«قمع الصحفيين»| هل تتسبب السلطة الرابعة في إسقاط أردوغان بالانتخابات؟

هل تتسبب السلطة الرابعة في إسقاط أردوغان بالانتخابات؟
هل تتسبب السلطة الرابعة في إسقاط أردوغان بالانتخابات؟

في ستينيات القرن الماضي، تحول المشهد السياسي التركي بصورة كبيرة، حيث كانت هناك بوادر تشير إلى أن تركيا «العلمانية» أوشكت على العودة إلى الصبغة الدينية الإسلامية ولكن بصورة تحمل قدرا من الوسطية واحترام الهوية التي وضع حجر أساسها الزعيم مصطفى كمال أتاتورك.

 

بدأت الأحزاب الإسلامية تظهر واحدا يلي الآخر، واستطاعوا حصد شعبية لا يستهان بها وظهرت العديد من الوجوه التي طمحت في قيادة الدفة فمنهم من اصطدم مع القيادات فكان مصيره النبذ المجتمعي والسجن، ومنهم من استطاع الصعود والنجاح وهو الأمر الذي تحقق مع نجم الدين أربكان ورجب طيب أردوغان وعبد الله جول.

 

كان أربكان سياسيا شرسا اعتاد المواجهة ومعاداة الدولة المتمسكة بعلمانيتها ولم يشفع له نجاحه ولم تحميه شعبيته من الوقوع وذلك في أعقاب انقلاب عسكري عام 1997.

 

تعلم أردوغان الدرس جيدا ورأي أنه لا مجال للمواجهة غير المحسوبة، فعقد العزم على إتباع سياسة دبلوماسية والبعد عن اللهجة العدائية والتقرب من الجميع وعدم معاداة الغرب وأوروبا بل والسعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

 

تولى أردوغان رئاسة الجمهورية التركية في 2014، وبالرغم من تنوع الآراء حول سياساته ما بين الآراء الإيجابية والسلبية إلا أن فترة حكمه داخليا كانت مستقرة حتى عام 2016 حيث قام مجموعة من ضباط القوات المسلحة بمحاولة انقلاب عسكري وأرادوا إنشاء مجلس السلم من أجل أن تكون الهيئة الحاكمة في البلد.

 

قام هؤلاء الضباط ببث بيان بعد سيطرتهم على قناة تي آر تي الرسمية التركية والذي تضمن خلاله حظر التجول في أنحاء البلاد وإغلاق المطارات،وحسب المصادر العسكرية التركية فإن قائدي القوات الجوية والبرية هما من نفذا الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وأن محرم كوسا وهو المستشار القانوني لرئيس الأركان هو من خطط للانقلاب.

 

وأمام تلك الأجواء المشحونة، خرج أردوغان ليدعو أنصاره للتصدي لهؤلاء المتمردين غير عابئا بمصير أمته، وبالفعل خرج البعض وقامت اشتباكات بين الطرفين، لكن الأمور في النهاية حسمت لصالح القيادة والنظام، وظهر أردوغان وسط ترحيب شعبي وأعلن عن إنهاء محاولة الانقلاب وتحدث بأن المتورطين سيعاقَبون بغض النظر عن المؤسسات التي ينتمون إليها، وانتشرت التظاهرات «الداعمة للشرعية» في أنحاء تركيا.

 

لم يخطئ أردوغان حين قال أن كل من تورط سيلقي عقابا، فقام بالقبض على عدد ضخم من الضباط والقيادات والسياسيين والصحفيين وكل من كانت تطاله يده ليتحول إلى ديكتاتور بغيض لا يتصور ولا يتقبل فكرة نقده أو معارضته بأية شكل من الأشكال، فيحدث التحول في شعبيته وتضمحل داخليا كما اضمحلت خارجيا.

 

ولكون الكلمة لها تأثير أقوى من السلاح، كان للصحافة نصيب الأسد من استهداف أردوغان، فبمرور الأيام أصبحت الصحافة وحرية التعبير أزمة تتفاقم في تركيا فأصبحت ملاحقة الخصوم من المعارضين والصحفيين وأصحاب الرأي أمرا مألوفا.

 

وبحسب تقارير منظمة العفو الدولية فأن ثلث الصحفيين، والعاملين في المجال الإعلامي، والمسؤولين التنفيذيين في المهنة يقبعون في سجون تركيا، علماً بأن أغلبية كبيرة منهم ينتظرون تقديمهم إلى المحاكمة.

 

وتقول المنظمة أيضا إن حرية التعبير في تركيا تتعرض لهجوم مستمر ومتزايد، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، يواجه أكاديميون، وصحفيون، وكتاب ينتقدون الحكومة الإحالة إلى التحقيق الجنائي، ومواجهة الملاحقة القضائية، والترهيب، والمضايقة والرقابة.

 

كما اقترن ذلك بإغلاق السلطات 156 وسيلة إعلامية على الأقل بموجب مرسوم تنفيذي أصدرته في إطار حالة الطوارئ المفروضة في البلاد، حيث أرادت القيادة السياسية توجيه رسالة ترهيب ترتب عليها جعل المشهد الإعلامي مقلق ومثير للجدل وقاتل للحريات.

 

لم يتوقف الأمر على الصحفيون العاملون بالوسائل الإعلامية التركية بل وصل إلى من يعملون في وسائل إعلام أجنبية، والصحفيون الأجانب الذين يعملون بشكل حر فقد تعرضوا لحملات القمع الحكومية، مما أدى إلى رحيل بعضهم من تركيا، أو تعرضهم للمنع من الدخول إليها، بينما لجأت السلطات إلى إلغاء التراخيص التي تخول لهم العمل في المجال الإعلامي مما أعاقهم.

 

من جهة أخرى، كانت إحدى الصحف قد نشرت تقريرا يؤكد أنه في الأعوام الأربعة الماضية، فرض أردوغان على عدد من رجال الأعمال المقربين منه شراء وسائل إعلام مستقلة، وصارت هذه الخطوة واحداً من شروط الحصول على المناقصات العامة المهمة، وكأنه أراد ضم «السلطة الرابعة» لجعبته وضمان عدم إطلاق الخطابات المعارضة له من فوق المنابر الإعلامية.

 

وأمام تلك الاتهامات والأوضاع الواضحة للجميع، يؤكد الرئيس التركي –الذي يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية الأحد 24 يونيو- أمام الجميع أن حرية الصحافة في بلاده هي «الأكبر في العالم»، نافيا اتهام نظامه بالتضييق على وسائل الإعلام، ضاربا عرض الحائط بكافة التقارير والإحصائيات والأرقام الصادرة من المنظمات الدولية.