خواطر الشيخ الشعراوي ..الصيام يربى البدن والنفس

 الشيخ الشعراوي
الشيخ الشعراوي

الحق سبحانه وتعالى يربط الأعمال العبادية بآيات كونية ظاهرة التى هى الهلال، وبعد ذلك نأخذ من الشمس اليوم فقط، لأن الهلال لا يعطيك اليوم فكأن ظهور الهلال على شكل خاص بعد ما يأتى المحاق وينتهى، فميلاد الهلال بداية إعلام وإعلان وإظهار أن الشهر قد بدأ.


الصيام يربى البدن والنفس
الحق سبحانه وتعالى أراد للمريض وللمسافر رخصة واضحة، فجعل صيام أى منهما فى عدة من الأيام الأخر. فإن صام فى رمضان وهو مريض أو على سفر فليس له صيام، أى أن صيامه لا يعتد به ولا يقبل منه، وهذا ما أرتاح إليه، ولكن علينا أن ندخل فى اعتبارنا أن المراد من المرض والسفر هنا، هو ما يخرج مجموع ملكات الإنسان عن سويّتها.
وما معنى كلمة (شهر) التى جاءت فى قوله: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»؟. إن كلمة (شهر) مأخوذة من الإعلام والإظهار، وما زلنا نستخدمها فى الصفقات فنقول مثلا: لقد سجلنا البيع فى (الشهر العقاري) أى نحن نعلم الشهر العقارى بوجود صفقة، حتى لا يأتى بعد ذلك وجود صفقة على صفقة، فكلمة (شهر) معناها الإعلام والإظهار، وسُميت الفترة الزمنية (شهراً) لماذا؟ لأن لها علامة تُظهرها، ونحن نعرف أننا لا نستطيع أن نعرف الشهر عن طريق الشمس؛ فالشمس هى سمة لمعرفة تحديد اليوم، فاليوم من مشرق الشمس إلى مشرق آخر وله ليل ونهار.. ولكن الشمس ليست فيها علامة مميزة سطحية ظاهرة واضحة تحدد لنا بدء الشهر، إنما القمر هو الذى يحدد تلك السمة والعلامة بالهلال الذى يأتى فى أول الشهر، ويظهر هكذا كالعرجون القديم، إذن فالهلال جاء لتمييز الشهر، والشمس لتمييز النهار، ونحن نحتاج لهما معا فى تحديد الزمن.
إن الحق سبحانه وتعالى يربط الأعمال العبادية بآيات كونية ظاهرة التى هى الهلال، وبعد ذلك نأخذ من الشمس اليوم فقط؛ لأن الهلال لا يعطيك اليوم، فكأن ظهور الهلال على شكل خاص بعدما يأتى المحاق وينتهي، فميلاد الهلال بداية إعلام وإعلان وإظهار أن الشهر قد بدأ، ولذلك تبدأ العبادات منذ الليلة الأولى فى رمضان؛ لأن العلامة الهلال مرتبطة بالليل، فنحن نستطلع الهلال فى المغرب، فإن رأيناه نقول شهر رمضان بدأ. ولم تختلف هذه المسألة لأن النهار لا يسبق الليل، إلا فى عبادة واحدة وهى الوقوف بعرفة، فالليل الذى يجئ بعدها هو الملحق بيوم عرفة.. وكلمة «رَمَضَانَ» مأخوذة من مادة (الراء والميم والضاد)، وكلها تدل على الحرارة وتدل على القيظ (ورمض الإنسان) أى حر جوفه من شدة العطش، و(الرمضاء) أى الرمل الحار، وعندما يقال: (رمضت الماشية) أى أن الحر أصاب خفها فلم تعد تقوى أن تضع رجلها على الأرض، إذن فرمضان مأخوذ من الحر ومن القيظ، وكأن الناس حينما أرادوا أن يضعوا أسماء للشهور جاءت التسمية لرمضان فى وقت كان حاراً، فسموه رمضان كما أنهم ساعة سموا مثلا (ربيعاً الأول وربيعاً الآخر) كان الزمن متفقاً مع وجود الربيع، وعندما سموا جمادى الأولى وجمادى الآخرة كان الماء يجمد فى هذه الأيام. 
وهب أن إنسانا جاءه ولد جميل الشكل، فسماه (جميلاً). وبعد ذلك مرض والعياذ بالله بمرض الجدرى فشوه وجهه، فيكون الاسم قد لوحظ ساعة التسمية، وإن طرأ عليه فيما بعد ذلك ما يناقض هذه التسمية، وكأن الحق سبحانه وتعالى حينما هيأ للعقول البشرية الواضعة للألفاظ أن يضعوا لهذا الشهر ذلك الاسم، دل على المشقة التى تعترى الصائم فى شهر رمضان، وبعد ذلك يعطى له سبحانه منزلة تؤكد لماذا سُمي، إنه الشهر الذى أُنزل فيه القرآن، والقرآن إنما جاء منهج هداية للقيم، والصوم امتناع عن الاقتيات، فمنزلة الشهر الكريم أنه يربى البدن ويربى النفس، فناسب أن يوجد التشريع فى تربية البدن وتربية القيم مع الزمن الذى جاء فيه القرآن بالقيم، «شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنْزِلَ فِيهِ القرآن». وإذا سمعت «أُنْزِلَ فِيهِ القرآن» فافهم أن هناك كلمات (أنزل) و(نَزّل) و(نزل)، فإذا سمعت كلمة (أنزل) تجدها منسوبة إلى الله دائما: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ القدر» «القدر: 1». أما فى كلمة (نَزَلَ) فهو سبحانه يقول: «نَزَلَ بِهِ الروح الأمين» «الشعراء: 193».

الصيام يجدد الخلايا
يؤدى الصيام إلى تحلل الخلايا التالفة واستبدالها بأخرى جديدة حيث يضخ القلب الدم إلى مختلف أعضاء الجسم ويستفيد الجهاز الهضمى من 10% من هذه الكمية,لكن أثناء الصوم يرتاح القلب ويتوقف عن ضخ هذه الكمية للجهاز الهضمى الذى يرتاح أيضا وهو الأمر الذى يساعد مرضى القلب والذبحة الصدرية الذين يصومون على تحسن حالتهم الصحية.. هذا ما تؤكده الدكتورة إيناس شلتوت أستاذ الباطنة والسكر بطب القاهرة موضحة أن الصيام يؤدى إلى بناء خلايا جديدة نشطة بدلا من التالفة مما يزيد قوة وظائف الجسم المختلفة لذلك يشعر الانسان بعد انتهاء شهر الصوم بنقاء جسمه وزيادة طاقته وصفاء نفسه.
 راوية عبد الباري