حكايات| سمك سندريلا وعيون خضراء.. أسرار صيادين «على باب الله»     

صيادون على باب الله
صيادون على باب الله

في وشوش البشر، ألف حكاية وحكاية، تُسطر حروفها تجاعيد بشرتهم، وترسم «لسعة» الشمس عليها أشهر قصص الكفاح في رحلة البحث عن لقمة العيش، فالزمان مختلف لكن المكان متشابه «بين شطين ومايه».

 

من الساحل الشمالي غربًا إلى الإسكندرية شرقًا، فتح البحر أبوابه أمام الصيادين بحثًا عن الرزق، بعضهم ركب أمواجه بمركب صغير بحثًا عن الرزق العائم والبعض الآخر اكتفى بالشط متسلحًا بسنارته لاصطياد مفتاح الفرج في قوت يومه.   

 

سنارة واحدة تكفي

 

«على باب الله».. باتت تلك الكلمات الثلاث عنوانًا دائمًا لـ«C V» لعم فرحات عبد القادر (45 عامًا)، الذي اتخذ من صيد السمك رفيقًا يوميًا وجد فيه ملاذا آمنًا بعد صلاة فجر كل يوم؛ حيث يلملم سنارته وطعمه ويتجه نحو بحر الساحل الشمالي، مكتفيًا بالجلوس على الشاطئ بحثُا عن قليل من السمك لتغطية غداء وتكاليف أسرته. 

 

 مر نحو 30 عامًا، و«فرحات» يسير عكس اتجاه الصيادين فالجميع يركب الأمواج، لكنه يكتفي بالجلوس على الشاطئ، وبالإحساس فقط ينتظر الفرج ورضا البحر أهم بالنسبة له، فحين يكون هادئًا مستقرًا يصبح الرزق «عال العال» وما دون ذلك يصبح الانتظار سيد الموقف.

 

اقرأ حكاية أخرى| فن صناعة السفن واليخوت بدمياط

 

٥ كيلو من سمك يوميًا، رزق يجد فيه فرحات، ما يكفيه وأسرته للإنفاق على يومه؛ لكن ما يُختم يومه بالبركة حرصه على بيع الكمية المتبقية بنصف الثمن لأنه يعلم ظروف المعيشة أو من الممكن أن يوزعها على جيرانه وأصدقائه مجانًا دون مقابل.

 

«سمك سندريلا» بـ30 جنيهًا للكيلو، يظل ذلك كلمة السر التي يلجأ لها عم فرحات كطعم لصيد سمك أكبر؛ حيث يستخدم سكينه سكينه لتقطيع الطعم قطعًا صغيرة، لكون «السندريلا» أشهر طعم للصيد بسهولة لأنه مملح وله رائحة نفاذة.

 

الصبر والتفاؤل والمبدأ، أمور كثيرة لا ينكر فرحات أنه تعلمها من البحر والصيد، فالسمك الذي يجد فيه متعة تناوله ثلاث مرات أسبوعيًا، يظل خير صديق ينقذه وقت ضيقه.

 

الإسكندرية.. هنا كل شيء

 

كان قرص الشمس، بدأ يتوارى في قلب البحر لينهي بذلك يوم في حياة أهل الإسكندرية، إلا أن رجلا سبعينيًا احتفظ بسكونه على طرف مركب صغير وعيناه متجهة صوب المياه المالحة، وكأنه يحدثها معاتبًا على قلة كمية صيد اليوم.

 

بعيون واهنة، أرهقها النظر للبحر على مدار 40 عامًا، تحدث موسى عبد ربه موسى عن رحلة عمر طويلة بدأها شابًا يتحدى أمواج البحر إلى كهل غزا الأبيض شعر رأسه، واستسلم وجهه للتجاعيد، حتى بات الصيد على «قد الصحة». 

 

بلغة السواحلية تحدث عم موسى، صاحب الـ 75 عامًا، عن صنعته التي تفتحت عيناه على الدنيا لترى الشاطئ أمامها والشبك في يديه والمركب تحت قدميه، ويومًا بعد الآخر صارت العادة حرفة يجيد كل تفاصيل حتى نقله إلى أبنائه.

 

اقرأ حكاية أخرى| أكل العيش بـ«نصف أصابع»

 

مع فجر كل يوم يأتي «موسى» من منطقة العصافرة إلى بحري ليبدأ عمله، فهنا في الميناء الشرقي لا يجوز الصيد ليلا، ورغم ملامح الرضا التي تكسو وجهه إلا أنه يتحسر الرجل على عمره الذي مضي.. «الصيد مهنة تغني عن الشحاتة لكنها أصبحت غير مجدية ورغم ذلك لن أتخلى عنها».

 

في الأصل، تعود جذور عم موسى إلى محافظة كفر الشيخ، وتحديدًا مركز البرلس، لكنه لم يستطع مقاومة سحر الإسكندرية، لكيتفي بزيارات زيارات خاطفة ليعود إلى بلده ثم يعود مرة أخرى إلى عروس البحر المتوسط.

 

رُزق الحاج موسى – والكلام على لسانه - بولدين أحدهما تخرج في كلية التجارة والثاني قرر ترك التعليم بعد الثانوية العامة، وكلاهما الآن يعمل معه في مهنة الصيد فمن غير الطبيعي أن يتركا والدهما أن ينزل البحر بمفرده.

 

«أوقات مش بنزل معاهم وأوقات بنزل معاهم البحر.. أنا بحب الصيد رغم أنها مهنة مرهقة علي ومش بتجيب همها بس هنعمل إيه ما قدرش اشتغل حاجة تانية غيرها».. بهذه الكلمات قرر عم موسى الاكتفاء بحديثه عن يوم من أيام بين أحضان البحر.a