حكايات| توم وجيري.. كارتون فرعوني سبق «ديزني» بآلاف السنين

توم وجيري الأمريكي والفرعوني
توم وجيري الأمريكي والفرعوني

يجلس الفأر مستريحًا، يلتهم سمكة أوشك على نهايتها، فيما يقف أمامه قط هزيل في خضوع تام، يحمل شكلا يشبه «المروحة اليدوية» وباليد الأخرى «بطة»، كما لو كان يقدم له فروض الطاعة والولاء ويقوم على خدمته عكس ما يحدث في الطبيعة.. هذه ليست مجرد قصة معتادة؛ بل قصة فرعونية رسمها المصري القديم على جدران معابده ليسبق بها كارتون «توم وجيري» قبل آلاف السنوات. 

ففي مصر القديمة، حاز الكاريكاتير «الفن الهزلي» على مساحة واسعة من جدران المعابد والمقابر، لترصد كل لحظة حزن وفرح في حياة المصريين القدماء، وفي أوقات أخرى تعبير للسخرية من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.

وعلى أوراق البردي وقطع الفخار والحجر «أوستراكا»، قدم رسومات سريعة ترسم بلون واحد، كرسمة الفأر الشهيرة، بحسب ما ذكره مجدي شاكر، كبير الأثريين لـ«بوابة أخبار اليوم».

وتنفرد أدبيات قدماء المصريين بانتشار الحوارات بين الحيوانات، وكأنها تشبه سلسلة «كليلة ودمنة» الشهيرة، وكذلك كان المصري القديم أول من ابتدع (توم وجيري) قبل ديزني لاند بآلاف السنوات، فيما يعرف بحس الفكاهة والكاريكاتير.

ولكن كان في بعض الأحيان ينظر إلى بعض الملوك كما لو كان أسداً لاهيا، فصورة على إحدى الشقفات تظهر الملك وكأنه أسد تواضع من أجل التسلية, فلعب الشطرنج مع تيس صديق، وصور آيات البشر والسرور على وجه الأسد, بينما صور مظاهر الوجوم على وجه ضيفه الجدي، وكأنما الفنان يتنبأ من ناحيته بخاتـمة دموية محتومة لهذه المسامرة. 

ثم صور الخدم والأسرى الذين استعان بهم كبار المصريين في الخدمة بالقصور ودور الحكم والجيش، بعد أن اطمأنوا لولائهم واعتناقهم ديانة المصريين بجانب طاعتهم الظاهرة على شكل فئران وجدت التدليل فلما اطمأنت استأسدت فصور الفنان كتيبة مسلحة من الفئران تهاجم حصنا حصينا للقطط بالحراب والسهام وسلالم الحصار وصور على قيادتها فأرا راكبا عربة حربية تجرها كلبتان تنبحان.

وهكذا صور بهذا الدخلاء من الأعداء في هيئة الفئران والمواطنين في هيئة القطط وبضعهم سمحوا لهؤلاء أن يفترسهم ويظهر ذلك عدم اطمئنان الشعب لإخلاص هؤلاء الذين وصلوا لموطن الحكم.

وهناك منظر لعجوز أجنبي في بلاط أخناتون تزوج سيدة مصرية جالسة أمامه على كرسي منخفض، وكذلك شاب نوبي يقوم على خدمته فقام الفنان برسم نفس المنظر وصور الأجنبي على هيئة فأر منعم يجلس على مقعد شبه السابق ويشرب الخمر ويمسك زهورا ويقوم على خدمته قط كبير وتقوم قطة صغيرة بتصفيف شعره وقطة أخرى ترمز لزوجته المصرية.



بل بلغ الناقد غايته في تصوير الأوضاع السيئة في مجتمعه فرسم القاضي في هيئة فأر يتصنع الوقار ويستند على عصاه ويستخدم قطا لتأديب غلام مصري ألقاه حظه العاثر بين يديه فجلس على ركبته يطلب الرحمة؛ لكن دون جدوى وهنا يظهر أن القط تحول ليعمل في خدمة الفأر بعد أن كان عدوا له وهذا إسقاط على الأوضاع التي سادت في عصر الرعامسة وازدياد نفوذ الأجانب حتى أصبحوا عبئا على المجتمع المصري.
 
وكذلك صور رعاة الماعز في شكل ذئاب، فصور ذئب يحرس قطيع ويحمل زاده على عصاه وينفخ في مزمار مزدوج ليخدر أعصاب قطيع الماعز الذي يمشي على وقع أنفاسه، وخلفها ذئب أخر يؤمن القطيع حتى لا تهرب إحداها.  

وحتى رجال الدين لم يسلموا فصورهم الفنان على هيئة الذئاب وصور القضاة على هيئة الحمير وبرؤوس حمير  وصور الحاجب على هيئة ثور وصور المتهم على هيئة القط 
 
وعندما ذهب في رحلة لبلاد بونت – إحدى الدول الإفريقية قديمًا - صور زوجة حاكم البلاد القصيرة الممتلئة وأشفق على الحمار الذي يحملها وصوره هزيل وتعجب كيف يحمل هذا هذه، ما يؤكد أن الفنان المصري القديم كان قريب من أحداث مجتمعه وكان يدلى برأيه في التعبير عن مجتمعه بالرسم والكاريكاتير الساخر.