«دراما رمضان».. بين دفع الملل والإسفاف المبتذل

صورة موضوعية
صورة موضوعية

- د. العوارى: معايير «الأعلى للإعلام» تحد من العبث.. و«التراويح» تهزم الشيطان


- المخرج محمد فاضل: «الجمهور عاوز كده» فكرة مغلوطة.. والدراما مفيدة للخطاب الدينى 

ظواهر سلبية شهدها العديد من الأعمال الدرامية فى السنوات الأخيرة لا تليق بعادات وقيم المجتمع من تمجيد للبلطجة والعنف والخروج على القانون وترسيخ التفكك الأسرى والاساءة للوالدين والعلاقات المحرمة وترويج الخرافات وغيرها.. هذا «الانفلات» الدرامى دفع لجنة الدراما بالمجلس الاعلى لتنظيم الإعلام الى وضع عدد من المعايير من شأنها ضبط الأعمال الدرامية وتقديم محتوى إعلامى يحترم المشاهد ولا يضرب قيم المجتمع فى مقتل، خاصة فى شهر رمضان الذى يحرص المسلم فيه على التقرب الى الله بالطاعات والأعمال الصالحة والبعد عما يفسد الصيام من المشاهد غير اللائقة والألفاظ الخادشة.. فى السطور التالية نتعرف على التأثير السلبى للفن المبتذل على الصيام ودور صانعى الإعلام فى تقديم النافع والمفيد ورأى العلماء فى هذه المعايير وكيف ستسهم فى تخليص الدراما والإعلام من السلبيات التى شوهت وجه الدراما المصرية وبالتالى قدمت صورة سلبية للمجتمع فى الداخل والخارج..


وكان الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام قد طالب فى كلمته أمام اجتماع لجنة الإعلام والثقافة والآثار بمجلس النواب بتفعيل المعايير التى وضعتها لجنة الدراما بالأعلى للإعلام لضبط الدراما لتعود إلى مكانتها بما يفيد المجتمع دون تكبيل للحريات، مشيرا إلى أن الرأى العام أصبح تواقا لتفعيل تلك الضوابط، مطالبا مجلس النواب بقبولها وأضاف: لدينا الشجاعة لضبط هذه المنظومة بهدف تصحيح مسارها.


غاية الصيام


وأكد د. عبدالفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر أن شهر رمضان فرصة لتصحيح المسار بين العبد وربه وعودة الى دائرة الطاعة والتوبة وتجديد العهد مع الله وعلى المسلم أن يغتنم هذه الفرصة لبذل ما فى وسعه من أجل تحقيق طاعة الله بعيدا عن الإسفاف والغيبة والنميمة والسباب والشتائم وعن تضييع وقته فيما لا يحل وأن يبذل جهده فى الطاعة وإتقان عمله رجاء أن يحقق الله له التقوى التى جعلها غاية الصيام.


وأوضح أن على الصائم أن يقلل من الجلوس أمام الشاشات لساعات طويلة حتى ولو كانت تقدم أعمالا هادفة وإنما تكون المشاهدة بقدر ما يدفع الملل وينشط العقل وليس للحد الذى يفوِّت عليه واجباته سواء الدينية أو الدنيوية فيجعل لنفسه وِردا من كتاب الله ويواظب على صلاة التراويح فى المسجد حتى يفوت على الشيطان فرصته فى إغرائه بمشاهدة هذه السفاسف التى لا تتفق وقداسة الصيام.ووجه العوارى نصيحة للقائمين على الإعلام أن يتقوا الله فيما يعرضونه على الصائمين وألا يكونوا عونا للشيطان عليهم فيفسدوا صيامهم ويكدروا صفو العبادة التى جعلها الله سرا بينه وبين عبده كما صح فى الحديث القدسى «الصوم لى وأنا أجزى به».


وحول الضوابط والمعايير التى وضعها المجلس الأعلى للإعلام لضبط العمل الاعلامى قال عميد أصول الدين إن هذه المعايير لو طبقت فعلا فإن من شأنها أن تحد من هذا الغثاء وهذا العبث واللهو.. مطالبا كل من يعمل فى مجال الإعلام بأن يجعل هذه الضوابط ميثاق شرف ينطلق من خلاله ليعرض على الناس ما يعينهم على الطاعة من برامج ثقافية ودينية وأفلام ومسلسلات تاريخية تحكى بطولات وانتصارات المسلمين فى الأزمنة المختلفة وتمنح أبناءنا وبناتنا قيما وأخلاقا ومُثلا تعينهم على طاعة الله لا أن يعرضوا عليهم ما يفسد صيامهم فى شهر الطاعة.


أمر مطلوب


وقال د. عبدالمنعم فؤاد عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين بالأزهر الشريف إن الإسلام لا يعادى الفن ولا يصادر الإبداع وإن القرآن الكريم به لوحات رائعة ومشاهد لو أمعن فنان فيها وحاول تجسيدها فى عمل فنى لأخرج لنا تحفة تضاهى أعظم الأعمال الفنية والتشكيلية.


وبيَّن د. فؤاد أن الإنسان يتميز عن غيره بحرية الاختيار والعاقل هو الذى يعرف الغث من السمين فمن يبحث عن المفيد سيجده ومن يبحث عن غيره سيجده، ففى إمكاننا الإقلاع عن مشاهدة المسلسلات والبرامج والأعمال التى تتعارض مع الصيام ومع عادات المجتمع وتقاليده.


وأشاد فؤاد بما وضعه المجلس الأعلى للإعلام ولجنة الدراما من ضوابط ومعايير لضبط المنظومة الإعلامية ومعاقبة من يعبثون بأخلاق المجتمع وقيمه قائلا: أشد على أيدى القائمين على هذا المجلس فهؤلاء هم الوطنيون حقا لان البلاد لا تبنى بالابتذال وإنما تبنى بالأخلاق والقيم، وضياع أى حضارة يكون بضياع قيمها وأخلاقها والتاريخ يؤكد ذلك وكذلك القرآن الكريم الذى يقول: «لُعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون».


وأوضح أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والضرب بيد من حديد على من يريدون أن يسقطوا المجتمع فى الدرك الأسفل من سوء الأخلاق أمر مطلوب ومحمود، مطالبا بتنفيذ هذه المعايير لتعود الاخلاق والقيم الى الشارع المصرى وسلوكيات الشباب، وأضاف: نحتاج إلى يد حانية على أخلاقنا وقيمنا، فإن أقيمت الأخلاق بنيت البلاد وانتشرت الصناعات وظهرت المواهب وامتنع أهل الفساد من الإفساد لكن إذا انحدرت الأخلاق فقل على الدنيا السلام، نافيا أن تكون هذه المعايير متصادمة مع الحرية.


مناعة ذاتية


من جهته يرى المخرج محمد فاضل أن الدراما يمكن أن تفيد الخطاب الدينى جدا، والله سبحانه وتعالى اختار «الدراما» كشكل من أشكال مخاطبة العباد لتوصيل العديد من القيم والأوامر بدليل قصة سيدنا يوسف وسيدنا موسى والسيدة مريم وغيرها من القصص القرآنى، لأن هذا الشكل محبب الى البشر ويمكنه أن يقرب المعانى بسهولة لذلك يجب ان يتعامل صناع الفن مع الدراما على انها فن مقدس يجب ان يحمل رسالة الخير لتقديم أعمال تحمل القيم وتدعم الخطاب الدينى بشكل غير مباشر، واذكر هنا تجربة قدمتها عام 1980 وهو مسلسل «صيام صيام» بطولة الفنان يحيى الفخرانى والعديد من النجوم الكبار قدمنا من خلاله القيم والمعانى الموجودة فى القرآن والأحاديث النبوية ولكن بشكل غير مباشر وهو نموذج نتعلم منه كيف تساند الدراما الخطاب الدينى.


وأضاف فاضل أن من يظن أن الدراما بهذا الشكل ستكون «باردة» أو طفولية فهو مخطئ لأن تقديم دراما بهذا الشكل لا يمنع أن يكون بها صراع وحبكة درامية مشوقة وكل عناصر الدراما الفنية لجذب المشاهد ولكن بعيدا عن الاسفاف.. وردا على البعض ممن يتحججون بأن الدراما يجب أن تصور الواقع بسلبياته وإيجابياته أو أن «الجمهور عاوز كده» أشار إلى أن هذا كلام مغلوط لأن الواقع كما فيه تجار المخدرات والقتلة والمنحرفون فيه أيضا العاملون والمنتجون والشهداء الذين يقدمون أرواحهم للوطن طواعية،كما أن فكرة «الجمهور عاوز كده» مضللة وغير صحيحة فنحن لا توجد لدينا أجهزة رأى عام حقيقية وعلى أساس علمى وأحيانا تكون مغرضة لخدمة اتجاه معين.. وفى السنوات الأخيرة بعد 2011 كان جزء كبير من قياسات الرأى مغرضا وغير حقيقى لتوصيل رسائل معينة.. وفى المقابل يمكن من خلال تقديم أعمال هادفة أن ننشئ جيلا يتذوق الفن الرفيع ويكون لديه مناعة ذاتية ضد الهابط.


 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي