ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: القلق على مستقبل الحكم.. والخطر على ثورة يونيو

ياسر رزق
ياسر رزق

ثمة شعور بالقلق لا ينبغي إنكاره، على مستقبل الحكم في البلاد، رغم أن الرئيس عبدالفتاح السيسي لم يؤد بعد اليمين الدستورية لفترة الرئاسة الثانية، المقرر أن تبدأ مطلع الشهر المقبل.

وثمة إحساس بالخطر لا يتعين مداراته، إزاء ثورة يونيو ومكتسباتها، برغم أنها لم تكمل بعد سنواتها الخمس الأولى، التي تحل ذكراها في نهاية الشهر القادم.

القلق مشروع.. والخطر موجود!

< < <

مبعث القلق، هو عدم ظهور قوى سياسية أو كتل حزبية، قادرة على إنتاج شخصيات مؤهلة لتحمل المسئولية الأولى وتبعاتها، يلتف حولها الشعب، وتؤيدها المؤسسة النواة ومؤسسات الدولة الدستورية.

فأنت تستطيع في عام واحد شق قناة السويس. وفي ٤ أعوام إنشاء مليون وحدة سكنية. وفي ٨ أعوام بناء عاصمة و١٤ مدينة جديدة.

لكنك لا تستطيع بقرار، بناء كادر سياسي. ولا تستطيع بتوجيهات، اختصار زمن إنضاج حياة سياسية. ولا تستطيع بالحدس، أن تفرز شخصيات قيادية، بدون محك وطني أو اختبار سياسي أو مسئولية تنفيذية.

مصدر القلق أن ثلاث سنوات من الآن، مدة غير كافية، لظهور وجوه سياسية صاحبة رؤية وكفاية، وذات أعمار لم تبارح سن الشباب، قادرة على النهوض بمهام رئيس دولة بوزن مصر ومكانتها.

ومن ثم تبدو الساحة السياسية في المستقبل المنظور، قاحلة جدباء، في وقت يحدد الدستور سنوات مدة الرئاسة بأربع سنوات، ويحظر على الرئيس أن ينتخب لأكثر من مدتين، بل يمنعه من أن يترشح فيما بعد، حتى لو خلفه في منصبه رئيس آخر لمدة واحدة أو مدتين متتاليتين. أي أن سيناريو «بوتين - ميدفيديف» غير قابل للتكرار في مصر، وفق مواد دستور ٢٠١٤ الذي نقول بحسن نية إنه صيغ بنوايا حسنة!

وفي شأن الدستور ومواده، رؤى ومقترحات تتناول أكثر من باب من أبوابه، ينبغي من الآن أن تكون محل حوار سياسي في الإعلام، ونقاش جاد تحت قبة البرلمان، دون تأجيل أو تباطؤ.

< < <

أما منبع الخطر على ثورة يونيو ومكتسباتها فيكمن في فريقين:
- الأول يظن الوقت حان للعودة إلى نظام ما قبل ٢٥ يناير بجموده وعقم رؤاه وفساده.

- والثاني يتوهم أن بمقدوره الالتفاف على ثورة ٣٠ يونيو والانقضاض على مكتسباتها، توطئة للوثوب على السلطة تحت ستر المصالحة، إما على مراحل، أو مرة واحدة بحلول عام ٢٠٢٢.

الخطر يكمن في رجال مبارك الابن الذين يعاد تقديمهم إعلامياً وسياسياً بعد غسل وجوههم وأياديهم مما ألحقوه بالشعب وبالبلاد.

ويكمن أيضاً في أتباع جماعة الإخوان ممن يوصفون بأن أياديهم لم تتطلخ بالدماء، بينما هم مفارز الجماعة في التغلغل من جديد بمفاصل الدولة والتوغل في مؤسساتها.

ولعلنا لا ننسى صفقة الفريقين في عام ٢٠٠٥ والتي أسفرت عن منح الإخوان ٨٨ مقعداً بمجلس الشعب في مقابل تأييد ملف التوريث، ولعلنا لا ننسى أيضاً أنه عندما طمع الإخوان في المزيد وتصور جناح أمانة السياسات أن بإمكانه الاستحواذ على مقاعد مجلس ٢٠١٠ «خالصة نقية» من المعارضة وأعضاء الجماعة، كان ذلك القشة التي قصمت ظهر نظام مبارك في ٢٥ يناير وما بعدها.

وما يدرينا، لعل هناك من يهندس صفقة أخرى لعام ٢٠٢٢، تبدأ من الانتخابات العمالية، ثم المحلية، ثم البرلمانية، وصولا إلى الرئاسية المقبلة، قوامها الحكومة والبرلمان للإخوان، والرئاسة لجمال مبارك.

< < <

ولست أرى في ترافق الترويج لحادث صورة العزاء مع رواج حديث المصالحة بين النظام والجماعة، مجرد مصادفة بريئة.

فقد جرى استثمار الصورة التي يصافح فيها المشير حسين طنطاوي، جمال مبارك وشقيقه علاء، على غير حقيقة مشهدها، وتم استغلالها بالمواقع الإخوانية وحسابات التواصل الاجتماعي ذات الهوى المباركي لتبدو وكأنها تعبر عن اعتذار المشير طنطاوي لجمال مبارك عما لحق به وبأبيه بعد ثورة ٢٥ يناير أثناء إدارة المجلس العسكري للبلاد، وهو بالطبع أمر يثير السخرية من كذبه المفضوح.

وفى الوقت ذاته.. راج حديث المصالحة على مستويات متعددة بعضها محسوب مباشرة على جماعة الإخوان، دون أن نسمع رداً رسمياً قاطعاً، ينفى أي حوار ويستبعد أي مصالحة. ولعل تلك الأحاديث لن تنقطع، بل ستتجدد وتنشط كل حين، لاسيما وقد تأخر صدور أحكام نهائية وباتة على عديد من قيادات الجماعة، ربما يصل بعضها إلى الإعدام، مما يثير الشكوك لدى الرأي العام، ويجدد آمال كوادر الجماعة في إمكان تمرير فكرة المصالحة كبساط يسيرون عليه نحو أوهام العودة للسلطة.

وقد يقول قائل إن جمال مبارك كوالده وشقيقه محكوم عليهم بحكم بات ونهائي بالسجن في قضية القصور الرئاسية، وأنه لا يمكنه الترشح لأي منصب أو مزاولة الحياة السياسية إلا بعد حصوله على حكم يرد له اعتباره.

لكن الذاكرة تعي أنه عندما أُريد لخيرت الشاطر أن يرد له اعتباره قبيل إغلاق باب الترشح لانتخابات ٢٠١٢، فتحت أبواب المحكمة في يوم الجمعة وصدر له الحكم التفصيل. ففي بعض الأحيان تكون البلد بلدهم والدفاتر دفاترهم!

< < <

على أن الخطر الأكبر يأتي من جانب أولئك الذين يقللون بسوء تقديرهم من شأن الخصوم ويزيدون بغرورهم من شأن قدراتهم، فيقتادون الشعب إلى مزالق ومهالك، على نحو ما رأينا قبيل ثورة ٢٥ يناير وما شاهدناه قبيل اقتناص الإخوان للسلطة في البرلمان والحكم في الاتحادية.

الخطر الأكبر مصدره نخبة سياسية لها ذاكرة السمك، وصفوة مثقفة تدور بحركة التاريخ مثلما تدور السائمة بالسواقي، ونخبة إعلامية تفكر بألسنتها وتتكلم بأعصابها.

أولئك هم الذين يحيلون السراب إلى حقيقة والوهم إلى واقع.

ولابد أن يكون واضحاً للجميع وذائعاً بين الكافة، بأنه لا يوجد من نتصالح معهم، ولا يوجد ما نتصالح عليه.

لابد أيضا من سن تشريع يعاقب كل من دعا إلى المصالحة أو حبذها مع جماعة الإخوان الإرهابية بنفس العقوبة المقررة لمن يثبت انتماؤه للجماعة.

لابد أن يعي الجميع أن الحزب الوطني في عنفوانه مع أمانة سياساته، لم يستطع أن يجمع أكثر من ٥٪ في أي انتخابات جرت في عهده، ومن ثم لا فضل لبقايا بقاياه في حشد الجماهير ونزولها إلى اللجان في أي انتخابات أعقبت ثورة ٣٠ يونيو. بل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة تحديداً، لا يستطيع أحد سواء من الكتل البرلمانية أو من رءوس العائلات أو عواقل القبائل الادعاء بأنهم وراء نزول الجماهير بكثافة للتصويت في الانتخابات، فشخص الرئيس السيسي وما يمثله للناخبين من إنجاز وأمل كان هو الدافع لاحتشاد المواطنين أمام اللجان بهذه الأعداد الهائلة.

ولعلي أظن أن الأستاذ جمال مبارك بحاجة إلى من يهمس في أذنه، ناصحاً إياه بأن يُقَبِّل كفيه حمداً وشكراً على أنه لم يُحاكم سياسياً على ما أفسده في البلاد، وعلى محاولته قلب النظام الجمهوري، وأن يقر في بيته ولا يتبرج إعلامياً تبرج جاهلية عهد أبيه.

< < <

أحسب رد الفعل الشعبي على حديث المصالحة ومن يرددونه إما بغفلة أو سوء طوية، فيه القول الفصل لهذه الدعوة التي يراد بها إطلاق ثورة مضادة على ثورة ٣٠ يونيو ونظامها.

وأحسب الصدى الجماهيري الواسع لصورة العزاء بين المشير طنطاوي وجمال مبارك، فيه الرد المناسب على عهد التوريث، فالناس لم تنس موقف الرجل الوطني طنطاوي من رجال جمال مبارك في حكومة نظيف، عندما قال لهم: أنتم تريدون بيع البلد والمؤسسة العسكرية لن تسمح بذلك.

أما القلق على مستقبل الحكم بعد انتهاء مدة الرئاسة الثانية، فيقيني أن هذا الشعور يلازم الرئيس السيسي بقدر ما ينتاب الرأي العام وربما أكثر.

وليس سرا أنني عندما سألت الرئيس عن ذلك الشعور، قال: إن القلق يساورني من الآن، فلا أحد يضمن عمره دقيقة واحدة، والأعمار بيد الله. وسمعت الرئيس يتحدث عن أن أحد أهم أولوياته في رئاسته الجديدة هو تأهيل وانتقاء عدد من الشخصيات ذات الكفاءة والمقدرة لخوض الانتخابات المقبلة.

ويظل البرلمان ونوابه طرفا أساسيا في مسألة الدستور، فلا أحد يريد دسترة الحكم المطلق، وفى نفس الوقت لا أحد يقبل أن تكون مواده مقصلة للإرادة الشعبية.

ويبقى وعي الشعب الدرع الصلب الذي تتحطم عليه أخطار الثورة المضادة، ومحاولات الانقضاض على مكتسبات ثورة ٣٠ يونيو وبث الأكاذيب والادعاءات حول نظامها الوطني.

ومن وراء الشعب، يقف الجيش يقظا، حاميا لثورة ٣٠ يونيو ومدافعا عن إرادة الشعب في مواجهة مساعي الردة إلى ماضي الفساد أو ماضي الإقصاء والاستحواذ.