حكايات| «شيشنجية مصر».. سر تحويل التراب إلى ذهب (ملف تفاعلي)

نار الشيشنجية لإذابة الذهب
نار الشيشنجية لإذابة الذهب

«بيحول التراب لدهب» جملة ستضحك بمجرد سماعها مستحضرا مشاهد والد عصفور العطار الذي يسعى في معمله لتحقيق هذه المعجزة، ولكن مع قصتنا التي ستقرأها ستتحول ضحكاتك إلى دهشة من مهارة «شيشنجية مصر»، الذين بالفعل يحوّلون التراب لذهب.محررا بوابة أخبار اليوم مع أحد الشيشنجية

ما يفعله الشيشنجية لا يندرج تحت الأعمال الحرفية العادية، بل مهنة استثنائية بالغة الدقة وتستلزم مهارة عالية وصبرا كبيرا، فهم لا يؤمنون أن السماء تمطر ذهبا، ولكن تراب ورش تصنيع الذهب قد يمنحهم ما يريدوه من المال.

«بوابة أخبار اليوم» عايشت الشيشنجية، وبدأت الحكاية عندما دخلنا، دكان صغير تتناثر به بقايا يوم عمل طويل من «الدق والنقش والرسم» بعناية على قطع سميكة من الذهب حولتها أيادي «الصنايعية» إلى مشغولات مختلفة الأشكال والأحجام يحدث ذلك خلال ثلاث ساعات فقط لتحويل تراب الصاغة إلى ذهب.


البداية مع «المقشة»

عملية تبدأ بالمقشة المعدة خصيصاً لتنظيف الورشة، حيث يتم إزالة «تراب الذهب» بحرص مكوناً كومة لا بأس بها من التراب الممزوج بذرات الذهب التي تساقطت في عمليات البرد والدق للعمال، ويتم وضعه في شوال خاص بالتراب المتراكم من بقايا العمل وتركه في ركن خاص بتراب لا يمكن التخلص منه.
 

اقرأ حكاية أخرى: ​أسرار الألباستر.. أحجار مصرية تتحدث بالأنوار ليلا

«أيمن الشيشنجي» هو اسم أشهر دكاكين تجار «التراب» في أزقة المقاصيص بصاغة الحسين، ورغم ضيق مساحة المكان لا تتوقف الحركة، ما بين المعمل الخاص بقياس نسبة الذهب داخل أكوام التراب، والفرن الخاص بصك السبائك التي تعود للورش للتصنيع.

يقول أيمن: «عالم الذهب، عالم خاص له ناسه، تفاصيله دقيقة لا تسمح بالأخطاء، كما أكد معظم العاملين بسوق الصاغة، بداية من الصنايعية وحتى كبار التجار وأصحاب المصانع، ترابه غالى قد تضيع من أجله حياة صنايعى بائس كل دوره الغوص داخل أكوام التراب بحثاً عن ذهب».

 

◄ شاهد الملف التفاعلي .. 

شيشنجية مصر.. أصابع تحوّل التراب إلى ذهب

"الشيشنجية" والتراب
يقول حسين عامل لوكالة الذهب وشهرته ميدو، إن صنعة «مسابك التراب» تعتمد على «رايش» ورش المشغولات الذهبية والفضية، فأثناء العمل على تشكيل المشغولات تتطاير ذرات دقيقة تصعب رؤيتها بالعين المجردة، يطلق عليها «الرايش»، وتختلط بالأتربة الموجودة في ورش العمل.

ويؤكد أن أصحاب ورش المشغولات بجمع التراب من ورشهم في «براميل» صغيرة، وبيعها إلى أصحاب مسابك التراب، وهناك يتم تجميع هذا التراب وتحميصه فوق نيران شديدة، ثم يوضع في «بوتقة» غير قابلة للانصهار، مع رمال ومواد أخرى مثل البيكربونات وأكسيد الرصاص الخام كمواد مساعدة على صهر المعادن، وبفعل الحرارة العالية وانصهار المعادن يقلب المزيج للتأكد من أن المزيج «استوى»، وتحولت كل المعادن الموجودة بها للحالة السائلة.
 
التحليل والميزان
«تحليل سبائك الذهب، وقياس نسبة الذهب الممزوج داخل تراب الورش، هي وظيفة دكاكين الشيشنجية»، هكذا بدأ إبراهيم عصام حديثه من داخل معمل «أيمن الشيشنجى» الشهير بفصل الذهب عن التراب.


نظر إلى نار الفرن وأعطى بعض الإرشادات للعمال ثم عاد للحديث، قائلاً: «صنعة الشيشنجي صنعة دقيقة وخاصة جداً، والغلطة فيها بفورة، دورنا حساب نسبة الذهب داخل التراب من خلال عينة 3 جرامات، تدخل بعدها فى عدة مراحل أولها الحرق، تعود بعدها فى صورة معدن، ويتم حساب عدد الأسهم في كيلو التراب الواحد، وعلى أساس عدد الأسهم يتم فصل الذهب عن التراب، نقوم بعدها لتسليمها للتاجر، ونحصل على نسبة من كمية الذهب، فالشيشنجية أهم العناصر في عالم الذهب، فهو من يقوم بفصل التراب، ودق السبائك، وقياس جودة الذهب ودرجاته المختلفة، بداية من عيار 24 إلى الـ21 والـ18 وهما العيارين الأكثر استخداماً في أسواق الذهب».

 

اقرأ حكاية أخرى: أسرار الباطنية التي لا تراها في الأفلام


مرحلة الفصل
يشرح لنا أيمن مراحل الفصل بين المعادن لاستخلاص الذهب الحر، قائلاً: «نضع المعادن بعد الوصول للحالة السائلة في قالب من مادة الزهر، المعروفة بتحملها للحرارة، ونظرًا لأن المعدن الغالي بيبقى تقيل فما يصل القالب في البداية هو (الخَبث)، المكون من الأكاسيد والسيليكون، وبعدها ينزل لمعدن الغالي، وبعد أن يبرد السائل المصبوب تظهر السبيكة الأولى التي يكون بها خط فاصل، واضح للعين، نظرًا لاختلاف كثافة (الخبث) عن المعدن الغالي، وتكون دقة واحدة بأداة ثقيلة كافية لفصل السبيكة إلى سبيكتين، وترمى سبيكة (الخبث)، وتأخذ سبيكة المعادن النفسية، ويصنع بها ثقب صغير يطلق عليه (شنيشة)، تعرف منه نسبة الذهب والفضة في السبيكة».


 تسعيرة التراب
يقول حسين أحد عمال صناعة الشيشنجية إن التراب في الصاغة له تسعيرة، قائلا: «أغلى أنواع التراب اللي بيخرج من ورش التجليد والتلميع»، مؤكدا أن مهنته لا تقل أهمية عن صانع الذهب المحترف، فالصبي الذي ينتقل من الورشة يومياً حاملاً ما قام بتجميعه من تراب ثمين إلى ورشة «لشيشنجى» الواقعة فى أزقة الصاغة، وهو الذي يستكمل رحلة «تراب الذهب» الذي يتم فصله عن بقايا الذهب استعدادا لبيعه لتجار «التراب» الذين يقومون بدورهم بتجميع البقايا في كرة صغيرة قد تصل إلى جرام واحد خصصت له ورش الذهب فريق عمل خاص للتفتيش عنه بين أكوام التراب.