الولاية الثانية لدولة 30 يونيو

 الرئيس عبدالفتاح السيسي
الرئيس عبدالفتاح السيسي

صباح اليوم الموافق الثاني من شهر يونيو سيقف الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤدياً اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثانية أمام البرلمان المصري، هو في الحقيقة يقف مرتكزا علي قاعدة ثورة الدولة التي أكدت وتأكدت شرعيتها بحجم نتيجة الانتخابات الأخيرة. 

 

سيقف السيسي معلنا تجديد قسمه للمرة الثانية رئيسا منتخبا للدولة المصرية، بعدها سينطلق نحو ولاية ثانية عنوانها حتما سيكون »بناء الدولة»‬، لكن الوعي العام يجب أن يكون مدركا أن عملية البناء هي عمل شاق ومكلف وطويل المدى.

 

ثماني سنوات ويزيد منذ يناير ٢٠١١ تحملت فيها الدولة المصرية ما يستعصي علي الجبال تحمله، مارست فيها أطياف سياسية متنوعة تساليها ونزواتها السياسية، وجماعات أخري مارست جرائم معلنة من التخابر والإرهاب والقتل، وفي وسط الظلام والإظلام لم تغب شمس الإرادة الصلبة عن وجه الدولة المصرية.

 

يقف السيسي على منصة البرلمان محاطا بجموع الحاضرين الذين جاءوا تلبية للدعوة التاريخية يملئون القاعة في مشهد أقرب للحظة ٣ يوليو عام ٢٠١٣، لكن ودون دعوات مسبقة ستحلق أرواح الشهداء في جنبات القاعة ومن أعالي قبتها تنظر إلي مكان ارتكاز الرئيس المنتخب، ترانيم أرواحهم وهمساتها ستنطلق نحو عبدالفتاح السيسي لن يسمع الهمس القادم من طرف غير خفي إلا الرئيس، الحاضرون دون دعوة هم أصحاب الحق الأصيل في الدعوة هم أصحاب الزمان والمكان، هم أحياء عند ربهم يرزقون بعدما ارتقوا إلي درجة من الحياة الأخرى التي تفوق حدود إدراكنا البشري العقلي، ولكنها أبدا لا يجب أن تفوق حدود شعورنا وذاكرتنا القومية.

 

عن كثب وتأن يراقبون ولي الدم عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسي وهو يؤدي القسم، ينظرون إليه اطمئنانا علي أن دماءهم لم تذهب هباء بعدما شاهدوا بعين اليقين حارس الثورة الأمين في مكان اللقاء الذي بذلت الدماء من أجله، بعدها سترجع أرواحهم الزكية من حيث أتت لكنها لن تغادر قلب الوطن أبدا، بعدما سطرت الدماء الزكية عمرا جديدا لهذا الوطن الذي تداعت عليه الأحوال فلم يزدد إلا صلابة وشموخا.

 

التزاما بالدستور الذي كتبته الأمة المصرية بفيض ومداد دماء شهدائها الأبرار سيقف السيسي أمام البرلمان مجددا العهد والوعد، سيقف في مواجهة أربع سنوات مقبلة تتعلق فيها آمال المصريين بكل حركة وسلوك وكلمة تصدر عن الرجل، سيقف محاطا بممثلي أطياف الشعب بينما فيوض الأمن والأمان منبسطة علي أرجاء المحروسة، سيقف وسط البرلمان الذي جدد كسوته وزينته بينما صفوف المقاتلين ترابط هناك في ثغور الوطن في سيناء الحبيبة، هناك في مطروح الغالية، هناك في صحراء الجنوب، هناك في أعالي البحار حيث يحيط الجيش بالوطن فتنساب موجات الأمن المدفوع ثمنها مقدما من الدماء والعرق.

 

عبدالفتاح السيسي المنتخب ذو الخلفية الوطنية الآن يجدد العهد ملزما نفسه بمواثيق وقوانين ودستور الدولة، متحملا شرف المسئولية لوطن كان يراد به تفكك وانهيار وضياع واقتتال بين أبناء الوطن الواحد، يقف السيسي تغالبه دموعه.. لا تغيب عن أعينه مشاهد أطلال أوطان كان مقدرا لمصر أن تلحق بركامها فلا تجد حتى من يرفع أنقاضها.

 

لا تغيب عن أعينه قوافل اللاجئين مهجرين مطرودين من أوطانهم تلاطمهم الأمواج فتلقي بجثثهم علي شواطئ العبث الدولي بينما من مازال علي قيد الحياة أسير في مخيمات لا تغني ولا تسمن من وطن.

 

في مقدمة الحاضرين يجلس قداسة البابا تواضروس يحلق حول ذاكرته طيف المقاتلات المصرية عائدة من ليبيا بعدما ثأرت لدماء الشهداء، ولا يفارق أذنيه أزيزها الذي اختلط بنغمات الموسيقات العسكرية المحيطة بالبرلمان واستمر متصلا بألحان النشيد الوطني الذي ملأ جنبات القاعة العريقة، بعدها سيعود البابا إلي محرابه في الكاتدرائية ليجد أرواح الشهداء قد سبقته لتعانق الزخارف والرسوم واللوحات الزيتية التي رممتها يد الوطن داخل الكنيسة البطرسية، في بهو الكنيسة يقف قداسته يعود إلي مسامعه صدي صوته عندما قال: (وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن)، واليوم لدينا وطن ولدينا كنائس.

 

لا تغيب عن المشهد أبدا روح الشهيد هشام بركات تطل علينا من عليائها، تمعن النظر في هيئة الرئيس المنتخب وتتذكر عندما وقف في جنازته يعد بالثأر لشهيد القضاء المصري الشامخ فأوفي بوعده وبسط يد الدولة بقوة القانون لتقبض بيد من حديد علي أعداء الحياة وتشوقهم إلي محراب العدالة.

 

تطل روح الشهيد علي المشهد فتتذكر عندما وقف السيسي متوعدا من أراد إسكات صوت مصر متمثلا في شخص النائب العام الغائب الحاضر بروحه الصلبة، واليوم يصدح صوت مصر عاليا بكل معاني الحق والعدل والإنسانية متصلا من قاعة البرلمان إلي قاعة الأمم المتحدة.

 

بعمامته الأزهرية يظهر فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الطيب أحمد الطيب، أوراد الحمد والثناء لا تفارق شفتيه وتكسو ملامح وجهه الطيبة خواطر الحمد والثناء للمولي عز وجل بعد أن من علينا من فيوض كرمه وعطاياه وأنقذ الدين الحنيف من براثن تجار الدم والدين.

 

بسماحة وجهه يظهر فضيلته رمزا لوسطية الدين، ودليلا ويقينا علي أن مصر هي الموطن الأصلي لمعاني السلام والمحبة والتعايش والتنوع ونبذ الفرقة والطائفية، يقف محاطا بأصداء مقاطع المديح والذكر والثناء المختلطة بترانيم السلام معلنة الله أكبر - الله محبة.

 

حول البرلمان تلتف تشكيلات الشرطة المصرية بزيها الأبيض امتدادا للون قلب وعلم الوطن، تنظر إليها وجوه الشهداء ضاحكة مستبشرة فيطل علينا محمد أبوشقرة يجاوره محمد مبروك ويلحق بهما محمد عيد، ومن الواحات تنضم أرواح محمد وحيد وأحمد جاد وأحمد فايز ومحمد عبدالباسط وكريم فرحات ومحمد عبدالفتاح وإسلام مشهور وعمرو صلاح، أنوار وجوههم تلتقي أعلي سماء البرلمان وسط القاهرة الصابرة مع انعكاس ضياء الشمس الذي يزداد سطوعا بفعل النقوش الذهبية المحيطة بأسوار البرلمان وحوائطه، وسط مشهد الضياء العام تلتف مواكب الشهداء حول البرلمان فتحضر روح أحمد المنسي وخالد مغربي وأحمد الشبراوي ومصطفي الخياط وغيرهم ممن قضي نحبه ومنهم من مازال ينتظر.

 

أمام وطن بهذا الحجم من الآمال والآلام والضغوط والطموحات يقف السيسي متصديا للتكليف الصادر له من الشعب المصري في مواجهة فترة رئاسية جديدة، حتما سيواصل خلالها ما بدأه من الإصلاح والقضاء علي الفساد ومحاربة الإرهاب وبسط الأمن وإرساء دولة القانون.

 

‎أمام وطن تحمل كل هذه الآلام وقدم كتائب من الشهداء يقف السيسي في مواجهة قدره وقدر وطنه الذي يعرف حجمه وحجم ما يحيط به وما كان يراد له، لا تغيب عنه نداءات وآلام الأيتام والأرامل والثكالي من أسر الشهداء.

 

‎في مواجهة ولاية رئاسية أخيرة يقف السيسي وهو مدرك حتمية إتمام ما بدأه، يقف عاقدا العزم علي تسليم من بعده وطنا صالحا للحركة الرشيقة بعدما تخلص من أوزان المشكلات والأزمات الزائدة التي طالما مثلت أعباء على قلب وعقل الوطن.