صور| نخترق «مملكة الشحاتين».. العالم الخفي لـ«الناس اللي بتاكلها بالساهل»

نخترق «مملكة الشحاتين».. العالم الخفي لـ«الناس اللي بتاكلها بالساهل»
نخترق «مملكة الشحاتين».. العالم الخفي لـ«الناس اللي بتاكلها بالساهل»

«أميرة» تجمع 150 جنيها خلال ساعتين.. وسيدة «قطار المناشي» تحصد 30 جنيهًا «في الساعة»
«أم كريمة» تنافس «أم هاجر» في عربات المترو
«السريحة» يجمدون العملات المعدنية من محل «عصارة» و«سوبر ماركت»
مصدر أمني: 11 ألف جنيه حصيلة «السريح» شهريًا.. وسقوط أكبر متسول بـ32 ألف جنيه

 

لا تكاد تمر من أحد شوارع المحروسة، إلا وتجد طفلًا بملابس رثة يطلب المساعدة، أو امرأة تحمل رضيعها بين يديها وتستجدي المارة من أجل «حسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة»، وكذلك تلميذ يجلس على قطعة كرتونية وبجواره «ورقة وقلم» منهمًكا في المذاكرة طالبًا العون.. المشهد يمتد لرجل طاعن في السن يشتكي من عاهة مستديمة ويطلب ثمن كشف الطبيب.

 

وعلى الأرصفة وسلالم المترو وحتى في القطارات المشهد يتكرر، فهناك من تتخفى في النقاب للتسول، وسيدة أنيقة المظهر تطلب أموالًا للعودة إلى بلادها البعيدة أو علاج طفلها المريض بالسرطان، فجميعهم يُقسمون بضيق الحال وحاجتهم للأموال، فيجيدون فن كسب تعاطف المارة، لإخراج ما في الجيوب.

 

وإزاء تعدد حكايات هذا العالم المثير، اخترقت «بوابة أخبار اليوم» إمبراطورية المتسولين أو «مملكة الشحاتين»، لنرصد أغرب حكاوي «الناس اللي بتاكلها بالساهل».

 

أميرة «التسول بالمناديل».. الساعتين بـ150 جنيهًا


البداية من نفق شبرا الخيمة، فعلى ناصيته المزدحمة بالمارة، جلست «أميرة.ع»، سيدة ثلاثينية، تحمل رضيعها بين يديها بعد أن افترشت الأرض، وبعد مرور لحظات، بدأت في مهمتها اليومية، باستجداء المارة بالمناديل، مرددة أدعية الستر والصحة.

 

جلسنا مع «أميرة» بعض الوقت للتعرف على حكايتها، وبعد أن اطمأنت لنا، فتحت قلبها، وقالت: «أنا من الشرقية، باجي كل يوم عند نفق شبرا أبيع مناديل، متجوزة ومعايا 3 عيال، جوزي كهربائي، وأنا بيبع مناديل هنا بقالي سنة عشان أصرف على عيالي، عشان عليا أقساط».

 

وعن رحلتها اليومية من الشرقية للقليوبية، قالت «أميرة»: «بطلع من الشرقية 5 ونصف بعد الفجر، بوصل هنا الساعة 7 وبقعد للساعة 2 بعد الظهر».

 

وعند سؤالها عن متحصلات اليوم كاملًا، ردت قائلة: «ربنا بيكرمني فى الساعتين بـ150 جنيه، وساعات بيجلنا أكتر أو أقل، وبصحح الفلوس من محل كشري أو السوبر ماركت اللي جنبي أو محل عصير في طريقي، وبعد كده برجع الشرقية».

 

قبل اقتراب عقرب الساعة من الثانية بثوانِ، هرعت «أميرة» لجمع متعلقاتها، قبل أن تحمل ابنها، واستأذنتنا حتى لا يفوتها قطار الشرقية، وودعتنا بدعاء معهود أطلقه لسانها قبل الرحيل.
 

5 سنوات من التسول بجثة طفلها

 

على بعد خطوات من «فرشة أميرة»، وفي ركن منزوِ بالنفق، جلست سيدة «خمسينية»، بجوارها جثة طفل يرتدي جلبابًا أبيض، ويربط رأسه بشال أبيض، غارقًا في النوم.

 

وعند سؤالها عن وضعها، وحالة الطفل «الجثة»، رفضت الحديث معنا، قائلة: «أنا فلاحة.. بسترزق أنا وابنى المريض بالسرطان.. سيبوني في حالي».

 

فيما قال أحد الباعة الجائلين من قلب النفق، إن تلك السيدة تصطحب طفلها (11 عامًا) إلى النفق يوميًا، وتجلس في مكانها المعتاد هناك منذ ما يقارب الـ6 ساعات يوميًا، تمد يدها للمارة بداعي مساعدتها في علاج نجلها المريض بالسرطان.

 

وأضاف لـ«بوابة أخبار اليوم»: «هي مش فقيرة، وبتتسول هنا من 5 سنين، نصحناها كذا مرة تقعد على فرشة وتبيع بس هي رفضت، الشحاتة مش عاوزة مجهود وفلوسها كتير، وليه تتعب نفسها!».

 

الطفل «الجثة».. والـ300 جنيه

 

وتابع: «بتعملها 300 جنيه في اليوم من غير تعب، وركاب المترو يتعاطفون معها بسبب ابنها الذي تدعي مرضه، وفي الحقيقة هو مش مريض هو طفل زي كل الأطفال، بيصحى ويلعب ويتنطط، بس هي بستعطف الناس بالجثة».
 

الشاب «المحروق»

وعلى السلم المؤدي إلى محطة المترو، جلس شاب في مقتبل العمر، ممدًا ساقه اليسرى «المحترقة» والمشوهة بالكامل أمام المارة، ورغم غضب الركاب من هذا المشهد المآساوي، إلا أنهم حرصوا على ترضيته بجنيه أو اثنين كصدقة.

 

عوائد التسول

وعن عوائد المتسولين اليومية، أكد صاحب «سوبر ماركت» بالمنطقة -دلتنا عليه أميرة- أنه يعرف جميع المتواجدين على سلالم المترو عن ظهر قلب، موضحًا أنهم يتراصون هناك منذ سنوات، بعضهم يتواجد منذ أكثر من 5 أعوام، وآخرون منذ عامين، قائلًا: «الناس دي بتاكلها بالساهل، بتنزل الصبح بدري تمد إيدها وترجع بـ500 جنيه في اليوم وأكثر، أي بواقع أكثر من 11 ألف جنيه في الشهر».
 

وكشف أن أحد المتسولين يسكن في منطقة قريبة من المترو، ولديه منزل تتعدى قيمته المليون جنيه –اشتراه من متحصلات التسول-، وزوج أولاده الثلاثة من التسول على أرصفة وسلالم المترو».

 

وذكر أنه يساعدهم في استبدال العملات المعدنية بورقية مجمدة، متابعًا: «الواحد منهم بيطلع له من 150 أو 600 جنيه في اليوم، في واحدة مسرحة عيالها الخمسة، 3 بنات وولدين، وبيطلعوا لهم بـ3 آلاف جنيه يوميًا، الناس دي مش غلابة، إحنا اللي غلابة».

 

تسول خلف ستار «النقاب»
 

وذكر أن «متسولة النقاب» تجمع مئات الجنيهات من الركاب، بعد استجدائهم بداعي أنها «بتجري على عيالها وجوزها».

 

وأضاف أنها تجلس يوميًا في أحد الأركان بالمترو، بملابس مهلهلة، وتمسك كيسًا بلاستيكيًا، ممتلىء بالعملات الورقية والمعدنية، وبعد أن أحصتهم، وضعتهم في «بوك صغير» خاص بها.

 

30 جنيها في الساعة
 

وبعد انتهاء جولة المترو، توجهنا إلى القطارات، وتحديدًا قطار المناشي قبل انطلاقه في رحلته المعتادة، بمحطة سكك حديد مصر، فداخل العربة الثالثة، وقفت سيدة عجوز بملابس سوداء بالية، تعرض المناديل على ركاب القطارات ويمسك بطرف جلبابها طفل صغير لا يتعدى عمره الـ5 سنوات، اكتشفنا فيما بعد أن حفيدها.


راقبنا المشهد، وعندما قدمت نحونا، بادرناها بسؤال: «انتي منين يا حاجة، ومحتاجة إيه»، فردت قائلة: «باجي كل يوم على القطر أبيع مناديل، جوزي مريض وبصرف على علاجه، وأنا عاملة عملية ومركبة مسامير»، حسب قولها.

 

وكشفت أنها تعمل ساعتين كل يوم، وتتحصل على 30 جنيها في الساعة، مضيفة: «مليش معاش أو تأمين صحي».

 

 القبض على 10 أمس


وحول إجراءات مواجهة الظاهرة، أكد مصدر بشرطة مترو الأنفاق، أنهم يشنون حملات لضبط المتسولين على مدار اليوم، موضحًا أن آخر تلك الحملات كانت أمس، إذ تم القبض على 10 متسولين على خط «شبرا الخيمة - المنيب».

 

ليلة سقوط إمبراطور التسول

وأضاف المصدر، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم»، أنهم نجحوا في القبض على إمبراطور التسول، الذي استخدام «ماكياج» لرسم آثار حروق على يديه وساقيه لكسب تعاطف الركاب.
 

وأضاف: «ضبطناه وبحوزته ألفين جنيه أمس، بعد أن رسم عاهة مستديمة في ساقه بالماكياج».

 

المتسولون.. أنواع

وعن المتسولين المضبوطين، قال المصدر: «ضبطنا سيدة منتقبة توزع ورقة على الركاب تقول فيها إنها أرملة وترعى أيتام، على غير الحقيقة، وعندما ضبطناها، اكتشفنا أنها فتاة (18 عاما) وتسرحها والدتها مع 4 آخرين من شقيقاتها».

 

«أبو رجل مسلوخة».. ومتسولات الشوكولاتة واللبان

وتابع: «ضبطنا كذلك ثلاثة من الشباب الذي يرسم حروق وجروح على يديه وساقيه بالمكياج، ويظهر على شكل (أبو رجل مسلوخة)، وعشرات الفتيات يتراوح سنهم من 4 إلى 14 عامًا يتسولون بـ(الشوكولاتة واللبان) وتوجههم والدتهم»، موضحًا أنهن أكثر الفئات التي يتعاطف معها الناس.

 

شاب النقاب.. ولعبة القط والفأر

وكشف المصدر، عن ضبط شاب تخفي في النقاب الأسبوع الماضي ليتسول في عربة السيدات.

 

وأوضح أنهم يقومون بتحرير محاضر لهؤلاء الأشخاص، وإحالتهم للنيابة التي تخلي سيبلهم بعد ساعات بعد تحريز المضبوطات والأموال ليعود المتسول مجددًا إلى رصيف المترو وتتواصل لعبة «القط والفأر»، وفقًا له.

 

وتابع: «القانون هنا يغل أيدينا، نحن نطارد المتسولين على طريقة القط الفأر والنيابة تخلي سبيلهم، ونراهم في اليوم التالي في المحطات وعلى الأرصفة ووسط الركاب».

 

الحيتان.. أم كريمة تنافس أم هاجر


وعن حيتان التسول، ومن سجلوا أسمائهم في الكشوف الدائمة لضبطيات شرطة المترو، قال المصدر: «بالإضافة إلى سيد إمبراطور التسول، هناك أم هاجر التي تسرح بناتها الأربعة الصغار، وأيضًا أم كريمة لديها 5 أطفال تطلقهم في عربات المترو، يتسولون بالمناديل والأرواح»، متابعا: «عارفينهم كلهم، وكل يوم كعب داير من القسم للنيابة».

 

سقوط إمبراطور الدولارات واليورو

وتابع: «منذ 3 أشهر تم القبض على أكبر متسول، الذي ضبط بحوته 32 ألف جنيه و15 يورو و10 دولارات، تم القبض عليه في محطة شبرا الخيمة، وبعد الاشتباه فيه، تم تفتيشه، وعثرنا على إيشرب يربطه حول خصره، ويحتوي على المبلغ المذكور».

 

وأضاف: «أجرينا كشفا جنائيا عليه، وتبين أنه صادر ضده 14 حكم تسول، وتم إحالته للنيابة التي أخلت سبيله بعد مصادرة الأموال، وعاد من جديد إلى نفس الكار، لتستمر لعبة القط والفأر»، متابعا: «كل ما يخطر في بالك يحدث في المترو، والمتسول يتخفى في ألف لون».

 

أغرب حكاية.. الطفلة أمنية

وعن أغرب قصص التسول، قال المصدر إنها لطفلة لم تتخطى «6 سنوات» تدعى «أمنية»، هربت إلى الشارع وتسولت بالمناديل، بعد أن طرحتها الظروف خارج البيت، وإلى أحضان الشارع.

 

وكشف أنه بعد ضبطها وبحوزتها 35 جنيها، متحصلات بيع مناديل، تبين أن إحدى البائعات تسرحها وتأخذ أموالها، مقابل إيوائها في غرفة صغيرة مع مجموعة من أطفال الشوارع، على طريقة «الكاتعة» في فيلم «العفاريت»، بحسب حديث الطفلة.

 

وذكر المصدر، أنه بعد ساعات من استجواب «أمنية»، أمكن التوصل إلى أهلها، وتم تسليمها لوالدها وزوجته بعد ساعات من ضبطها في المترو، لتنتهي قصتها في عالم التسول بعد 4 سنوات تشرد.