حوار| وكيل دار علوم الفيوم: لا طعم للسحور إلا بـ«شنكلة» المسحراتي!

جانب من الحوار
جانب من الحوار

قيمة الأزهر تكمن في التمسك بالوسطية في عصر الأيديولوجيات

يملك رؤية ثاقبة لقراءة الماضي، تمامًا كما يملك آليات فاعلة لاستشراف المستقبل، دونما إغفال للحظة الحاضرة ودورها المهم في تشكيل الذات الفكرية المصرية للخروج من المآزق التي نضع أنفسنا فيها تارة ويعمد الآخرون إلي »حشرنا»‬ فيها تارات أخري.. إنه د. عادل ضرغام، وكيل كلية دار العلوم للدراسات العليا والبحوث بجامعة الفيوم، وأحد مؤسسي المؤتمرات الفكرية والثقافية الملتصقة بالواقع بالجامعة لمواجهة التطرف الفكري من ناحية، والبحث عن منصة للانطلاق بالطلاب الجامعيين إلي الحياة الفاعلة من ناحية أخري.. في هذا الحوار الكثير من الأسرار الرمضانية، والآراء الفكرية:

 هل توجد ذكريات رمضانية ناشبة لا تزال في مخيلتك منذ صباك الباكر؟ 

ذكريات رمضان في مرحلة الطفولة تظل عالقة بذهن الإنسان مهما تقدم العمر، لأنها وثيقة الصلة بالبراءة وبالمحاذير التي زادت مع الشهر الكريم وآليات الطفولة في التغلب علي هذه المحاذير دون أن يدري الوالد عنها شيئا، ولكن أجمل المواقف التي تكشف عن حرص سيدي الوالد علي تعليمي وحفظي للقرآن هي رغبته الشديدة في أن أسمعه يوميا في رمضان ما حفظته من القرآن وهو لا يحفظه، وظل ذلك الأمر عالقا في ذهني إلي الآن أنا الأستاذ الجامعي الذي لاأستطيع أن أقوم بما كان يقوم به. ما زلت أيضا أتذكر أصدقائي في مرحلة الطفولة الذين رحل بعضهم وهم في طور الطفولة، وبعضهم ما يزال علي قيد الحياة وباعدت بيننا المشاغل وإن ظل الحنين حاضرا، أولي هذه الذكريات يتمثل في لحظة الإفطار بالقرية ونحن صغار كان علينا أن ننتظر أذان المغرب عند المسجد، ونعود عند الأذان لنأخذ طعامنا ونصطف علي المصاطب في صدر الشارع خارج المنازل لنأكل مع أقراننا متجاورين، ولا أعرف مصدر هذه الظاهرة ولا من أي ثقافة جاءت ولماذا انتهت وتلاشت بالتدريج، ولكن ما أذكره أن كل أطفال الشارع كانوا يجلسون علي المصاطب خارج البيوت ليأكلوا.
»‬شنكلة» المسحراتي!
 ما أهم المواقف الرمضانية التي تعرضت لها، والأكلات التي تحرص علي وجودها في شهر الصيام؟

 الذكري التي لا تريد أن تغادر ذهني هي ما كنا نفعله مع المسحراتي الذي يمر في شوارع القرية، ولم تكن الشوارع مضيئة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي فقد كنا أطفالا نسهر في أي بيت من بيوت الشارع إلي أن يأتي المسحراتي ونكون صنعنا له حبلا مثبتا علي جدارين من جداري المنازل ولا نخرج من المنزل إلا إذا »‬تشنكل» وسقط علي الأرض وبدأ في الصراخ وارتفاع صوته بفعل الارتطام بالأرض، فنخرج فرحين مهللين. وقد كنا في تلك الفترة شاهدين علي تعاركهم بدعوي أن واحدا منهم قد تجاوز منطقته (وطبل في المطبل)، وكانت الشوارع والمناطق موزعة بينهم، ولكن ما يثبت في ذاكرتي هو حال القري في تلك القري ومساحة التجانس والمحبة بين أبنائها.
 برأيك، كيف نشكل منصات المواجهة للأفكار الداعشية الشاذة التي تجذب أمتنا إلي الدرك؟
 لن يتم هذا الأمر إلا إذا فرقنا بين من تحوّل فعلًا إلي داعشي وانتهي أمره ومن ما زال يعيش في بيئة خاصة يمكن أن تؤدي به إلي أن يكون داعشيا ففي الحال الأولي أنت تحتاج إلي هزة شبيهة بالزلزال، وقد تكون داخلية أكثر منها خارجية أي مرتبطة بتحول جذري في تفكير الشخص ولا تستطيع أن تحدد بدقة كيف تحدث هذه الهزة أو ذلك الزلزال، لأنه ينطلق من يقين حاد لا يقبل النقاش. أما القسيم الثاني فهو صنف ليس بالحدة السابقة إذ يقف خطره عند فكرة استلاب العقل والتغييب والانضواء تحت تأثير أفراد لهم هيبة لم تمتحن بجد وصدق، والطريق هنا في مقاربة.
 وأين تكمن منطلقات الحل لتلك الإشكالية؟
 

 حل تلك الظاهرة يتمثل في مجموعة منطلقات أولها: إثبات هشاشة هذا المنحي من التسليم غير المبرر والانسياق وراء قطيع المجموع دون إعمال للعقل أو الفكر، وثانيها: العمل علي تغيير الذهن من ذهن موال يغلق ويهشم كل أجنحة الفكر إلي ذهن ينطلق من السؤال والتعليل والتبرير ليصل في النهاية إلي السؤال عن العلة أو المقصدية لأن هذا السؤال ربما يكون فيه السبيل إلي زحزحة الثابت وخلخلته من سياق متبع إلي سياق مفكر، وثالثها: ينطلق من السابق الذي يتمثل في تهشيم هذه المشروعية وذلك اليقين الحاد وزرع الشك بداخله من خلال العمل علي تفعيل اتجاهات مضادة ترتبط بالحياة وقيمة الحياة وجدوي الفنون والغناء والشعر والمسرح، وآخر هذه المحاولات يتمثل في صناعة التوجهات السابقة دون تصدير شعور بالمغايرة والاختلاف لأن هذا الشعور إذا تسرب إليهم ربما يؤدي إلي نتائج غير إيجابية وغير محمودة لأنها تجعل كل طرف يصنع إطارا حاميا غير قابل للاختراق أو الاندماج.
أفكار بلا وجود
هل تعتقد أن وسطية الأزهر الشريف تمر بمنعطف خطير.. ومن المسئول عن ذلك؟

 هذه من الأفكار التي يتم تداولها كثيرا دون أن يكون لها وجود حقيقي، لقد أتيح لي في الفترة الأخيرة أن أقترب من بعض كليات الأزهر وأدركت أن جامعة الأزهر تتوازي- وإن لم تسبق- الجامعات الحكومية الأخري. بوسعنا أن نتكلم عن سياق عام، ولا نخص بالذكر مؤسسة واحدة حتي وإن كانت هذه المؤسسة تمثل الهيئة المنوط بها الحفاظ علي الوسطية، لأن أي مؤسسة وإنجازها مرتبط بالأساس بالسياق التي توجد فيه، فهي تظل فاعلة ومنفعلة من خلاله، وربما يكون السياق جارفا فيغير في بعض ملامحها، ولكنه بالضرورة لا يقضي علي شرعية وجودها وقيمة أثرها ودورها الذي تؤديه بمرور العصور والأزمنة. قد يتأثر هذا الدور نعم، ولكنه لا يذوب أو يتلاشي أو ينتهي خاصة إذا كنا في عصر مملوء بالانتماءات الأيديولوجية التي تملك بوقا زاعقا لا يكف عن الكذب والادعاء والترويج لهذا الادعاء، ولكن القيمة الحقيقية تجدها في استمرار المواقف في لحظات الحسم العاصفة علي نضارتها فيعود المنصفون إلي دائرة الوعي، ولكن أصحاب الهوي لا يرجعون.
> وهل تغني المؤتمرات الثقافية والفكرية وحدها عن معالجة قضايا الواقع فيما يخص تجديد الخطاب؟
 المؤتمرات الثقافية والفكرية لا تكفي وحدها للقيام بهذا الدور، ولكنها تمثل عين المراقب هنا لكي تقول لنا إن هناك خللا ما وتشير إلي أن هناك قصورا، وأن هناك تغيرا في طبيعة التوجه لدي المصريين، ولكنها لا تستطيع وإن حاولت أن تقدم العلاج الكافي لاجتثاث الظاهرة أو تقديم مقاربة ناجعة ونهائية. فتجديد الخطاب الديني ظاهرة مجتمعية ولن يتم الوصول إلي خطاب ديني معتدل إلا إذا شعر أصحاب هذه الاتجاهات الدينية المتشددة بالآخر وأحقيته في حياة مستقرة دون تراتب بفداحة الثمن الذي يتعين عليهم دفعه، وهذا لن يتم إلا بتطبيق القانون وفي هذه الحالة سيراجع الجميع مقاربة مواقفه وأفكاره. إن أنجع طريقة لتجديد الخطاب الديني تأتي من استحضار النموذج الفردي القادر علي اعتبار فكرتي المواطنة والإنسانية محركين أساسيين للوجود والتعايش السلمي.
تهافت الرد
بعض المثقفين الآن يحرص بقوة علي تشويه التراث المعرفي الإسلامي بحجة أنه العقبة أمام تقدمنا.. ما تعليقك؟

>> أستطيع الآن أن أقول أن هذا النزوع موجود، ولكن علي الوجه المقابل أستطيع أن اقول إن التوجه المقابل في طبيعة الرد والمقاربة لا يخلو من تهافت، خاصة إذا أدركنا أن هؤلاء المثقفين حين ينطلقون في تقديم رؤيتهم أو رأيهم حول شخصية تاريخية يعتمدون علي روايات موجودة في تراثنا العربي، فهم لم يفعلوا شيئا سوي الإشارة إليها أو إعادة ذلك الأمر من خلال الاتكاء علي تلك الروايات أو بعثها من جديد، وهذا مقبول شريطة أن يكون معلومًا أنه في اللحظة الآنية لم تعد هناك حقيقة ناجزة يمكن الاستناد إليها، وإنما لدينا حقائق بلاغية ترتبط بالمتخيل، والصورة التي بناها البعض ويدافعون عنها بشدة- أيضًا- ويخافون تهشيمها تنبع من المتخيل، فيمكن القول هنا إنها صورة بلاغية جديدة مقدمة ضد صورة بلاغية قديمة تم الاتفاق حولها، ومن هنا يأتي الصراع. .
 تحرص الجماعات المتطرفة علي بث سمومها بالجامعات.. كيف تعمل علي تحصين طلابك من التغرير والانزلاق في مهاوي التطرف؟
 في هذه الجزئية بالذات أنا ألح علي النزوع الفردي الذي يشكل أمام الطالب المراقب إمكانية لطريقة أخري لمقاربة الحياة، فالنموذج الفردي المقبول الذي يكون فاعلا ومعافي من اتهامات أصحاب هذه الاتجاهات من خلال القبول الذي أصبح موجودا وحاميا من السهام الجاهزة الموجهة. نحن في حاجة للعمل علي زيادة هذه النماذج الفاعلة التي توجه من خلال سلوكها دون سلطة قاهرة إلي أن هناك حياة يجب أن تعاش دون توجيه ودون إلزام مسبق.