منذ أن كانت فكرة متوضئة بالأنوار القدسية تفتق عنها ذهن على مبارك باشا وحتى الآن تُقدم كلية دار العلوم جامعة القاهرة روافد مهمة إلى نهر الحياة الثقافية المصرية، كما تقف جلمود صخر أمام الأفكار الشاردة والآراء المُضللة التى تسعى لتعكير صفو وجودنا الحضاري.
فى هذا الحوار مع عميد الكلية، د. عبد الراضى عبد المحسن، نبحث عن أهم الآليات التى يرتكن إليها لتبقى دار العلوم منارة لغوية ومعرفية تقى الباحثين عن المعرفة مزالق الطريق .
ما أهم الذكريات الرمضانية التى لا تزال عالقة فى ذاكرتك منذ الطفولة والصبا؟
- ذكريات السهر حتى موعد السحور، والجرى خلف المسحراتى والطواف معه حيث كان يطوف القرية بأكملها مناديًا على كل بيت باسم كبيره (اصح ياحاج فلان.. اصح يا حاج فلان)، وكذلك التجمع عند المسجد حتى إذا قام المؤذن بأذان المغرب تعلو صيحات الفرح والانطلاق إلى البيت، وبعد الإفطار يبدأ إعداد الفانوس وتجهيزه بالشمعة للطواف به فى الشوارع القريبة مع الأصدقاء والأقارب.
هل هناك أكلات أو طقوس معينة تقوم بها فى رمضان؟
- أنا لا أشتهى طعامًا معينًا وكذلك لا أرفض طعامًا يقدم لي، لكن الناس اعتادت على أن تبدأ رمضان بتناول (البط مع المحشي) وهو أمر مألوف لدى كثير من الأسر، وذلك عقب تناول الخشاف، وهو أشهى ما يكون فى رمضان، وعقب الإفطار مباشرة يأتى دور الشاى «لنحبس» به، والذى يكون إعداده أولى الأوليات بالنسبة لى لأنى أشرب عدة أكواب منه.
العلاج بالشيكولاتة
ما قصة مواجهة التطرف بالشيكولاتة، وتفاؤلك الدائم بمقولة «صباحك سكر»؟
- العمل الاجتماعي والنفسي من أهم وسائل بناء الأجيال السوية المتوازنة المحبة للبشرية وللأوطان، لأن الإيمان نفسه متوقف على المحبة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (لن تؤمنوا حتى تحابوا)، ولما كانت الهدية رمزًا للمحبة، فإن الشيكولاتة تكون أفضل رمزية ومدخل لفتح أبواب القلوب للتآلف والتعاون لما فيه خير أعز الأوطان.
لأن الطالب الجامعى فى سن تفتح القلب والاحتياج النفسى عندما يجد من يملك المفتاح لن يوصد سترًا فى وجه من يتوجه إليه ببادرة محبة خاصة إذا كان ذلك مقترنًا بجو التفاؤل والاستبشار الذى نحرص على إحاطة الطالب به منذ بدء أول لقاء، ومع كل لقاء عندما نبدؤه بـ (صباحك سكر)، وهى كلمات قليلة لها مفعول السحر فى فتح أبواب القلوب، واستجلاء طبقات النفوس، واجتذاب المشاعر والأحاسيس لاستقبال رسائل المحبة والتعاون، فرسالتنا محبة وعمل لملء القلوب والعقول بالوسطية ومحبة الأوطان قبل أن تختطف طيور الظلام تلك العقول والقلوب وتملأها بالأحقاد والأضغان والكراهية.
ما الآليات التى تتخذها للتغلب على ميراث «البنا وقطب» بالكلية وتحويلها إلى (عش) للأفكار التنويرية؟
- دار العلوم قام على مبارك بتأسيسها على الأصالة والمعاصرة المتمثلة فى العلوم العربية والإسلامية التى كان يدرسها الأزهر الشريف، والمعاصرة تتمثل فى العلوم والمعارف الغربية وليدة عصور النهضة والتنوير الغربي، وظل الأمر كذلك إلى أن استحوذ فكر الإخوان فتراجع فكر التنوير والتسامح والتعايش، فكان لابد من العمل على إعادة دار العلوم إلى طبيعة مسيرتها الأولى لتطير بجناحيها الأصالة والمعاصرة من خلال إستراتيجية شاملة.
الانفتاح على الآخر
وكيف تعمل تلك الإستراتيجية العلمية على تدعيم قيم المواطنة ومواجهة المشككين؟
- تعمل على عدة محاور:الانفتاح على الآخر من خلال استضافة رموز وأعلام الفكر الغربى بالكلية للاستماع والمحاضرة ومناقشة الرسائل العلمية كما حدث مع البروفيسور مهند خورشيد مدير مركز الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر بألمانيا وعقد اتفاقيات تبادل علمى بين الأساتذة والطلاب، وتنمية روح المواطنة والتفاعل مع شركاء الوطن ومشاركة رموز العمل الديني والاجتماعي والثقافي.
مع التوعية الوطنية من خلال كشف المؤامرات المحيطة بالوطن داخليًا وخارجيًا، ومخاطر حروب الجيل الرابع التى قام على كشفها نخبة من خبراء خير أجناد الأرض ذوى التأهيل العالى فى الأكاديميات العسكرية والخبرة الميدانية فى محاربة الإرهاب مثل اللواء عادل العمدة والعقيد إيهاب مصطفى..بالإضافة إلى إطلاق الطاقات الإبداعية والمواهب من خلال أنشطة رعاية الشباب فى مجالات المسرح والكورال والرسم والنحت والتنافس الرياضى والأدبى والشعرى وفن الإلقاء والجوالة والإنشاد.
التخلية والتحلية
بصفتك أستاذا للفلسفة الإسلامية ما الآليات التى اتخذتها لتدعيم فكرة الوسطية بين أبناء الكلية؟
- لتدعيم فكرة الوسطية يجب أولًا الاستعانة بآليات المنهج الصوفى فى عملية التوجيه والإرشاد والتربية والتى تسمى عملية التخلية والتحلية، فيجب أولا استفراغ شحنة الكراهية والأحقاد النفسية لدى صاحب الفكر المتطرف بإشاعة أجواء المحبة والتعاون والأنشطة المشتركة فى المجالات الرياضية والثقافية والفنية والأدبية، والدعم الدراسى للطلاب، ثم بعد ذلك يأتى دور التحلية بتكريس الفكر الوسطي، وذلك بالبدء فى مواجهة الفكر المتطرف فى المراحل الأولى للغلو.
من خلال متابعتك لأسس الفكر المتطرف.. ما أهم المراحل التى يمر بها؟
- يمر الفكر المتطرف بثلاث مراحل يسلم بعضها إلى بعض، وهى: فكر التنفير، وهى مرحلة اختيار المغالاة والتشدد بما ينفر الآخرين ويدفعهم إلى الكراهية.. ثم فكر التكفير، وهى مرحلة التطرف التى يتبنى فيها الشخص فكرة تكفير المجتمع وازدراء الآخر وإقصائه وحصر الصحة والصواب والحقيقة فى جانب الشخص المتطرف، مع تكفير الآخر وتبديعه وتفسيقه.
وأخيرا فكر التفجير، وهى التى ينتقل فيها المتطرف إلى مرحلة الإرهاب باستباحة الدماء والأعراض والأموال واستعمال القوة فى مواجهة المخالف، وهى مرحلة يكون التعامل فيها من جانب الدولة بقواتها الباسلة فى مواجهة الإرهاب.
فى حربنا ضد قوى الشر نحتاج إلى تعريف طلابنا ببطولات قواتهم المسلحة.. ماذا قدمت الكلية فى هذا الصدد؟
- تكريس عقيدة خير أجناد الأرض بوصفها تقريرًا نبويا من النبى صلى الله عليه وسلم الذى ربط وصيته للمسلمين بالوصاية بأهل مصر لأن بها خير أجناد الأرض الذين سيظلون إلى يوم القيامة فى حالة رباط واستنفار دائم للدفاع عن التراب الوطنى والمقدسات والأعراض، وأنهم صمام الأمان الذين لا يمكن استقرار الوطن أو إقامة شرائح الدين إلا فى ظل حمايتهم وتضحياتهم.
