المسئولية حائرة بين «الصحة» و«الصيادلة» ..

سوق الدواء و«داء» الاستغلال

سوق الدواء و«داء» الاستغلال
سوق الدواء و«داء» الاستغلال

النقابة: أصحاب الشركات الرابح الأول.. والصيدلى «مظلوم»


د. محيى عبيد : هامش الربح لا يتعدى 5٪ و10 آلاف صيدلية مهددة بالإغلاق


شعبة الدواء: نطالب الوزارة برؤية واضحة لمشاكل القطاع

 

الحق فى الدواء: لا نية لتحريك الأسعار رغم ضغوط المصانع وتعطيش السوق

 

مع أى تحريك لأسعار الوقود، يضع الملايين أياديهم على قلوبهم خشية استغلال البعض فى سوق الدواء لتلك القرارات فى افتعال الأزمات ورفع أسعار الأدوية، فالمريض قد يصبر على ارتفاع أسعار أية سلعة، إلا الدواء لا يمكن احتمال نقصه أو زيادة أسعاره، ومن هنا تأتى حالة الترقب والقلق التى يعيشها سوق الدواء، ما بين مطالبات شركات الأدوية برفع الأسعار بعد زيادة أسعار الوقود، وما بين نقابة الصيادلة التى تطالب بالزيادة لتحقيق هامش ربح فعلى للصيدلى خاصة أن هناك ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف صيدلية مهددة بالإغلاق بسبب خسائرها.

 

ووسط هذا الجدل، جاء تصريح د. هالة زايد وزيرة الصحة ليطمئن الملايين، حيث أكدت أنه لا توجد أى نية لرفع أسعار الدواء خلال الفترة القادمة، لكن قلق البعض يبقى مشروعا خشية محاولة بعض المستغلين افتعال الأزمات فى السوق، للضغط من أجل زيادة الأسعار عبر بوابة نقص المعروض.

 

«الأخبار» قامت بجولة لرصد واقع سوق الدواء، واستطلعت آراء الخبراء بشأن أفضل السبل لحماية الملايين من «مافيا» المستغلين.

 

بداية يقول د. فادى البباوى «صيدلى» إن شركات الأدوية تدخل فى مناقصات وتتعاقد مع المؤسسات بأسعار تمثل أضعاف التكلفة الحقيقية للدواء، والمشكلة تكمن فى أن معظم أنواع الأدوية التى ارتفع سعرها العام الماضى، أدوية أمراض مزمنة لا يستطيع المريض الاستغناء عنها مثل أدوية السكر والضغط، وكان لابد من وزارة الصحة مراجعة أسعار هذه الأنواع من الأدوية والمقارنة بين سعر المناقصة والتكلفة الحقيقية للدواء دون الخضوع لضغوطات الشركات التى تهدف فقط للتجارة وتحقيق الأرباح وليس مصلحة المواطن.


ويضيف البباوى أن المواطنين تحاملوا على الصيدلى بعد ارتفاع أسعار الدواء الفترة الماضية حيث ظنوا أن الصيادلة لديهم مخزون من الدواء سيستفيدون منه بعد البيع بالسعر الجديد المرتفع وهو أمر عارٍ تماما عن الصحة، مضيفا أتخوف من تكرار هذه المشكلة إذا حدثت الزيادة المقبلة لأسعار الدواء، ويجب أن يعلم الجميع أن هامش ربح الصيدلى ثابت منذ أكثر من 30 عاما، حتى فى حالة غلاء أسعار الأدوية. ويؤكد أن الطبيب له دور مهم للغاية فى التخفيف عن المواطن، فالدواء له بدائل عديدة حيث نجد نوعين من الدواء بنفس التركيبة، مما يتيح للطبيب الاختيار فى حالة نقص أحد الأنواع أو غلائه بشكل لا يتحمله المريض، فلكل دواء بديل يمكن الاستعانة به.


ويشير البباوى إلى أن صناعة الدواء فى مصر وصلت لمرحلة متدهورة تقتصر فقط على التعبئة وليس التصنيع، فنحن نستورد كل المكونات مثل المادة الخام والمكملات وأحيانا الأقراص التى تتم تعبئتها، وهو أمر مؤسف للغاية ولابد من تطوير المنظومة بالكامل من خلال خطة واضحة المعالم.. ويشدد أن الدولة كانت تمتلك فى الخمسينيات من القرن الماضى شركة النصر للكيماويات التى أسسها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لتصنع المواد الخام المستخدمة فى صناعة الأدوية، ووصل حال هذه الشركة آلان لمجرد شيء مهمل يقتصر عمله على تجزئة وتعبئة المواد المستوردة، ولإصلاح منظومة صناعة الدواء فى مصر لابد من النهوض بالشركات الحكومية مثل النصر والنيل وممفيس لتغطية السوق المحلى بمنتج جيد، وذلك سيمنع الشركات الدولية من الضغط والتحكم فى الأدوية.


وعن احتمالية نقص بعض الأدوية يقول إنه لن تكون هناك أزمة فى حال نقص بعض الأنواع طالما هناك بديل أو مثيل لها، وهنا تأتى أهمية التعاون بين الطبيب والصيدلى.


الدواء البديل


ويوضح د.عصام سالم «صيدلى» أنه فى حالة اتخاذ المسئولين لقرار بزيادة أسعار الدواء لابد من اتباع سياسة الدواء البديل، ولذلك لابد من تنظيم حملات لإقناع الأطباء بضرورة البحث عن البدائل وعدم التمسك بنوع واحد فقط، وهى تجربة اتبعتها الهند فى فترة معينة بعد ارتفاع أسعار الأدوية وألزمت الأطباء آنذاك بصرف البدائل المناسبة للمرضى.


ويؤكد سالم أن ارتفاع الأسعار سيشكل بالتأكيد أزمة للمواطن، خاصة أن هناك بعض الأمراض تستوجب أدوية مرتفعة التكلفة، وبعد زيادة الأسعار سيتضاعف سعرها مما يشكل مشكلة حقيقية لبعض المرضى، إلا أنه من الطبيعى أن تفكر الشركات فى هذه الخطوة بعد ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء مما يجعلها ترغب فى رفع الأسعار حتى لا تتكبد الخسائر.


ويشير إلى أن نقص بعض أنواع الأدوية من الممكن أن يمثل أزمة كبيرة، ففى الوقت الراهن هناك بعض الأنواع 90٪ من أصنافها غير متوافرة، وهناك أنواع أخرى ليس لها بديل، مما سيسبب مشكلة لدى بعض المرضى مثل مرضى السكر، خاصة أن هناك أطباء لا يوافقون على صرف الأنواع البديلة بحجة أنها تكون أقل فاعلية، وهنا لا يجد المريض بديلا سوى الدواء الذى أقره الطبيب.


وعن تطوير منظومة صناعة الدواء فى مصر يقول سالم إن الأمر يحتاج إلى وقت طويل حتى يتم النهوض بصناعة الدواء وعدم الاعتماد على الاستيراد فقط، ففى الوقت الحالى نعانى من هذه المشكلة التى تحتاج إلى خطة طويلة المدى.


منشآت خدمية


ويؤكد د.سامى جرجس أن الصيدلى لا يحصل على أى ربح من ارتفاع أسعار الأدوية على عكس ما يعتقد المواطنون، وتعد شركات الأدوية هى الرابح الأول والأخير فالصيدلى دائما يكون له نسبة محددة مهما ارتفع سعر الدواء، ولذلك من الضرورى زيادة هامش ربح الصيدلى، بما يضمن استمرار الصيادلة فى أداء عملهم ومواجهة الأعباء المتزايدة عليهم بعد رفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه، ويشدد أن مهنة الصيدلة هى المهنة الوحيدة التى لا تأخذ مقابلا عما تقدمه للمريض من خدمات واستشارات طبية، فقط ثمن علبة الدواء، ورغم ذلك تعامل معاملة المحال التجارية فى أسعار الكهرباء والمياه، فيجب أن تتم معاملة الصيدليات كمنشآت خدمية وليست تجارية.


ويتابع أن الصيدلى يقع فى حرج مع المرضى عندما يخبرهم بأن الأسعار قد تغيرت فيعتقدون أننا السبب فى رفع الأسعار ونحاول أن نوضح لهم الصورة ولكن يظل الحرج قائما، فنحن دائما فى صدام مع المواطن الذى لا يدرك أن الصيدلى ليس له دخل فى زيادة الأسعار ولا يتحصل على فوائد جراء هذه الزيادات.


ويشير إلى أن ارتفاع الأسعار سينتج عنه بالفعل نقص بعض أنواع الأدوية، ولذلك لابد من رصد الأنواع المهددة بالاختفاء من الأسواق لأن هناك بعض الأدوية ليس لها بديل ولا غنى عنها مما سيثير أزمة.


قلة الربح


د. هانى سامح صيدلى يشدد على أن الجميع ينظر للصيدلى كأنه سيستفيد من رفع أسعار الأدوية، والحقيقة أن الصيادلة يعانون بالفعل من قلة الربح، فالدخل ثابت لا يتغير برفع أسعار الدواء فى ظل التسعيرة الجبرية، وهو ما يشكل أزمة للصيادلة وسط أعباء الحياة اليومية.


ويؤكد على ضرورة ضبط الأسعار وتشديد الرقابة لأن هناك بعض الصيادلة يختلفون فيما بينهم على سعر الدواء مما يجعل المواطن يشكك فى مصداقية الصيدلى، كما أن الشركات تقوم برفع الأسعار بنسبة كبيرة بحجة زيادة أسعار الوقود والكهرباء، على الرغم من أن فارق التكلفة قد لا يستدعى كل هذه الزيادة.. إضافة إلى أن الشركات حينما تجد دواء يسبب لها خسائر تقلل من إنتاجه مما يتسبب فى ظاهرة نقص الأدوية.


مطالب مشروعة


وفى الوقت الذى يبرئ الصيادلة أنفسهم من الاتهامات الموجهة إليهم، تتضامن معهم بعض الأصوات فى منظومة الدواء وتطالب بالرأفة مع الصيادلة لأنه أولا وأخيرا مواطن عليه مسئوليات ويعانى من أى زيادة فى الأسعار أيضا.. فيقول د. محيى عبيد نقيب الصيادلة إنه ليس هناك أية نية حاليا من الجهات المعنية لتحريك أسعار الأدوية فى الوقت الحالى، ولكن ما يحدث داخل منظومة الصيادلة أن كل فئة تقوم بدراسة إمكانية تقليل الأعباء المالية الواقعة على المؤسسات الخاصة بها خاصة بعد تحريك أسعار الوقود وما يترتب عليها من زيادة الأعباء على أصحاب الصيدليات من أجور عمالة، كهرباء، مياه وضرائب حتى أصبح هامش ربح الصيدلى لا يتجاوز 5٪ فقط.


ويضيف أن الموضوع بأكمله فى إطار الدراسة من قبل وزارة الصحة وأتوقع أنه لن يتم اتخاذ أى إجراء بخصوص زيادة أسعار الأدوية قبل بداية العام القادم، ولكن لحين اتخاذ القرارات المناسبة بخصوص تحريك الأسعار من المتوقع أن يتم خروج من 5 آلاف إلى 10 آلاف صيدلة من المنظومة لأنهم مهددون بخسائر شديدة خاصة أنهم طوال الفترة الماضية كانوا يحاولون الصمود لأطول وقت.


ويشير إلى أن الصيدلى هو خط الدفاع الثانى للمريض بعد الطبيب فإذا حدث خطأ فى التشخيص لأى مريض يكون الصيدلى هو المنقذ فى مثل هذه الحالات، لذا فإن تعرض الصيدليات لهذه الأزمات أكثر من سيتأثر بها هو المريض، مؤكدا أن هناك بعض المصانع التى بدأت تتواصل معنا لإبلاغنا بصعوبة تصنيع بعض الأصناف بسبب ارتفاع تكلفتها وهو ما يثير القلق بداخلى بسبب أنه إذا استمر الوضع بهذا الشكل فمن الممكن خلال شهر أو شهرين على الأكثر أن تكون هناك أزمات فى بعض الأدوية.


ويضيف أن هناك بعض الأصناف التى لاتزال تباع بسعر 5 جنيهات للعلبة وهى أصناف لا تحقق أى هامش ربح للموزع ولا تغطى تكلفة المادة الفعالة الخاصة بها ولا تكاليف المصنع والتعبئة ومثل هذه الأدوية من المتوقع حدوث أزمة ونقص بها فى الأسواق، ويطالب د. محيى بضرورة وجود رؤية واضحة من وزارة الصحة للنظر إلى مشاكل قطاع الصيادلة بأكملها.


مخزون كافٍ


ويشير د. على عوف رئيس شعبة الدواء بالغرفة التجارية أنه على الرغم من الزيادة الأخيرة فى أسعار الوقود إلا أنه لم يتم حتى الآن إصدار أى قرارات تختص برفع أسعار الأدوية خلال الفترة القادمة، ولكن الأمر مؤثر على الصناعة بشكل مباشر فالشركات المصنعة بدأت تنظر إلى هامش الربح الخاص بها وبدأت تدرس وتقارن التكلفة بالنسبة للمنتج.


ويضيف أنه فى عام 2017 تمت زيادة الأسعار لعدد 3 آلاف صنف من الأدوية وهذه المجموعة لن تنالها الزيادة القادمة خاصة وأنها زادت بنسبة 50٪ تقريبا، وبعدها تم اتخاذ قرار برفع أسعار بعض الأصناف الأخرى ولكن لم يتم نظرا لاستقرار سعر الدولار فى ذلك الوقت.


ويشير أن المطالبة بالزيادة لن تكون على جميع الأدوية ولكن على الأصناف التى تحقق خسائر فقط وذلك أمر يسهل على وزارة الصحة سرده والخسارة تعنى أن التكاليف الثابتة من المادة الفعالة والنشرة الداخلية والعلبة وسعر التصنيع لا يحقق منه الصيدلى هامش ربح متوازن مقارنة بالسعر الجبرى.


ويضيف أتوقع أنه لن يتم اتخاذ أى قرارات بخصوص تحريك الأسعار قبل نهاية العام الحالى ولحين ذلك فنحن لدينا مخزون من مواد خام ومواد تعبئة تكفى حتى هذا التوقيت وبالتالى لن يكون هناك أى أزمات فى الأصناف التى تعانى الخسارة ولكن منعا لحدوث ذلك لابد من النظر فى الأمر فى أقرب وقت.


ويقول إن الحل من وجهة نظرى يتجسد فى تحمل الدولة لفرق سعر الطاقة بالنسبة للدواء.


تعطيش السوق


وينفى د. محمد فؤاد رئيس شعبة الحق فى الدواء الأنباء المتداولة عن زيادة أسعار عدد كبير من العقاقير بنسبة تصل إلى 45 ٪.. ويضيف أن الشخص الوحيد الذى يمتلك سلطة تحريك سعر الدواء هو رئيس مجلس الوزراء بقرار وزارى.. ويقول فؤاد إن كبرى شركات الأدوية أنكرت أيضا صحة المعلومات المتداولة عن زيادة أسعار عدد من العقاقير على الرغم من أنها تحاول الضغط على الحكومة لرفع السعر من خلال «تعطيش» السوق المحلى المصرى بعدد من الأدوية التى لا يستغنى عنها المواطنون لكن لم تكن هناك استجابة لتلك الضغوط من جانب الحكومة ولم يتحرك ولو حتى دواء واحد.

 

ويضيف أن الدولة حين تنوى زيادة الأسعار فى أى منتج وليس فى الدواء فقط بتقوم بنشره فى الجريدة الرسمية وهذا لم يحدث بالنسبة للأدوية وذلك بمقتضى قانون التسعيرة الجبرية الذى لم يستطع من خلاله صاحب أى مصنع لإنتاج الدواء زيادة سعره بدون موافقة رئيس الوزراء ونشر الخبر فى الجردية الرسمية.


قدرة تنافسية


ويقول د. صلاح الدسوقى أستاذ علم الاقتصاد إنه فى حالة زيادة أسعار عدد من العقاقير المقرر لها الزيادة داخل السوق المحلى ذلك الأمر سيجعله يفقد ميزته التنافسية بالإضافة إلى انخفاض فرص التصدير بالنسبة للدواء المصنع فى مصر لأنه سيفتقد إلى أهميته فى القيام بمفعوله لأن مصنعيه سيهتمون بالجانب الربحى.


ويؤكد أن أهمية الدواء بالنسبة للمواطن أهم بكثير من أى سلعة أخرى لأنه لا يستطيع الاستغناء عنه بأى وسيلة من وسائل التقشف لأن ذلك سيعرضه للموت مباشرة.. واختتم د. صلاح الدسوقى الخبير الاقتصادى أن تحريك أسعار الدواء يجب ألا يخضع لأهواء الصيادله أو أصحاب المصانع من منتجى كافة أشكال العقاقير وإذا تحدثنا عن زيادة سعر المحروقات وتأثيرها على الدواء فإنها لن تؤدى إلى زيادة تكلفته سوى بنسبة 5 ٪ فقط فلماذا ترغب المصانع، كما تردد فى الأونة الأخيرة، فى زيادته بنسبة 45 ٪؟! .