حوار| مبروك عطية: كنا صوت المؤذن لإبلاغ قريتنا بحلول موعد الإفطار

د.مبروك عطية يتحدث للأخبار
د.مبروك عطية يتحدث للأخبار

والدى كان يحدد موعد الفجر بـ«نجمة».. وأمى قالت لى: «يعوض علينا ربنا»

بأسلوبه المميز المعروف عنه يسترجع د. مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر بعضا من ذكريات رمضان الطفولة والصبا في قريته، التى يسيح فيها تحت أشعة الشمس نهارا ولا يتوقف عن اللعب ليلا رغم الظلام في قرية كانت تقريبا كلها بلا كهرباء..يستعيد من الماضي مشاهد سماعهم لمؤذن المغرب من مسجد القرية وإسراعهم للعودة إلى منازلهم لإبلاغ من في البيوت،الذين لم يصلهم الصوت حتى يتناولوا إفطارهم،ويسترجع عالمنا الكبير كيف كان والده رحمه الله ينظر إلى النجم في السماء فيحدد بفطرته وخبرته كم تبقى على أذان الفجر،ولا ينسى صلاة التراويح والشفع والوتر 23 ركعة خفيفة دون مشقة وقبلها يتوقف عند تعاون أهل قريته في نصب مائدة رحمن للغرباء.. وإلى الحوار

ما  قصتك مع الصيام فى شهر رمضان ؟

منذ نعومة الأظفار حيث كنا في «دبركا» مركز منوف كسائر أبناء الريف الذين يلهثون وراء محاكاة آبائهم وأمهاتهم في كل شيء فى ضحكاتهم وفى مآسيهم حتى إذا ما أدرك الطفل المميز قبل تمييزه أن هناك صوما كان الأطفال يقفون على بوابة القرية ومعهم بعض ما طهت أمهاتهم وكنا في الشتاء وإذا ما سمعوا الهمزة من قول المؤذن «الله أكبر الله أكبر» وضعوا الطعام في أفواههم وجروا إلى آبائهم وأمهاتهم منشدين: «أذن أذن أذن» وهكذا، وكان كل شيء هادئا جميلا لا صيام يعطل عملا ولا يجعل الأخلاق في الأنوف وإنما كان الناس يمتثلون لقول الله تعالى «لعلكم تتقون»، فكان رمضان في الطفولة مختلفا أولا : القرية كلها بلا كهرباء، وثانيا : ليس بها عادة نفطر عندكم اليوم وتفطرون عندنا الأسبوع القادم وإنما يتعاونون في نصب مائدة للغرباء في الدوار أو في المندرة، وصلاة التراويح تصلى 23 ركعة بآية واحدة كل ركعة وكان الشيخ أحمد ناصف رحمه الله بعد أن يقرأ الفاتحة يقرأ آية واحدة أخرى ويقول الله أكبر، وكنت أصلى التراويح كما كنت أصوم دون مشقة، وأجمل شيء أن تعمل شيئا وأنت تشعر براحة نفسية ولا تتحمل المشقة التي لا تكلف بها.

الصحبة في الصيام

  الفرق بين الصيام فى الصغر والآن ؟

الصيام فى الصغر من حيث الزمان، ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب، والصيام هو الصيام منذ أن كتب إلى قيام الساعة ومعناه الامتناع عن الطعام والشراب والإمساك عن شهوتى البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، المشكلة فى الصيام والإفطار هى مشكلة الصحبة، من الذين تصوم معهم ؟ ومن الذين تفطر معهم ؟ هذه هى القضية فيكفى أنك كنت تصوم مع أبويك وقد مات أبواك وقد قال فيهما شوقي: «وإذا رحمت فأنت أم أو أب.. هذان فى الدنيا هما الرحماء» أى لا راحم لك بعد أبيك وأمك، وانظر كيف تصوم وسط أبنائك الذين يسألونك ماذا سنفطر ؟ ولكن والديك هما اللذان يسألانك ماذا تريد أن تفطر ؟ وفرق كبير بين أن تأخذ وأن تعطى.

الفرق بين الصيام في القرية والمدينة ؟

لابد أن أزف لكم بشرى غاية في السوء وهى أنه لم يعد في بلادنا قرية ومن يقول غير ذلك يحلم ولم يفق من منامه، لم يعد فى مصر ولا فى العالم قرية، والعالم أصبح قرية صغيرة، الحقيقة أن القرى أصبحت الآن لا يوجد فيها معالم القرية ولا البيوت، التى كانت تمتص الحرارة بالطوب اللبن ولا فيها زراعات ولا يوجد بها أفران ولا طيور، الكل يأكل من الطابونة والكل يحمل الموبايل والكل فاشل ولا أحد يخرج من الفجر ليعمل، القرية لم يعد منها شيء ولا حتى الذكريات إلا من يحكى مثلى ما الذى كان «وبالنجم هم يهتدون» والنجم هو أنى قد رأيت والدي يقول باق على الفجر ساعة وعندما تنتقل هذه النجمة في السماء من هنا إلى هنا يؤذن الفجر، لم يعد لهذا وجود كما رأيت الفرن فى دارنا ويخرج منه الفطير المشلتت تقطر عيناه سمنا والأرز المعمر والدنيا كانت جميلة، ورأيت المرأة الجبل ورأيت المرأة التى لا يوجد فيها من رائحة الأنوثة إلا أنها صارت بلاستيك، ورأيت المرأة الفارعة الفارهة، وفى يوم أرسلتنى أمى عليها رحمة الله لأشترى لها شيئا فرجعت لها وسألتها تريدين كذا أم كذا قالت «يعوض عليّا ربنا» ونادت ربها وعاتبتنى قائلة : لا ترجع اذهب واشتر الخطأ ولا ترجع، ومنذ هذه اللحظة لا أعود مرة ثانية حتى إذا نسيت مفتاح الشقة لا أعود لأحضره ولكن أكسر باب الشقة ولا أعود، والمدن بها صخب والقرية هدوء والمدن بها تكاليف والقرية بسيطة..المدن بها ما لذ وطاب والقرية ليس بها كل ما تتمناه أو تشتهيه ونحن نتحدث عن زمان، المدن فيها مساجد بها أصوات منكرة والقرية بها بلابل.

دروس من الصيام

أول درس فى رمضان هو الصبر والنبى صلى الله عليه وسلم سماه شهر الصبر، زاره رجل وبعد عام زاره الرجل نفسه فدقق فيه النظر فقال: يا رسول الله أنا الذى جئتك منذ عام فقال النبى صلى الله عليه وسلم وما الذى غيرك قال منذ لقيتك ما دخل جوفى لقمة إلا بليل فقال النبي لم أهلكت نفسك؟، صم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر، وهذا هو المعنى من الصيام، ولو خرجت بدرس من الصيام بأنه شهر الصبر تحلينا جميعا بالصبر أو تحلى معظمنا به ما كانت حالنا كهذه الحالة لأن الصبر ليس معناه الصبر على الآلام وإنما الصبر على كل شيء، الذى يعيش فى نعمة عليه أن يصبر عليها حتى لا تضيع وأن يصبر على أمواله ويقول لها لن أنفقك إلا فى طاعة فهذا يكون صابرا، ويوجد آية فى القرآن تقول «ولتصنع على عينى» واليوم حتى طالب العلم لا طاقة له أو لا صبر عنده كى يتم بحثه أو كى يكتب موضوعا محترما، وهذا من ضياع الصبر والكل أصبح أخلاقه فى أنفه حتى شهر الصبر الناس فيه تضيع الصبر.

إقامة الدين

ما النصائح التى تقدمها للشباب فى رمضان ؟

لى كتاب مطبوع اسمه «إقامة الدين بالشباب» قلت فيه: «الله تبارك وتعالى خلق الناس على ثلاث مراحل : الطفولة، الشباب ،الكبر والشيخوخة، وقلت فى هذا المعنى لا يقام الدين ولا الزراعة بالطفولة والعجائز، فلم يبق إلا الشباب وخيبة الأمل أن تلقى هؤلاء الشباب أصحاب "نت وشات" ويتعاطون المخدرات وغيره، والأطفال ليس عليهم تكليف أصلا والعجائز يصلون وهم جالسون، ولذلك الشاب إذا فسد أو تم ضربه في شبابه فمن سيبقي؟، ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة، أصحاب الضعف والشيبة اسمهم في الفقه والشرع أصحاب الأعذار، والأطفال أصحاب اللعب ولذلك لا يقوم الدين إلا على الشباب وأقول لهؤلاء الشباب أنتم منوط بكم إقامة الدين، وإقامة الدين معناها أنك تحكم على البيئة التي تمشى فيها بأنها بيئة مسلمة دون أن ترى لحية أو نقابا أو أي ملمح، عندما تجد الشوارع نظيفة تعرف أن الدين مقام، مخابز تنتج الخبز الجيد معناه آن الدين مقام، لا يوجد أحد يتشاجر معناه الدين مقام، والدين يقام بما أمر الله به ورسوله بحيث تجد بيئة متقدمة ومحترمة هادئة جميلة وحياة جميلة.»

  كيف تقضى رمضان هذا العام ؟

الحمد لله..منّ الله عليّ منذ أكثر من 30 سنة وأصبح لي في كل رمضان كتاب والحمد لله رب العباد، يعنى ما أخرج من رمضان إلا بهذا الكتاب المبارك الذى أسميه كل عام «نفحة رمضان» لأنه مرتبط ارتباطا غير عادى بهذا الشهر والكتاب الذى استفتحته ويتمه الله بإذنه فى رمضان اسمه « دنيا الأغيار» ودنيا الأغيار إما انها دنيا أغيار بأيدينا وإما انها دنيا أغيار بقضاء الله وقدره، أما دنيا الأغيار بقضاء الله وقدره فلا تصنع خسارة ولا شقاء ولا يحاسب عليها الإنسان لانها دنيا متغيرة والشباب يتحول إلى أن يصبح محنيا وعجوزا ولا دخل له فى هذا، والليل يأتى بعد أن كان نهارا وضاء لا دخل للناس فى هذا لكن أن يفكر خطأ وأن يضيع وقتا وأن تتغير حياته من حسن إلى سوء بسبب نومه فهذه دنيا أغيار بأيدينا.

ما رأيك فى استمرار البعض فى الهجوم على البخارى والسنة النبوية ؟

استمرار فى قلة الأدب ولا عجب، فمن الناس من يتوب ومن الناس من لا يعرف التوبة والبخارى ومسلم ليسا فى حاجة إلى مدافع عنهما لأنهما أصحاب منهج أما الذين يتطاولون عليهما فلا علم لهم.