مخازن الموت.. «قنابل موقوتة» تحت عقارات القاهرة الكبرى

تصوير: محمد عبد المنعم
تصوير: محمد عبد المنعم

- «الأخبار» تخوض مغامرة لاستئجار مخزن للكيماويات بعقار سكنى.. الشهر بـ 800 جنيه.. والإيجار الجديد وسيلة التحايل
- تخزين البويات والمنظفات داخل الشقق يهـــــــــــدد بالانفجارات والحرائق بدون علم الأهالى
- «سلمى» ضحية مخزن مدينة السلام ..وشقيقتها تصارع الموت
- مكاتب السماسرة تقوم بالتأجير .. و«العمولة» هدفها الأول
- قانونيون: تهمة القتل الخطأ للمخالفين  والحبس والغرامة للمرخصين


«سلمى ماتت».. نيران تشتعل، دخان يحمل سما تسنشقه الأهالي.. مشاهد كونت كابوسا حول حياة إحدى الأسر بمنطقة السلام شرق القاهرة إلى جحيم أغلق عليهم كل مفاتيح الكون أو الأمل في الحياة، لم تكن تلك الكلمات وصفا لحرب كيماوية، لكنها وصف لآخر انفجارات مخازن المواد الكيماوية بمدينة السلام، حيث اتضح بعد تحريات النيابة أنها تلك المواد تتكون من «سولفات»، و«نشادر»، و«مية النار».. مأساتها بدأت معها «الأخبار» خوض غمارها.

 

فلم تكن سلمى الضحية الوحيدة فى ذلك الانفجار الذى وقع فى شهر فبراير الماضى، أختها دينا ابنة الـ17 عامًا ترقد فى العناية المركزة بمستشفى الدمرداش، ووالدتها أنقذتها العناية الإلهية بعد تلقيها الرعاية الطبية والخروج من المستشفى، لكنها خرجت صريعة الألم من المصير الذى واجهته ابنتها الصغرى التى لم تتمكن من وداعها، بينما ابنتها الكبرى بين الحياة والموت.

 

«انقذوا بنتى .. سلمى راحت وأملى فى دينا تقوم .. هاتولى حق سلمي» كانت هذه هى كلمات الأم التى تختنق الحروف على شفتيها من هول الصدمة، لا تنطق سوى بتلك الكلمات، تتفوه بها عندما تفيق من نومها المتواصل بعد خروجها من العناية المركزة، الأب يبيت مع ابنته يرعاها ويدعو لها ويناشد الأطباء فى تخصصى الصدر والباطنة لنجدة ابنته لكنه يتمسك بالأمل ولم يفقده وراض بقضاء الله وقدره.


واقعة انفجار عقار مدينة السلام قادت «الأخبار» لكشف القنابل الموقوتة داخل العقارات السكنية حيث يتحايل اصحاب شركات المنظفات والبويات بالاتفاق مع مكاتب الاستثمار العقارى لاستئجار شقق سكنية وتحويلها إلى مخازن مواد كيميائية مما يؤدى إلى وفاة واصابة المواطنين فى حالة وقوع انفجارات بتلك الوحدات المنتشرة فى جميع المحافظات، فى ظل تضارب المسؤوليات وضعف مستوى الرقابة بين الجهات المعنية.


واستطاعت «الأخبار» توثيق وجود 5 حالات انفجار لمخازن مواد كيميائية خلال السنوات الخمس  الأخيرة بخلاف مغامرة صحفية لاستئجار شقة سكنية وتحويلها الى مخزن عن طريق ثلاثة مكاتب للاستثمار العقارى لكشف غياب اشتراطات الأمان والسلامة وتطبيق اشتراطات استئجار مخزن كيماويات الرئيسية وغياب الرقابة على مكاتب الاستثمار العقارى والوحدات السكنية المؤجرة.

 

عقار السلام المنكوب


تقصى معدا التحقيق طرف خيط القضية بزيارة العقار الذى عاشت فيه سلمى الصغيرة، بعد مرور اسبوعين على الانفجار مازالت آثار زجاج النوافذ والأثاث مفتتة على الأرض وكذلك رائحة الجثث المتفحمة تملأ الأرجاء والدخان الأسود يشوه الجدران، قابلنا أحمد عبد المنعم، الشاب الثلاثينى، ينظر بعيون الحسرة على الشقة التى يقطن فيها وتعلو مخزن الكيماويات مباشرة، بعدما طال الانفجار شقته ليحولها إلى بقايا محترقة.


«انا عينى ما بتغمضش وشفتهم بيتحرقوا قدام عينيا» هكذا استكمل أحمد عبد المنعم، حديثه بعدما انقذته مكالمة تليفونية من صديق له يدعوه للنزول على الفور، وبمجرد نزوله من العقار بنصف دقيقة فقط شب الحريق، ليسارع على الفور لانقاذ من كانوا داخل العقار لكنه لم يتمكن من نجدتهم، حيث كان داخله ثلاثة شباب يعملون فى المكتب الذى تحول إلى مخزن كيماوى، إلا أن الباب الحديدى الموصد بالقفل منعه من نجدتهم وسرعان ما تحول الحريق إلى انفجار طال الطابقين الأول والثانى، الذى أودى بحياة عروس فصلها على ارتدائها الفستان الأبيض شهر واحد وهى سارة محمود حنفى وتغريد .أ، وشاب يبلغ 18 عامًا يدعى أحمد مصطفى.


التقينا والد سلمى أصغر ضحية فى الانفجار، عماد عبد الغنى الذى يعمل موظفًا بمطار القاهرة، وأكد أنه لم يكن يعلم هو أو السكان أن أسفل منزله قنبلة موقوتة يستأجرها ويستغلها جار له بشكل غير مشروع، ظن أنه مكتب إداري  فقط تابع لشركة منظفات، ولم يفق إلا على صوت الإنفجار وعلى كابوس وفاة إبنته الصغرى واحتجاز الكبرى بالرعاية المركزة فى حالة خطرة.


طالب سكان العقار بسرعة الإنتهاء من عملية الترميم ومعاقبة أصحاب المخزن بالقانون وتعويض المتضررين من الحادث، فى حين لجأ بعضهم الآخر إلى الانتقال الى منزل آخر وهو ما فعلته داليا حسن، التى تسكن فى الطابق الأرضى المواجه للمكتب مباشرة، والتى اكدت أن ابناءها فى حالة رعب منذ الحادث فقررت ترك منزلها قائلة:  «احنا خلاص الخراب طال بيتنا ومابقناش قادرين ننام من الخوف وربنا يقدرنا على نسيان المشاهد المفزعة».

 


مخازن قائمة


ما حدث فى عقار مدينة السلام دفعنا للبحث عن قنابل موقوتة أخرى صامتة وقابعة أسفل المنازل فى أماكن اخرى فى هيئة مخازن منظفات وبويات معرضة للانفجار أية لحظة فى مسلسل متكرر بمزيد من الضحايا لا يدركون مدى الخطر الذى تسببه تلك المخازن، وهو ما دفع “الأخبار” لخوض رحلة للبحث عن مخزن آخر قائم بالفعل .. وتمكن معدا التحقيق من دخول مخزن دهانات فى عقار سكنى فى احد الشوارع الجانبية بمنطقة منشية عبد المنعم رياض فى مدينة شبرا الخيمة التابعة لمحافظة القليوبية، يتبع احد المحال التجارية بالمنطقة والذى قام صاحبه باستئجار الدور الأرضى للعقار القاطن به، واستعماله لتخزين البضائع.


يجلس محمد عبد الرحيم، احد ساكنى المنطقة ومقيم بالمنزل المجاور لمخزن الدهانات، تظهر عليه علامات الشيخوخة، تشغله فقط أعباء الحياة اليومية، ، يقول انه يعرف صاحب المخزن «بحكم الجيرة»، ويعلم بمحتويات المخزن الذى يستخدمه صاحبه لتخزين البضائع الخاصة بالدهانات، فهو اعتاد على وجوده منذ سنوات طويلة ولا يرى وجود خطورة من تخزين عبوات الدهان داخل عقار سكنى، فجميع محال المنظفات والدهانات تقوم بنفس الأمر وتخزن بضائعها إما داخل المحل نفسه أو فى شقة يستأجرها.


لم يسمع محمد عبد الرحيم عن حرائق بسبب بضائع منظفات ودهانات، وكذلك لم يتقدم بشكوى ضد صاحب المخزن حتى لا يُحرم من وسيلته لكسب الرزق، ليلتقط طرف الحديث سعيد محمود، احد ساكنى المنطقة ايضًا، ليؤكد أنه لايعلم بوجود مخزن للدهانات التى تعد مواد سريعة الاشتعال بالمنزل المجاور له، وأضاف انه لايهتم بالامر لأن كل شخص حر فيما يملكه – على حد وصفه-، ولن يتمكن من منع مالك العقار من تأجير المسكن لمن يريد، واصفًا الأمر بأنه بات طبيعيا فى ظل جشع معظم مالكى العقارات الذين لايهمهم سوى الربح.


فى زيارة أخرى لمنطقة باب الشعرية وجدنا مئات المحلات المتراصة أسفل العقارات السكنية وتعج بمواد التنظيف والمعطرات والمبيدات الحشرية وكذلك البويات، حركة البيع والشراء تسير بشكل عادى، يصعدون للمخازن داخل العقارات السكنية لجلب المزيد من هذه المواد وعرضها فى المحال الخاصة بهم فى حالة نقصها، يتهافت المشترون عليهم لرخص أسعارهم مقارنة بأماكن أخرى تبيع المنظفات ولقرب المنطقة من وسط البلد بدلًا من الذهاب الى اماكن بعيدة عن محيط السكن بحسب تأكيد بعض سكان باب الشعرية ممن التقينا بهم اثناء جولتنا.

 

 


سلمى حسين، احدى القاطنات بشارع البلاقسى، تؤكد أن الأمر اصبح طبيعيا ومعتادا وأن الحى يشن الحملات لضبط المخالفين لكنهم يعودون مرة أخرى، وأن الروائح الصادرة عن هذه المواد تصيبهم ايضًا ببعض الأمراض الصدرية بخلاف الرعب والفزع اذا اشتعل حتى عود كبريت واحد خاصة أن المنطقة تعرضت لأكثر من حادث فى فترات سابقة.


ويقول محمد حميد ساكن بشارع الجيش، أن المنطقة مكتظة بالمخازن بعضها حاصل على ترخيص والبعض الآخر لا يعرف معنى هذه الكلمة وتعرضت باب الشعرية لحريق كبير بسبب مخزن لكابلات الكهرباء غير المرخص فى ديسمبر من العام الماضى، وكذلك أغلقت حملة للحى 4 وحدات سكنية تم تحويلها إلى مخزن تجارى دون ترخيص وبالمخالفة لقانون البناء واشتراطات الحماية المدنية، لكن لا تزال مخازن أخرى غير حاصلة على ترخيص يعملون ويحتاجون الى شن المزيد من الحملات الرقابية.


مغامرة استئجار مخزن


خاضت «الأخبار» رحلة من أجل الحصول على شقة لتخزين المواد الكيميائية، حيث تواصل محررا «الأخبار» مع ثلاثة مكاتب عقارية لتأجير الوحدات السكنية والاستثمار العقارى لاستغلالها كمخزن مغلق لشركة « وهمية» متخصصة فى البويات والمنظفات تدعى «الفرسان»، وكانت الشركة الأولى باسم شركة «ش .ر»  فى منطقة جسر السويس، قابلنا “منار” وهى تعمل فى استقبال العملاء، والتى رحبت بنا وتعرفت على اننا شركة تبحث عن مخزن للمواد الكيميائية ونبحث عن وحدة سكنية قريبة من المحل الخاص بنا فى حدود ألف جنيه شهريا.


سألتنا منار عما اذا كانت الوحدة السكنية مخزنا أم مكتبا، لأن المكتب يكون اغلى فى الايجار اما المخزن فهو اقل كثيرًا فهو لا يحتاج الى تجهيزات فى الاثاث والمفروشات والمظهر مثل المكتب، فأجبناها اننا نريد مخزنا لتخزين المواد الكيميائية المتواجدة لدينا، فأكدت منار ان لديها وحدة سكنية فى منطقة الأربعين لكن ايجارها أغلى من الذى نطلبه وهو 2500 جنيه بجوار مدرسة فرنسية، فأخبرناها أننا نريد سعرا اقل فى الإيجار فأخبرتنا انها ستبحث وتتصل بنا لاحقًا، وانه يوجد مبلغ تأمينى يحدد حسب الغرض من الإيجار وكذلك المساحة ومدة الإيجار نفسه.


بعد ما يقرب من ساعتين عاودت الاتصال بنا لتخبرنا انها وجدت وحدة سكنية دور ارضى بجوار سور الأنصارى يمكن استئجارها بسعر 1000 جنيه للشهر قابلة للتفاوض مرة اخرى مع اصحاب الوحدة السكنية لتقل الى المبلغ المطلوب وهو 800 جنيه.


هذا المكتب ليس الوحيد ولكن مكاتب السماسرة تلجأ الى حيلة اخرى لتخلى مسؤوليتها القانونية وليست المادية فقط، وهذا ما حدث مع مكتب سمسار عقارات بمنطقة الأباجية بمحافظة القاهرة، حيث كررنا المحاولة للحصول على مخزن للإيجار لمواد التنظيف وكذلك البويات ليؤكد أن كل ما لديه لهذا الأمر هو نظام التمليك فقط وليس للإيجار، فيمكننا تملك وحدة سكنية وتحويلها لمخزن للمواد الكيميائية والوحدة المتواجدة لديها تبلغ 115 مترا مقابل 500 الف جنيه يدفع المالك 40% من قيمتها والباقى يسدد بنظام القسط وهى بجوار محطة وقود شهيرة فى المنطقة (!!).


أما المكتب الثالث فيقع فى منطقة امبابة فى محافظة الجيزة، أكدت المسئولة فيه عن استقبال العملاء ان كل ما لديها ايضًا بنظام التمليك وان للمالك ان يفعل ما يحلو له مهما كان بعكس الوحدات التى تستخدم فى الإيجار وهم لا يعملون الا فى الاستثمار العقارى بالتملك لا بالقسط لأنهم يخافون المسئولية أو استغلال الوحدات السكنية فى أغراض أخرى غير السكن.

 


التاريخ الأسود


خلال السنوات الخمس الأخيرة تحديدًا منذ عام 2013 رصدت «الأخبار» مجموعة من الحوادث لانفجار مخازن للكيماويات داخل الوحدات السكنية فى مجموعة من المحافظات المصرية أولها بتاريخ سبتمبر 2013 نشب حريق فى مخزن للكيماويات فى مدينة القناطر الخيرية محافظة القليوبية بالطابق الأرضى بعقار سكنى مكون من أربعة طوابق، وأتت النيران على بعض الصناديق التى تحتوى على مواد كيماوية خاصة بمنتجات المنظفات والدهان، وتحرر عن ذلك محضر رقم 5067 إدارى مركز القناطر الخيرية لسنة 2013، وتسبب فى اصابات وتشريد السكان بالعقار رغم تقدمهم بعدد كبير من الشكاوى دون جدوى.


وتكرر الحادث مرة أخرى فى نفس المحافظة بتاريخ  29 يناير 2018 واندلع حريق بمخزن للكيماويات فى عزبة الشيمى بقرية أبو الغيط بالقناطر الخيرية وسط المناطق السكنية يعمل دون تصريح، وهو ما أكده أحمد عبد العليم احد ساكنى المنطقة، انه سمع دوى انفجار فخرج مسرعا من منزله ليجد ألسنة النيران تتصاعد من أحد العقارات المجاورة، وتابع بأن بعض الاهالى سارعوا بإبلاغ قوات الدفاع المدنى لإطفائه بالمواد البدائية حتى وصلت ثلاث سيارات اطفاء أخمدته «والحمد لله ربنا ستر ومحصلش اصابات».


وبتاريخ 14 أغسطس عام 2017، استغاث اهالى عزبة الجربان التابعة لمدينة الجمالية بمحافظة الدقهلية بالإطفاء بعد ان شب حريق بمخزن مواد كيميائية فى عقار على مساحة ما يقرب من١٥٠ مترا وبه دوران علويان، أسفر عن إصابة 4 أشخاص وتم تحويلهم إلى المستشفى آنذاك، وتم تحرير محضر بالواقعة، تلاها فى شهر أكتوبر من نفس العام انفجار فى محافظة الإسكندرية نتيجة لحريق نشب فى مصنع الخليل للبويات ووصل لعقارات الأهالى، ووفقا لتحقيقات النيابة فقد تضررت 33 أسرة من 4 عقارات مجاورة لمصنع البويات، عندما تحولت إلى رماد، وبحسب تأكيد الأهالى فإن الحريق استمر لمدة خمس ساعات متواصلة.


 المالك يتحمل المسئولية


يعلق خالد مختار، محامى بالاستئناف العالى، أن عقد تمليك الوحدة السكنية لا يتضمن بند الغرض من التمليك، فيكون مالك الوحدة حرا فى كيفية استغلالها سواء بغرض السكن او لأى غرض آخر دون الاخلال بالقوانين المنظمة، وفى حالة ارتكاب مخالفات يعاقب عليها القانون فإن مالك الوحدة السكنية هو من يتحمل المسئولية كاملة، أما عقد الإيجار يضم بندا مخصصا للغرض من تأجير الوحدة السكنية سواء “للسكنة” او أى غرض آخر، وفى حالة مخالفة هذا البند واستعمال الوحدة السكنية فى غير الغرض المبين بالعقد فمن حق مالك الوحدة ان يرفع دعوى لفسخ عقد الإيجار، وفى حالة ارتكاب مخالفة بالوحدة السكنية المؤجرة فان العقوبة القانونية تقع على المستأجر «حائز العين» ولا يعاقب مالك الوحدة لانه ببساطة بإمكانه انكار معرفته بوجود مخالفات داخل وحدته السكنية، ولكن إذا كان الغرض المبين من تأجير الوحدة السكنية هو استعمالها كمخزن للمواد الكيماوية القابلة للإشتعال وثبت ذلك فى العقد يصبح مالك الوحدة شريكا للمستأجر فى العقوبة المقررة.
وأوضح مختار إنه فى حالة وقوع ضحايا فى شقة مستأجرة او تمليك فيمكن للنيابة ان تكيف الواقعة قانونيا باعتبارها قتل خطأ، فالمستأجر صاحب المخزن خالف اللوائح ولم يتخذ التدابير اللازمة لمنع الخطر مما أسفر عن خسارة فى الأرواح، وتكون العقوبة وفقًا للمادة 238 من قانون العقوبات والتى تطبق على المنشآت غير المقيدة لدى الأمن الصناعى فإن من تسبب خطأ فى موت شخص آخر نتيجة عن اهماله وعدم مراعاته للقوانين، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولاتزيد عن ثلاث سنوات، وبغرامة لا تتجاوز مائتى جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنوات اذا نتج عن الفعل وفاة اكثر من ثلاثة اشخاص، أما المقيد فيطبق عليه عقوبات قانون العمل.
وتابع مختار بأن المادة 244 من ذات القانون تنص على ان من تسبب خطأ فى جرح شخص او ايذائه نتيجة للأسباب السالف ذكرها فانه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز مائتى جنيه او باحدى هاتين العقوبتين، أما فى حالة تسببه فى عاهة مستديمة فإن العقوبة لا تزيد على سنتين سجن، وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه او احدى هاتين العقوبتين، أما فى حالة نتج عن الجريمة اصابة أكثر من ثلاثة اشخاص تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات.


الموقف القانوني


ويشير د. مجدى صليب، مدير المركز القومى لدراسات السلامة والصحة المهنية سابقًا، الى ان جميع المنشآت داخل مصر تخضع لمجموعة من الاشتراطات فى اطار قانون العمل ضمن باب الكتاب الخامس الخاص بالسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل، وهذا الباب يبدأ من المادة 202 حتى 231، يلزم جميع الهيئات والمنشآت بالمعايير والمستويات الدولية وحدود الأمان اللازمة لضمان سلامة العمال والبيئة المحيطة. 


ويضيف صليب ان المركز يضم مجموعة من المهندسين والكيميائيين والأطباء، يعملون على التفتيش على المنشآت والهيئات المقيدة لدى المركز حسب المنطقة التابعة لها بصفة دورية للتأكد من توافر شروط الأمان والمعايير التى نص عليها القانون بما فى ذلك طرق التخزين الصحيحة وغيرها من الإشتراطات الأخرى، أما المنشآت والمخازن بدون ترخيص غير المسجلة بالمركز فلا يستطيع تفتيشها إلا ببلاغ رسمى، وبموجب الضبطية القضائية للمفتشين يتم تفتيش المنشآة المبلغ عنها، ثم كتابة مذكرة بالواقعة ويتم إغلاق المنشأة اذا ثبت وجود مخالفات.


 ويتابع صليب أن العقوبات وفقا للمادة 256 بقانون العمل تنص على معاقبة كل من يخالف أحكام الكتاب الخامس بشأن السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل بالحبس لمدة لاتقل عن 3 أشهر وغرامة لاتقل عن ألف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه، أو احدى هاتين العقوبتين، وتكون عقوبتا الحبس والغرامة المنصوص عليهما وجوبيتين إذا ترتب على الجريمة الوفاة أو الإصابة الجسيمة، وتضاعف الغرامة فى حالة التكرار، الأمر الذي أكده د. أحمد هيبة، خبير السلامة والصحة المهنية، وأنه ينطبق على محال المواد الكيماوية المتمثلة فى منتجات المنظفات والدهانات وغيرها، وتخضع لشروط الأمن والسلامة لاصدار التراخيص اللازمة لها مؤكدًا على ضرورة تشديد الرقابة عليها ومعظمها بدون ترخيص، وتعد خطرا داهما على سلامة وأمن السكان.


ويضيف أحمد الأحمر، الخبير القانونى والمستشار بالتحكيم الدولى، أنه فى حالة مخالفة اشتراطات الترخيص للمخزن فمن حق الجهات المختصة إغلاقها دون الحاجة لانتظار حكم قضائى، ويتم وضعه تحت بند مخالفة قانونية تسمى إدارة نشاط بدون ترخيص، ويحكم فيها بالغلق والمصادرة والغرامة المادية وتصل للحبس فى حالة تكرارها، وفى حالة وجود مخزن داخل عقار سكنى فإنه يجب على السكان ابلاغ الجهات المختصة مثل الحى او مباحث التموين او المباحث العامة، ويحق لهذه الجهات استصدار أمر من النيابة بكسر الشقة المبلغ عنها فى حال كانت مغلقة وقت الضبط والدخول واتخاذ الاجراءات القانونية حيال الأمر من تحريز للمواد المتواجدة على ذمة القضية والعرض على النيابة المختصة للنظر وكذلك غلق المكان اداريا.


 أبواب خلفية


يتخذ اصحاب محلات المنظفات والمواد الكيميائية من بعض الوحدات بنظام الإيجار الجديد بابا خلفيا لوضع المواد الخاصة بهم داخل الوحدات السكنية، فهى أوفر فى تكلفة نقل المواد من المخزن الى المتجر مقارنة بالابتعاد عن النطاق السكنى لتبقى هذه الوحدات سكنية على الورق وذلك بحسب تأكيد بعض العاملين فى مجال الدهانات والمنظفات، ويتفق ذلك مع آخر تقرير أصدره الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لعام 2017 والذى اوضح أن عدد الوحدات السكنية يبلغ 23 مليون وحدة سكنية، منها نسبة الوحدات المؤجرة بنظام الإيجار الجديد 7.2% وكذلك نسبة 4 %0.للسكن والعمل معًا.
وبحسب إحصاء لمنظمة الصحة العالمية لعام 2017 اتضح أن أكثر من 195 ألف حالة وفاة  بحرق كيميائى سنويًا على مستوى العالم، وتكون أعلى معدلات للوفيات فى مرحلتى الطفولة والشيخوخة.


تفاعلات قاتلة 


وعن كيفية تفاعل المواد الكيميائية، يوضح د جهاد جنيدى، استاذ الكيمياء التحليلية وغير العضوية بجامعة القاهرة، أن المواد الخاصة بالدهانات والمنظفات كالبوتاس والكلور تحتاج الى تخزين بشكل دقيق لتفادى عملية التفاعل بينهم او التفاعل مع الهواء المحيط خاصة بخار الماء المتواجد بالهواء لذلك التهوية الجيدة أساس التخزين.


ويضيف جنيدى أن البوتاس يتفاعل مع بخار الماء وكذلك الأكسجين المتواجد فى الهواء العادى، وعند اشتعاله يتسبب فى خروج ابخرة تؤدى لمستنشقها الى تلف الانسجة داخل الجسد فورًا، أما البويات فهى تتكون من سوائل راتنجات ومذيبات تتعرض للانصهار بسهولة، لذلك لديها قدرة على الغليان بشكل سريع، فاذا تم تخزينها دون تهوية جيدة ودرجة حرارة مناسبة تصل الى الغليان داخل البراميل او العبوات البلاستيكية المحفوظة داخلها وتنفجر، لذلك فإن المخزن الخاص بمواد الدهانات والتنظيف لابد ان يكون بعيدًا عن الوحدات السكنية ولابد ان يخضع للاشتراطات التى وضعتها وزارة التجارة والصناعة حتى لا يتسبب فى خسائر فى الأرواح.


نقص «العناية المركزة»


ويؤكد د. عادل أحمد، مدير مستشفى أهل مصر للحروق، أنه يأتى اليه عدد كبير من الحالات المصابة بحروق كيميائية سواء ممن يتعاملون مع تلك المواد المتفاعلة والقابلة للاشتعال أو ممن يتعرضون لحروق من المخازن من أجل تلقى العلاج وذلك بسبب نقص عدد غرف العناية المركزة وهى اول شيء يحتاج اليه مصاب الحرق الكيميائى وكذلك يوجد نقص فى العلاج وعدد الأسِرة المخصصة للحروق، مضيفًا أن مصاب الحرق الكيميائى يحتاج عناية بدرجة أعلى وأن اعدادهم فى زيادة مستمرة بسبب الاهمال فى تطبيق اشتراطات السلامة، وانتشار مخازن المواد الكيميائية داخل الكتل السكنية.
مواجهة الجهات المسئولة


توصل معدا التحقيق إلى أربع جهات تراقب على مخازن الكيماويات وكذلك لديها صلاحية القبض على المخالفين لاشتراطات تخزين المواد الكيميائية وهى التى حددها المهندس عماد رأفت، نائب رئيس هيئة التنمية الصناعية للتراخيص والخدمات الصناعية، والتى توصلنا اليها بعد رحلة البحث المطولة بين مسؤولى الأحياء.


يقول عماد رأفت أنه يوجد شقان من التراخيص الأول هو الحصول على موافقة لاستيراد تلك المواد من الخارج لأن مصر لا تصنعها وهذا الشق مرتبط بالثانى وهو الحصول على ترخيص للمكان الذى سيتم الترخيص فيه والذى لابد ان يكون خاض للاشتراطات التى وضعتها وزارة التجارة والصناعة بخصوص التهوية والمساحة وكذلك مخارج الطوارئ والبعد عن الاماكن السكنية، ومن لايوجد لديه ترخيص لمكان يصلح لتخزين المواد الكيميائية القابلة للاشتعال لايمكنه ابدًا الحصول على موافقة للاستيراد.


واجهناه بما رصدته «الأخبار» خلال التحقيق وانه يوجد من يخالف تلك الاشتراطات ويتحايل عليها بطرق متعددة، فأكد أن من يخالف ذلك “هيتقطع رقبته” لأن ذلك متعلق بسلامة السكان والأرواح، وانه يوجد رقابة بشكل دورى على جميع المواد داخل المخازن من خلال كنترول مكون من متخصصين يتابعون دوريات استيراد تلك المواد وطريقة التخزين ويشترك معه فى الرقابة ايضًا هيئة الرقابة الصناعية بالتعاون مع الأمن العام.


تواصلنا مع المسئولين فى هيئة الرقابة الصناعية وتحديدًا رئيس الهيئة، الكيميائى ابراهيم المانسترلى، والذى نفى بدوره مسؤولية الرقابة على المخازن والأسواق.. وأكد ان دوره يقتصر فقط على الرقابة على المصانع ولديه صلاحيات الضبطية القضائية التى تتيح له تفتيشها، وأن من يختص بالتفتيش على مخازن الكيماويات وبضبط المخالفات بالمخازن والأسواق هو الأحياء وهيئة التنمية الصناعية.


تواصلنا مع المسؤولين بحى شبرا الخيمة وهو الحى الذى يتواجد فيه أكثر من مخزن للمواد الكيميائية بالفعل، فأكدت لمياء سعد، رئيس قسم التراخيص بحى غرب شبرا الخيمة، أن التفتيش على المخازن او المحلات الخاصة بالمواد الكيميائية سواء كانت دهانات او منظفات او غيرها ليس من اختصاص الحى، حيث يتولى الأمن الصناعى المسؤولية وأشارت إلى ان موظفى الحى لايملكون صفة الضبطية القضائية.


وتابعت أن مهمة الحى هى التأكد من صحة الاوراق المقدمة للموافقة على اصدار الترخيص أو تجديده، أما التأكد من توافر الاشتراطات الخاصة بالأمن والسلامة مثل وجود طفايات الحريق وابعاد المخزن وغيرها من الشروط، فهى من اختصاص الحماية المدنية، ويحق للحى إغلاق المنشآت المخالفة بعد تقديم مذكرة من الجهات الرقابية بالتعاون مع الشرطة .


أضرار كبيرة وخطيرة


ومن جانبه يقول اللواء علاء عبد الظاهر مدير الإدارة العامة للحماية المدنية فى القاهرة، ان وجود مخازن للمواد الكيماوية والقابلة للاشتعال داخل المناطق السكنية  غير شرعى ومخالف للقانون، ويسمح لمحال بيع المواد الكيماوية مثل الدهان والمنظفات وغيرها فى حال كانت مرخصة ويتوافر بها شروط الأمن والسلامة، ويضيف عبد الظاهر ان الحماية المدنية تتولى الأمر فقط بعد وقوع الحادث، وفى حال تلقت بلاغات وشكاوى بوجود مثل هذه المنشآت المخالفة او وجود حريق ناتج عنها فان الحماية المدنية تقوم بالمعاينة وتخطر الأحياء لإغلاقها واتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة.


وعن طبيعة وأضرار الحرائق الناتجة عن المواد الكيماوية وكيفية التعامل معها أكد انه يتم التعامل مع الحرائق وفقا لنوع المواد المتسببة فى الحريق وأشكاله، فهناك مواد يتم التعامل معها بالماء واخرى بالبودرة وغيرها من الانواع المختلفة، وتكون الحرائق الناتجة عن المواد الكيماوية ذات أضرار كبيرة وخطيرة على حياة الانسان.