حكايات| مدرجات وملاعب.. كيف مارست الخلافة الإسلامية الرياضة؟

. كيف مارست الخلافة الإسلامية الرياضة
. كيف مارست الخلافة الإسلامية الرياضة

رفاهية كبيرة شقت طريقها إلى الخلافة الإسلامية «الأموية والعباسية» وصولاً إلى الممالك والإمارات، ربما لم تصل إليها دول تحيا بيننا الآن، لكن ما خلفوه من أثار تبقى صامدة في وجه السنين شاهدة على ما قدمته «الخلافة» للعالم.
 
لم تكن الحياة في العصرين الأموي والعباسي، وما يتبعهم من عواصم وأمصار متوقفة عند الحروب والغزو والفتوحات، والشعر في بلاط السلاطين وأسماء شعراء لا تزال أسمائها محفورة في وجدان الأدب العربي، لكن كيف كان العرب يقضون أوقات فراغهم؟
 
رغم قلة الحديث عن هذه المظاهر في كتب التاريخ واهتمام بعض المؤرخين بتناقل أخبار الأمراء والشعراء والفتوحات، وما يحدث في الأمصار التابعة للخلافة، لكن كان هناك أيضاً جزء هام في حياة تلك الممالك والخلافات ألا وهو «الرياضة».
 
كغيرهم اهتم العرب بشكل كبير بالرياضة وكان لديهم عدد كبير من الألعاب؛ بل وصل الأمر لإنشاء ملاعب ومدرجات للجماهير يمكن من خلالها مشاهدة تلك المباريات، وأكثر العصور اهتماماً بالرياضة، العصر العباسي وتحديدًا «هارون الرشيد».
 

اقرأ حكاية أخرى: أسرار الفرعونيات مع «الكُحل والروج»


تناقل «الجاحظ» في «البيان والتبيان» و«بن منظور» في كتابة «لسان العرب» عدد من الألعاب التي اهتم العرب بها إلا أن اللافت هو الاهتمام المبالغ فيه لـ«هارون الرشيد» بتلك الألعاب لتنتقل منه إلى باقي الدول والممالك وسائر الأمصار ولا تتوقف عند بعض الألعاب المعروف والمتوارثة من العرب قديمًا أو من الحديث النبوي «علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل».
 
«سباق الخيل»
من الطبيعي أن تكون الخيول في مقدمة اهتمام العرب قديماً لاستخداماتها الكثيرة لكن الأمور لم تتوقف عند «الحروب والسفر» وما إلى غير ذلك بل توسع الأمراء في عالم الخيل، لذا ليس من الغريب أن يكون الخليفة العباسي «هارون الرشيد».
 
فكان سباق الخيل من أبرز ألوان النشاط الترويجي في كل الأمصار التابعة لها، فأسسوا الحلبات، ونظموها وعنوا بتربية الخيول عناية فائقة وتدريبها وأسسوا للمهرجانات التي كانت تستهوي الخلفاء والوزراء وعامة الشعب.
 
ويذكر «الجاحظ» أن هارون الرشيد كان أكثر خلفاء بني العباس ولعا بالخيول وكانت له حقول وإسطبلات لتوليد الخيول يشرف عليها بنفسه ومجموعة من أمهر الأخصائيين.
وعندما شيّد الخليفة المعتصم بالله مدينة سامراء بالعراق اتخذها عاصمة وأنشأ الحلائب وميادين الفروسية أيضًا.
 
الصولجان «البولو»
عرفها العرب في جاهليتهم واعتنى بها الأمراء بعض الشيء أيام بني أمية وازدادت عنايتهم بها أيام بني العباس، وهي عبارة عن كرة تصنع من مادة خفيفة مرنة «كالفلين» ونحوه تلقى في أرض الميدان ويتسابق الفرسان لالتقاطها بعصا عقفاء يسمونها الصولجان أو «الجوكان» ويرسلون الكرة بها في الهواء وهم على خيولهم.
 
وكان الخلفاء العباسيون والوزراء يمارسون لعبة الصولجان أو المعروفة الآن باسم «البولو» ويلعبونها في ميادين خاصة في قصورهم وأول من لعبها من الخلفاء كان هارون الرشيد وقرب الماهرين بها فانتشرت بين الناس، وكان يشكل من الأمراء والوزراء فريق وجعل لها ميادين ومقاعد مريحة للمتفرجين.

احتلت لعبة «البولو» قديما مكانه خاصة لدى السلاطين والملوك والأمراء اللذين اعتادوا على لعب تلك اللعبة التي كانت تمثل حضورا قويا في الألعاب الرياضية، والتي كانت تحظى بمنافسة قوية بين المتسابقين.
 
في مصر على سبيل المثال شيد أحمد بن طولون ميداناً خارج الفسطاط لممارسة اللعبة وخلال العصر الفاطمي برع الوزير «شاور» في ممارسة اللعبة، وهو ما دعي الملك لإصلاح نجم الدين أيوب ينشأ ميدانا لها عرف بالميدان الصالحي لممارسة اللعبة، وأعد لها سلاطين المماليك موظفين يطلق عليهم (الجوكندار)؛ أي حامل العصي التي تضرب بها الكرة.
 
وأصبحت عصي البولو شعاراً لوظيفة الجوكندار في العصر المملوكي ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بالقاهرة بالعديد من التحف التي تحمل هذا الشعار ويمكن مشاهدتها بقاعات العصر المملوكي أرقام 8 و 9 و 10.

 
«الشطرنج»
على رقعة مربعة حمراء كان الشطرنج من وسائل التسلية داخل البيوت يلعبه العرب في الجاهلية وصدر الإسلام؛ لكن في العصر العباسي ونبغ فيه معدودون منهم العدلي وهو أول من عمل كتابا عن الشطرنج أما أمام هذه الصناعة فهو أبو بكر الصولي محمد بن يحي الكاتب، وكان أحسن شطرنجي زمانه.
 
وكان هارون الرشيد أول من لعب الشطرنج من بني العباس،ودم لاعبيه وأجرى عليهم الرزق فشاع اللاعب بفضل اهتمام الخليفة الرشيد به، ومن شد اهتمامه بالشطرنج، فانه أرسل من بيت الهدايا التي بعث بها إلى «شارلمان» ملك الفرنجة رقعة جميلة وأحجار ثمينة كاملة لهذه اللعبة.
 
«رمي البندق»
اقتبس العرب اللعبة من عثمان بن عفان وشاعت ممارستها في العصر العباسي، واللعب بـ«البندق» عبارة عن «بكرات تصنع من الطين أو الحجارة أو الرصاص أو غيرها وتطلق بالزاريق وهي أنابيب ترسلها بضغط الهواء أو بالنشاب أو بالأقواس أو بما يسمى أيضاً بقوس البندق أو الزبطانة ولعلها البندقية».
 
في زمن العباسيين صار رماة البندق طائفة كبيرة يخرجون إلى ضواحي المدن للسباق وصيد لطير بها وروى بعض المؤرخين أن الرشيد كان له فرقة من أصحابها اسمها «النمل» وكانت تسير بين يديه ترمي البندق.
 
«الرمي بالسهام»
شاع لعب الرمي بالنشابة، وكان هارون الرشيد من أمهر الرماة، وكانت تلعب بأنهم يشدون في أرجل الحمام خيوط ذهبية ثم يرمون الخيوط بالسهام فتنقطع وينطلق الحمام، ليصطادونها.
 
«السباحة»
شغف الشباب في العصر العباسي بالتدريب على السباحة بهمة عالية ونشاط وكان معز الدولة يشجع التدريب عليها.
 
«العدو»
اهتم الخلفاء بسباق العدو فكانوا يقيمون مباريات خاصة للعدو للمسافات الطويلة يشاهدها جمع غفير من الناس وعلى رأسهم الخليفة وحاشيته وكبار المسئولين ومن أشهر العدائين «معتوق الموصلي» المعروف بالكوثر و«على بن الأربلي».
 
«المصارعة»
شجع الخلفاء العباسيون الشباب على المصارعة فانتشرت في كل مكان ومارسوها بشغف كبير وكان «معز الدولة» يقيم حلقة ميدانية ويضع شجرة يابسة تنصب في الحال ويجعل عليها الثياب والديباج وتحت أكياس فيها دراهم.
 
ثم دخل في ذلك أحداث بغداد فصار في كل موضع صراع، وإذا برع أحدهم صارع بحضرة معز الدولة كما شجع المستكفي بالله الشباب على المصارعة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي