«إنما الصبر عند الصدمة الأولى»| دلائل من القرآن والسنة

صورة موضوعية
صورة موضوعية

يصعب على البعض السيطرة على مشاعره، عند التعرض لصدمة كبيرة، وبخاصة عند وفاة شخص عزيز، إلا أنه في الدين يكون «الصبر عند المصيبة الأولى».

ونشرت دار الإفتاء ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية من فضائل الصبر، ومنها ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله، واصبري» قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، - ولم تعرفه -، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» رواه البخاري.


وأوضحت الإفتاء أن الصبر أنواع وأشكال، ولكن أعلى نوع منه: الصبر عند الصدمة الأولى، حيث يقول الإمام الغزالي، تعليقا على قول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه: صبر على أداء فرائض الله تعالى فله ثلاثمائة درجة، وصبر عن محارم الله تعالى فله ستمائة درجة، وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة.

 

وفضلت هذه الرتبة مع أنها من الفضائل على ما قبلها وهي من الفرائض؛ لأن كل مؤمن يقدر على الصبر عن المحارم، فأما الصبر على بلاء الله تعالى فلا يقدر عليه إلا الأنبياء؛ لأنه بضاعة الصديقين، فإن ذلك شديد على النفس؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا»، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: « انتظار الفرج بالصبر عبادة»، وبشر الله تعالى الصابرين بقوله تعالى: «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ۞ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون».


ويقول الشيخ ابن عربي: «وإذا فاجأك أمر تكرهه فاصبر له عندما يفجؤك؛ فذلك هو الصبر المحمود، ولا تتسخط له ابتداء، ثم تنظر بعد ذلك أن الأمر بيد الله، وأن ذلك من الله؛ فتصبر عند ذلك؛ فليس ذلك بالصبر المحمود عند الله الذي حرض عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»، ولقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بامرأة وهي تصرخ على ولد لها مات فأمرها أن تحتسبه عند الله وتصبر، ولم تعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت له: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي؛ فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فجاءت تعتذر إليه مما جرى منها؛ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى».


وتبعت «الإفتاء»، السؤال هنا لماذا كان الصبر عند الصدمة الأولى هو أفضل أنواع الصبر؟


يجيب على ذلك صاحب «قوت القلوب» بقوله: فأما اشتراط الصبر في المصيبة عند الصدمة الأولى في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»؛ فلأنه يقال: إن كل شيء يبدو صغيرا ثم يكبر إلا المصيبة؛ فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر، فاشترط لعظم الثواب لها عند أول كبرها قبل صغرها وهي في صدمة القلب أول ما يبغته الشيء، فينظر إلى نظر الله تعالى فيستحي فيحسن الصبر كما قال: «فإنك بأعيننا»، وهذا مقام المتوكلين على الله تعالى.


ويقول الفخر الرازي في «تفسيره»: قال عليه السلام: «الصبر عند الصدمة الأولى» وهو كذلك؛ لأن من ظهر منه في الابتداء ما لا يعد معه من الصابرين ثم صبر، فذلك يسمى سلوا وهو مما لا بد منه، قال الحسن: لو كلف الناس إدامة الجزع لم يقدروا عليه.


ويقول الإمام القرطبي في «تفسيره»: لكن لا يكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى، كما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» وأخرجه مسلم أتم منه، أي إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها، فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر، وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك.


واستكملت الإفتاء، هل إظهار شيء من الجزع ابتداء يتعارض مع وجود أصل الصبر والرضا؟

 

والرد من الإفتاء جاء ليقول: علمنا فإن الصبر عند الصدمة الأولى من أعلى أنواع الصبر، ونجد الإمام ابن عجيبة في «تفسيره» يقرر بأن إظهار شيء من الجزع لا ينافي أصل وجود الصبر والتوكل، فيقول بصدد تفسير لما صدر عن السيدة مريم ابنة عمران عليها السلام حينما فوجئت بحملها، كما جاء في قوله تعالى: «فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا»، ويؤخذ أيضا من الآية: أن فزع القلب عند الصدمة الأولى لا ينافي الصبر والرضا؛ لأنه من طبع البشر، وإنما ينافيه تماديه على الجزع.