا لأغاني فيروز، وعبد الحليم حافظ، وماجدة الرومي، وغيرهم!! وبعد ذلك يقولون «الله!»، أم أنها بطلة معالجة جديدة لمسرحية «هاملت» حين يظهر لها شبح ابنها أكثر من مرة في هيئة أطفال الشوارع، بعدما أصبح شخصية متحررة، ويتحدثون عن الماضي والحياة والثورة، ويطلب منها أن تبحث عن الشيطان تقتله حتى ترتاح نفسيًا؟

 

تلك التجارب العديدة التي مرت بها حورية جعلت حكايتها شعبية يتداولها الجميع، وتكرر حورية سردها، وفي كل مرة تكتشف تفاصيل جديدة في حكايتها، ومرة بعد أخرى تنمو قصتها أكثر، فتعيد ترتيبها، بتراكيب حكاية داخل قصة مكونة من الحقيقة والخيال، وتلحم الفقرات ببعضها البعض، حتى يسمع البشر تلك القصة السعيدة والحزينة في آنٍ معًا.