الساحات الصوفية.. منارات ليلية لمواجهة التطرف الفكري

دروس الساحات الصوفية تمتد طوال ليالي شهر مضان
دروس الساحات الصوفية تمتد طوال ليالي شهر مضان

الشيخ عمران: دروس فى القرآن والفقه.. وحلقات ذكر
السيد الميرغنى: التواصل مع الناس وشركاء الوطن وسيلتنا لرفض الإرهاب 
د. صلاح حامد: العشيرة المحمدية تركز على تنمية الفرد لإصلاح المجتمع  

حرب فكرية حامية الوطيس لا تقل ضراوة عن تلك الحرب الضروس التى يخوضها أبطالنا فى سيناء لاقتلاع جذور التطرف الفكرى من تربة بلادنا.. حرب ثقافية وتوعوية لنشر صحيح الإسلام ووسطية الأزهر الشريف ومكافحة الأفكار الإرهابية التى تُحاول اجتذاب الشباب تقوم بها الساحات الصوفية فى شتى أنحاء الوطن من خلال مدارس ليلية لتعليم القرآن الكريم ودروس فقهية فى حفظ وصيانة الأوطان يُقدمها كبار علماء الأزهر الشريف ليس فى مصر فقط وإنما فى معظم بلدان العالم حيث توجد فروع كثيرة لهذه الساحات تمثل أهم محاور قوة مصر الناعمة.. فى هذا التحقيق نلقى الضوء على تلك المنارات الليلية التى تعمل فى صمت لمواجهة الأفكار الشاذة والمتطرفة:
منارة أزهرية
يؤكد الشيخ أحمد سعيد الدح، رئيس مجلس إدارة ساحة الشيخ سعيد عمران الدح بالدراسة بالقاهرة أن الأزهر الشريف سيبقى المنارة العالية والساحة الكبرى التى تجمعنا لننهل من معينها العلم الصافى والفهم الوافي، وأن الساحة تعمل على ترسيخ المعانى الميسرة السهلة والمبشرة للشريعة فى هذه الأيام القاتمة التى تكتنف الأمة بسبب جهل الجهلاء أو غرور المتنطعين فى الدين، أو تطرف المتطرفين فى الفكر والفهم والسلوك.
وأوضح الشيح الدح أنه تم تأسيس هذه الساحة المباركة بجوار مسجد سبط النبي- صلى الله عليه وسلم- الإمام الحسين- رضى الله عنه- ولا يخفى على أحد ما لهذا المكان من معان عند أهل مصر جميعا؛ وبدأ نشاط المؤسسة كدار تستقبل الطلاب لحفظ القرآن الكريم، والالتزام ببعض الدروس العلمية المبسطة، مع جانب الترويح على النفس بما خلّفه أسلاف العارف بالله الشيخ سعيد فى المدائح النبوية والابتهالات الدينية، وبذلك أصبحت المضيفة قلعةً ومنارةً لتلقى العلوم الشريفة، بالأسانيد الصحيحة على يد رجالات من علماء الأزهر والأوقاف..
وعن دور المؤسسة فى شهر رمضان المبارك أشار الشيخ الدح إلى أن شهر رمضان ضيف حبيب نستقبله بشوق وفرح ونودعه بحزن وترح، ويجيء دور المؤسسة فى تزكية علو الهمم، ومشاركة الشباب فى المحافظة على الأوقات، والانشغال بما يسمو بالأرواح، ومن بعد صلاة العصر نقيم مأدبة القرآن الكريم مع شيوخ متخصصين فى الأحكام، وبعدها نهتم بإقامة مائدة الإفطار الجماعى يوميا، ثم نستعد لصلاة العشاء، والتراويح، حتى يأتى دور الدروس العلمية مساء، وكذلك لا ننسى الفقراء والمحتاجين لإحياء صورة بناء فكر مجتمعى قادر على الانخراط مع الجميع حيث الجيران وأصحاب الحالات الخاصة، مع رسم البسمة على شفاه المترددين على المؤسسة، وغرس معنى (الرحمة) فى شهر الرحمات.
التوعية المجتمعية
ويشير السيد عبد الله المحجوب الميرغني، شيخ عموم الطريقة الميرغنية الختمية، إلى أن الساحة الميرغنية تقوم بنشر الثقافة الإسلامية ومعالجة الأمور الشائكة فى فهم أمور الدين بشكل خطأ، مثل: التعددية الزوجية، المرأة والميراث، عبر الشبكة العنكبوتية وهى من أهم عوامل بث الفكر والثقافة للعامة، بل والتواصل مع شركاء الوطن من الأديان الأخرى، والتواجد فى الساحة العامة بين طوائف الشعب وطبقاته لأنها القوة الأساسية فى محاربة الإرهاب والتطرف، مع الاهتمام بدور الأسرة وإعادة الاحترام لمكانة الأب والأم.. وأضاف أن الساحة الميرغنية تقوم بإحياء الدور العلمى من خلال المؤتمرات والندوات والمشاركات فى المحافل العامة ونشر أدبيات الطريقة المتعلقة بالارتباط بالنبى صلى الله عليه وسلم وبالمولى سبحانه وتعالى، خاصة فى رمضان، للوقاية من التطرف واتباع المنهج الإسلامى الوسطى السمح، وهذا من خلال آداب الحضرة الصوفية وقراءة قصة مولد النبى المسمى «بالأسرار الربانية» والتى تهتم بالتخلق بأخلاق النبى الكريم، ومن أهم المفاهيم التى تهتم بها الطريقة التعامل مع الآخر وهو الإنسانية عامة دون تخصيص سواء بالدين أو العرق، ففى فروع الطريقة مثلا فى إريتريا وإثيوبيا نجد المسلم والمسيحى يحضران احتفالاتنا وهى مناسبات إسلامية ولكن روح المودة جعلت الآخر يتقبل أن ينصهر معك رغم الاختلاف الديني.
ويوضح السيد الميرغنى أن الطريقة تعمل على نشر العلوم الدينية من خلال الكتب المعتبرة مثال صحيح البخارى وصحيح الإمام مسلم ورياض الصالحين والرسالة القشيرية وكتاب الشفا للقاضى عياض، وذلك من خلال علماء يقومون بنشر العلوم بالسند المتصل لأصحاب الكتب، وتحت رعاية الأزهر الشريف، مع تصحيح المفاهيم من خلال التواصل مع القاعدة الاجتماعية وخاصة مناطق الصعيد والأماكن النائية، كما تهتم الطريقة بعمل ندوات ومؤتمرات للتوعية بخطر الإرهاب كنوع من محاربة الفكر بالفكر.
جامعة العشيرة
د.صلاح حامد، طبيب، ومنسق الدعوة بساحة العشيرة المحمدية يؤكد أن العشيرة بفروعها المنتشرة فى كل محافظات مصر وكذلك فروعها فى فرنسا وبريطانيا والدنمارك وماليزيا وإندونيسيا وغيرها من البلدان الخارجية تملك رؤية لمواجهة التطرف بنوعيه: التطرف الفكرى والديني، والتطرف الإلحادى والتهتك الذى يؤدى إلى رد فعل متطرف آخر، وذلك من خلال برامجها لإصلاح الفرد ثم الأسرة والعائلة ثم المنطقة وبعدها سيتم إصلاح المجتمع كله.. وأشار إلى أن العشيرة تعد جامعة يتم فيها تدريس مفاهيم التصوف على أيدى علماء الأزهر الكبار: د. أحمد عمر هاشم، ود. محمد أبو ليلة، ود. مجدى عاشور، وفضيلة المفتي، وغيرهم من أكابر الدعاة، مع نشاط مستمر لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال، وحلقات قراءة القرآن بعد صلاة العصر يوميا مع ختم القرآن فى رمضان، وإقامة احتفال كبير بليلة القدر، والتنسيق مع المساجد التابعة للعشيرة للالتزام بخطبة الأوقاف مع تنويه بالمشاكل الواقعية المنتشرة بالمنطقة والتركيز على حلول للمشاكل الأخلاقية.
وأضاف د. صلاح أن العشيرة المحمدية تقدم نشاطات ثقافية متنوعة لاجتذاب الشباب إلى وسطية الأزهر وحتى لا نتركهم فريسة للجماعات المتطرفة، كما أن العشيرة لها دار للأيتام وتحرص على تعليمهم بالأزهر، مع تحديث مستمر لستة مستوصفات طبية تملكها العشيرة بالقاهرة وحدها، وحضانات للأطفال منتشرة أيضًا بالقاهرة الكبرى.. وأشار إلى أن كل هذه النشاطات خاضعة لرقابة وزارة التضامن الاجتماعى والأزهر الشريف، كما أنها تتبع مشيخة الطرق الصوفية.