المفكر الكبير د. سعيد توفيق: وعى المصريين تشكله «السوشيال ميديا».. وهذا خطر

د.سعيد توفيق خلال الحوار
د.سعيد توفيق خلال الحوار

- التعليم يجب أن يتحول لمشروع قومى يكتتب فيه جميع المصريين
- مقولة «شعب متدين بطبعه» و«أسطورة» يجب أن نتخلص منها
- خطة «طارق شوقى» لتطوير التعليم رائعة ونجنى ثمارها بعد ٢٠ سنة

 

وضع الرئيس عبد الفتاح السيسى بناء شخصية الإنسان المصرى على قائمة أولوياته فى الفترة الرئاسية الثانية، ليثير ذلك العديد من التساؤلات حول جوانب القصور التى أصابت الشخصية المصرية، وهل من الممكن علاجها؟


قبل سنوات تطرق الكاتب الكبير د.جلال أمين لهذه القضية فى كتابه الشهير «ماذا حدث للمصريين» الصادر عام 2008، والذى خلص من خلاله إلى أن هناك الكثير من عوامل الهدم التى أصابت الشخصية المصرية.


د. جلال أمين كان حريصا على تشخيص الداء الذى تمثل فى أننا أصبحنا شعبا مشغولا بالاستقواء والاستعلاء على بعضهم البعض.
ربما لم يرد د.أمين وقتها أن يفرض وجهة نظره فى كيفية العلاج، ولكن بعد أن باتت تلك المشكلة من الخطورة بمكان بحيث يجعلها الرئيس فى مقدمة أولوياته للمرحلة المقبلة، فلابد من أن تكون محورا لأحاديث المثقفين والمفكرين.


وفى هذا الإطار التقت «الأخبار» بالمفكر الكبير د. سعيد توفيق، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة، والذى حاول تجاوز ما جاء به أمين فى كتابه إلى طرح رؤيته للعلاج، والتى بدأها أولا باستعراض مظاهر الهدم التى أصابت الشخصية المصرية، قبل أن يتطرق إلى رؤيته للعلاج، والتى أعطى فيها اهتماما كبيرا للتعليم، الذى وصفه باللبنة الأساسية فى عملية إعادة البناء.. وإلى نص الحوار.

استخدام الرئيس السيسى لمصطلح بناء شخصية الانسان المصرى يعنى أن هناك هدما حدث فى الشخصية، فهل ترى بالفعل أن هناك هدما قد حدث؟

- بدون تردد يقول: بالفعل هناك هدم حدث تستطيع أن تتلمس ملامحه على مستوى الوعى والمعرفة، وكذلك على مستوى نسق القيم فى المجتمع، ويكفى أن تسير فى الشارع المصرى لتدرك حجم التدمير الذى حدث فى وعى أصبح يتم تشكيله عن طريق السوشيال ميديا، التى ضيعت اللغة العربية، وقضت على قيمة بذل الجهد فى الحصول على المعلومة، وأصبحنا نعتمد على المعلومة السريعة، سواء كانت صادقة أو كاذبة وهذا خطر.


وعلى مستوى القيم، أصبحنا أمام وعى دينى تم تخريبه، وشعب متمسك بأسطورة أنه متدين بطبعه، فكانت سلوكياته أبعد ما يكون عن صحيح هذا الدين، لتشعر أننا أصبحنا أمام دين مزيف.


عبارة قاسية
ألا ترى أن عبارة «دين مزيف» قاسية بعض الشيء؟
- يومئ بعلامة الرفض قبل أن يقول بكل حماس: لا ليست قاسية، لأن السلوكيات التى نراها فى الشارع المصرى ليست معبرة عن صحيح الدين، الذى تم اختصاره فى أداء شكلى لا يترك أثرا على السلوك، ويظن صاحب هذا الأداء أنه أدى مهمته أمام الله، ومن حقه حينها أن يفعل ما يشاء، فتجده يلقى بالقمامة من السيارة ويحاول أن يأخذ حق غيره فى الطريق، وهى سلوكيات وان بدت للبعض بسيطة، إلا أنها تكشف عما هو أكبر.


 تقصد بما هو أكبر بعض السلوكيات الأكثر خطورة؟
- ما أردت قوله إن من لم تمنعه قيمه من الاتيان بهذه السلوكيات التى تنظر لها على أنها بسيطة هو نفس الشخص الذى سيقوم بما هو أكبر من ذلك إن آجلا أو عاجلا، ويكفى مطالعة صفحات الحوادث بالصحف لتدرك ذلك.


وهل انتشار مثل هذه الحوادث هو ما دفعك لوصف الاعتقاد بأننا «شعب متدين بطبعه» بـ»الأسطورة المزيفة»؟
- ترتسم على وجهه ابتسامة ساخرة يعقبها بقوله: هترجع تقول بعد كل ما سبق «شعب متدين بطبعه «، يجب أن ننزع هذه الأسطورة من حياتنا، لأننا شعب فى حاجة إلى إعادة تربية.


استغلال الدين
 ولكن ألا تتفق معى أن سلوكياتنا إبان ثورة 25 يناير جاءت متسقة مع عبارة «شعب متدين بطبعه»، بل إننا كنا نردد عبارة أن الثورة أظهرت المعدن الحقيقى للإنسان المصري؟

- لا أختلف معك، فالثورة ليست عملا بسيطا، هى لحظة تطلع لتغيير حقيقي، وهى لحظة تكون مشبعة بالأمل والتطلع لمستقبل تسوده القيم، وعلى رأسها قيمة العدل، التى رفعت كشعار فى الثورة، ومن الطبيعى أن تساهم هذه الحالة فى ظهور النقاط المضيئة داخل النفس البشرية، لذلك كانت السلوكيات إبان الثورة توصف بهذه الأوصاف الجيدة التى أشرت إليها.


 المنطقى أن تستمر هذه الحالة، فلماذا عدنا إلى ما فترة قبل الثورة...
- تخرج الكلمات من فمه سريعة: لأنه باختصار لم تنجح الثورة، وانطفأت النقاط المضيئة عندما تيقن الناس من غياب قيمة العدل، والتى يؤدى غيابها إلى حدوث تدمير فى المجتمع، فى كل المجالات من تعليم وثقافة واقتصاد، وينعكس ذلك على سلوكيات البشر، فتشيع البلطجة، كوسيلة لأخذ الحقوق. 


 ومن المسئول عن فشلها؟ 
- فشلت عندما ركبها من يزيفون الوعي، وهم الإخوان والسلفيون، والذين تحول معهم الدين إلى شكل بلا مضمون، واستغلوه للوصول إلى الحكم، ولم يختلفوا كثيرا عن نظام مبارك.


 قد يقول البعض أن فترة عام غير كافية للحكم عليهم؟
- الخطاب يظهر من عنوانه، فخلال عام لم نسمع عن خطة لتطوير التعليم وتحقيق العدالة التى نادت بها الثورة، لأنهم ونظام مبارك وجهان لعملة واحدة.


 كيف تضع نظام استمر 30 عاما فى مقارنة مع نظام لم يستمر سوى عام واحد؟
- أقارن بين الاثنين فى استغلالهما للدين، فنظام الإخوان استغل الدين للوصول إلى الحكم، ونظام مبارك ومن قبلة السادات استغل الدين لتثبيت أركان حكمه، بعقد صفقات مع الإخوان والسلفيين لمواجهة التيارات الأخري، والمحصلة فى النهاية أنهما ساهما فى تزييف الوعى الديني، ليتحول إلى شعارات يتم وضعها مثلا على السيارات، مع أن سلوكيات صاحب السيارة قد لا تمت لصحيح الدين بصلة.


أفهم أن تطالب بأن يأتى السلوك مطابقا للشعار، ولكن ما أخشاه أن يفهم من كلامك هو الرفض لكل ما يكشف عن هوية الشخص الدينية؟
- يصمت لوهلة قبل أن يقول: فى دولة القانون يجب أن يختفى أى شعار يكشف عن الهوية الدينية، لأنه من المفترض أن يتساوى الجميع أمام القانون، ويصبح الانتماء للوطن وليس للهوية الدينية، وكم أتمنى أن ندرك ذلك فى مصر فنلغى الهوية الدينية من البطاقة الشخصية.


 استغرقنا وقتا طويلا فى توصيف الداء، فهل نجد لديك روشتة العلاج؟
- لم ينتظر اكمال سؤالي، وقال وقد ارتفعت نبرة صوته قليلا : التعليم ثم التعليم ثم التعليم.


أفهم من ذلك أنك تحمل النظام التعليمى مسئولية كل ما أشرت إليه سابقا من سلبيات؟
- ترتسم على وجهه ابتسامة ساخرة، أعقبها بقوله: هو احنا عندنا تعليم، لقد قلتها وما زلت أرددها «لا يوجد تعليم فى مصر»، يوجد لدينا شباب يحمل شهادات عليا، لكنه فى الحقيقة غير متعلم، لأنه تدرب على كيفية اجتياز الامتحان، من خلال «كبسولات الإجابات» التى تعطى له فى الدروس الخصوصية، لكنه فى الحقيقة لم يتعلم. 


ثقافة الكبسولة
ألم تشعر ببعض من ملامح الأمل فى مشروع نهضة التعليم التى يتبناه الوزير الحالى د.طارق شوقي؟
- المشروع أكثر من رائع، وكثير مما كنا نقوله عن تطوير التعليم يوجد بهذا المشروع، مثل تعظيم التعليم الذاتى وتهميش فكرة الامتحان، للقضاء على ما أسميته بـ «ثقافة كبسولة الإمتحان»، ولكن المهم أن نبدأ لأننا لا نملك رفاهية الوقت، وإذا بدأنا من الآن فيجب أن ندرك أن أمامنا 20 عاما حتى نشعر بثمار هذا المشروع.


 20 عاما؟! ألا ترى أننا بحاجة لخطة أسرع؟
- هذا وقت معقول جدا، لكن المهم كما قلت لك سابقا هو أن نبدأ، فمن المفترض أن تتعامل تلك الخطة مع جيل كامل بدءاً من الحضانة وحتى التخرج فى الجامعة، وبالتالى فإن مدة 20 عاما معقولة جدا، ولكن هذا يجعلنا نؤكد على ضرورة أن تسير خطة الوزير شوقى لتطوير التعليم قبل الجامعى جنبا إلى جنب مع خطة يتم وضعها لتطوير التعليم الجامعي.. فالهدف فى النهاية هو أننا لا نريد تخريج جحافل من الجهلة، لكننا نريد أن يكون لدينا متعلم حقيقي.


 وهل نضمن حدوث تأثير واضح للتعليم الجيد على الشخصية المصرية؟
- يوميء بالموافقة قبل أن يقول: الجيل الحالى يتسم بالذكاء، ولكن ذكاءه لم يستثمر عن طريق تعليم جيد ونظام ثقافى محترم، فأصبحت الكفاءات محدودة جدا، وهو وضع لا يليق ببلد تعداد سكانه يفوق الـ 100 مليون.


فإذا كنا نتحدث عن أن الزيادة السكانية مشكلة يجب بذل الجهد لحلها، عن طريق وضع قوانين محفزة، فإنها من ناحية أخرى لها وجه إيجابى إذا تم استثمار البشر استثمارا جيدا.


 إذا كان التعليم استثماراً طويل الأجل يحتاج إلى 20 عاما، كما قلت سابقا، فهل من تحرك عاجل يشعرنا بحدوث فرق فى الشخصية المصرية؟
- تطوير التعليم يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع حدوث تطوير فى الثقافة وفى منظومة القوانين، لأن غيابها يؤدى إلى انتشار ثقافة الفهلوة.


 يبدو حديثك متسقا مع مقولة شهيرة للعالم المصرى الراحل د.أحمد زويل، تقول: أن المصرى لا ينقصه الذكاء، لكن أزمته فى «الفهلوة» ؟
- أتفق تماما مع هذه العبارة، فالفهلوة للأسف ثقافة مصرية استشرت فى حياتنا بسبب غياب قيمة العدالة، فالإنسان الذى يشعر أن بإمكانه الوصول لمبتغاه بطرق ملتوية، فلماذا يبذل الجهد والعرق لتحقيق ذلك، فالفهلوة وقتها ستكون هى الطريق الأسهل والأسرع.


 وهل غياب مثل هذه الثقافة فى بعض دول الخليج جعلتهم يسبقوننا فى كثير من المجالات، حتى إن إحدى هذه الدول خصصت وزارة للسعادة؟
- هذه الدول عدد سكانها قليل ولديها ثروة وفيرة، وبالتالى فإن المستوى المعيشى مختلف، وطبيعة المشكلات مختلفة، ولكنا دعنا نعترف أن هذه الدول تتبع قوانين صارمة ورادعة فى كل شيء، ويتم تنفيذها بدقة، وهذا يساعد كثيرا فى ضبط السلوك.


مشروع قومى
 إذا كنت صاحب قرار تبدأ بالتعليم أم تطوير منظومة القوانين؟
- يشير بسبابته قبل أن يقول بكل حزم: التعليم بدون نقاش يجب أن يتحول إلى مشروع مصر القومى الأول حتى لو لزم الأمر اكتتاب المصريين فيه، واتصور أن الشعب المصرى لن يتأخر إذا شعر أن الدولة جادة فى تطوير التعليم، لأن ذلك فى النهاية سينعكس على مستقبل أبنائهم.


وكما قلت لك سابقا، يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع ذلك تطوير منظومة القوانين، للقضاء على ثقافة الفهلوة، كما يجب أن يحدث تغيير ملموس فى الثقافة، فالأمر المثير للدهشة أن بلداً مثل مصر لديها هذا الكم من القنوات التليفزيونية، ولا يوجد بهذه القنوات برنامج ثقافى واحد.