حكايات| «صُنع في الشرقية».. ورق البردي من الزراعة للبازارات

إحدى مراحل إنتاج ورق البردي
إحدى مراحل إنتاج ورق البردي

حين يزرع «الفراعنة» قبل آلاف السنوات ثم يأتي أحفادهم في القرن الحادي والعشرين ليحصدوا نتيجة ما زرعوه من نبات البردي، تصبح المتعة والفخر معًا مصدر إلهام للأيدي العاملة على تلك الصناعة، خاصة إذا كانت ترتبط بقرية بسيطة.

من نبات البردي اتخذ المصريون القدماء سر انتقال العالم من الكتابة على الأحجار إلى الورق، وفي القرية الفرعونية بمركز أبو كبير بالشرقية، نجح الدكتور حسن رجب في نقل زراعة هذا النبات إلى تلك القرية، ليتحول مسار أهلها، ويصبح البردي في الزراعة والصناعة والتجارة.

من المحلية إلى العالمية

ومن مجرد قرية زراعية تخصص عشرات الأفدنة لنبات البردي، صارت «القرية الفرعونية» بمحافظة الشرقية نموذجًا فريدًا لتصنيع ورق البردي بعد تجفيفه بطريقة محددة ثم طباعة رسومات وكتابات فرعونية يتم بيعها في البازارات السياحية بالقاهرة والغردقة وشرم الشيخ والأقصر وأسوان وتصديره أيضًا لمحبي الحضارة الفرعونية حول العالم.. لكن كيف يتم ذلك؟

جولة لـ«بوابة أخبار اليوم» داخل الأراضي الزراعية بالقرية الفرعونية، كشفت كثيرًا من أسرار هذه الزراعة، إذ تم إدخال الزراعة في أواخر السبعينيات من القرن المنصرم على يد الدكتور حسن رجب مؤسس القرية الفرعونية ورفيق مشواره الدكتور أنس مصطفي سمك وهو من أبناء الشرقية.

اقرأ حكاية أخرى| مخترع ينقل «دركسيون» سيارته للقدم

كان للدكتور سمك فضل كبير في زراعة أول شتلات البردي بالقرية، ثم تولى مهمة تعليم الأهالي المراحل المختلفة لتصنيعها، والتي تبدأ مباشرة عقب تقطيع وجمع سيقان البردي؛ إذ تتميز هذه الزراعة بالتواجد على مدار العام، وما إن يحين الحصاد، يتم الاحتفاظ بالجذور في الأرض لإعادة ريها والحصول على محصول جديد، ثم يتم نقل «السيقان» المحصودة إلى مكان التصنيع وتقطيعها بمقاسات طولية وعرضية محددة.

لمسة نسائية

وبسرعة في الأداء ودقة في التنفيذ، تتصدى الفتيات والسيدات إلى عملية ما يسمى بـ«التشريط»؛ لأنهن الأكثر مهارة في هذه المرحلة الصعبة، حيث ينفذن شكلا طوليا لاستخراج لب النبات ثم وضعه في «الماء والبوتاس»، وبعد ذلك يتم نقعها في مادة «الكلور» لضمان حصولها على درجة من التفتيح في اللون، ثم تتوالى مراحل «الرص» بشكل طولي وعرضي.

تنتهي مراحل الرص لكمية من أوراق البردي التي مازالت تحت الإعداد، ويكون الفاصل بينهم قماش دمور، والذي كان يستخدمه أيضًا المصريون القدماء، ثم يتم إخضاع كل مجموعة لضغط شديد، لضمان تجفيفه من المياه من خلال ضاغط يدوي بشكل تدريجي حتى يتم تجفيفه تمامًا.

اقرأ حكاية أخرى| كنوز في رمال البرلس

وبعد كل هذه المراحل، يتم فرد كل ورقة والطباعة عليها بشكل رائع وبدائي من خلال فرز الأوراق المنتجة لاستبعاد التالف منها وعادة يكون التالف ذو لون داكن لا يأخذ وقته بشكل كاف في مادتي «البوتاس والكلور»، وتبدأ عملية جديدة وهي عملية الرسم اليدوي إذا كان هذا مطلوبا بشكل مخصوص للعميل، أو عملية الطبع من خلال الشبلونات والتلوين، ويتم حاليا بسبب الركود السياحي طباعة أوراق البردي بالآيات القرآنية والرسومات الفرعونية التجارية لتسريع عمليات البيع.