«أدوية الأورام»... حـائرة بين النقــــــــص والغــــــش

نقص وغلاء بأدوية الأورام
نقص وغلاء بأدوية الأورام

«الــدواء نـاقص» الــرد الأشهـر للصيادلة.. والسـوق الســـــــــــــــوداء تنتعــــش


الأزمة الكبرى التى تلت ارتفاع ثمن الأدوية فكانت اختفاء العديد من الأصناف خاصة بعد أن توقفت بعض الشركات عن توريدها، لينتهى الحال بالمريض إما إلى الوقوع فريسة لتجار السوق السوداء الذين تعد معظم أدويتهم مغشوشة، أو اللجوء لعلاج بديل، أو أخيراً انتظار الموت بعد الفشل فى توفير ثمن الجرعات المطلوبة.

معاناة شهرية


«منين أوفر ميزانية كاملة لعلاجى ومنين أعلم ولادى ومنين أصلاً أقدر أعيش فى الظروف اللى احنا فيها دى» بهذه الكلمات بدأت منال شعبان، موظفة بهيئة المساحة وإحدى المكافحات ضد السرطان حديثها عن معاناتها الشهرية فى محاولة توفير ثمن علاجها بالرغم من خضوعها لمظلة التأمين الصحى، فأوضحت قائلة « أنا رحلتى بدأت من 5 سنين مع سرطان الثدى وكنت بتعالج تبع التأمين الصحى، لكن بعد رحلة طويلة من العلاج رجع السرطان تانى للثدى والكبد والمرة دى الحالة تدهورت جدا فكتبلى الدكتور حقنة «زوميتا» لكن للأسف التأمين رفض تماماً أنه يصرفها لى ومبقاش عندى حل إلا أنى أحاول أوفر تمنها بنفسى، دا غير أدوية كتيرة برضه التأمين بيرفض صرفها».


وتضيف منال أنها حاولت بكل الطرق شراء الحقنة شهرياً من راتبها إلا أنها فشلت فى ذلك، خاصة بعد أن وصل ثمنها إلى 1375 جنيها، وهو الأمر الذى استحال توفيره بعد انفصالها عن زوجها وتربيتها لأطفالها الإثنين، وهنا بدأت صديقاتها فى العمل فى محاولة توفير المبلغ شهرياً من راتبهن الخاص إلا أن الأمر لم يطل، فاضطرت إلى الاستغناء عنه بشكل نهائى، لتأخذ مسكنات مؤقتة أقل سعراً وتتحمل آلاما تنهش بجسدها يومياً.


أما «م.و» 55 عاماً موظف يعانى من سرطان المخ فأشار إلى أنه فشل فى محاولة العلاج على نفقة الدولة، لذا يضطر إلقاء مسئولية علاجه على ولده الوحيد، فأوضح قائلاً: «من كام سنة عملت عملية استئصال للورم لكن رجع مرة تانية، والدكتور قال إنى مش هقدر أتحمل جلسات الكيماوى فكتبلى كبسولات شهرية اسمها «تيمودال» أمشى عليها بس للأسف اتصدمت ان تمنها وصل لـ2900 جنيه، ودى أكبر من راتب ابنى الشهرى مرة ونص وللأسف حالياً بلف على كل الجمعيات الخيرية عشان أحاول اوفر بس تمنها، او استنى بقى الموت فى ميعادى».


ويثضى المرضى أيام طويلة بالتنقل بين الصيدليات لتوفير العلاج اللازم إلا أنه فى الفترة الأخيرة كانت كلمة «آسفين الدوا ناقص من السوق يا فندم» هى الأكثر ترديداً على ألسنة الصيادلة، فقالت «رحمة عبد الله» مريضة بسرطان الكبد أنها خلال الـ6 أشهر الماضية وجدت معاناة كبيرة فى إيجاد كبسولات «ليفاجول» والتى تحتاج منها لـ3 عبوات شهرياً، وأوضحت أنها بدأت إلى اللجوء لصفحات «الفيس بوك» للبحث عن العلاج بجانب توصية كافة أقاربها ومعارفها لمحاولة البحث بالصيدليات القريبة منهم، وأكدت رحمة أنها فى الكثير من الأحيان تصادف بالفعل من لديه كميات من هذه الكبسولات لكن بسعر أغلى من الأصلى بنحو الـ50%.


ولم تختلف رواية «م.ط» طالبة جامعية عن سابقتها، فالبحث عن العلاج أصبح مهمة شاقة لها ولأسرتها إلا أنها فى هذه المرة صُدمت بعلاج مغشوش من أحد التجار، فأوضحت لنا أنها تعتمد على عقار «مابثيرا» فى رحلة علاجها، وعندما تعز عن إيجاده فى الصيدلية تضطر إلى اللجوء لأحد التجار المعروفين بتوفير عقارات الأورام، إلا أنها وفى المرة الأخيرة فى التعامل معه تفاجأت بأن العلاج مغشوش.


حل جذرى


أكد د. أسامة رستم نائب رئيس غرفة صناعة الدواء، أن هناك أزمة بالفعل فى أدوية الأورام سواء فى أسعارها المرتفعة أو فى النقص المستمر بالصيدليات، وهنا لابد من البحث عن حل جذرى يضمن لنا الاستمرار فى ضخها للمواطن المصرى، وأضاف أن هذا الحل لن نتوصل إليه إلا عن الطريق فتح مجال للتحاور المثمر مع الشركات المستوردة لهذه الأدوية، نظراً إلى أنه تقريباً يتم استيراد كل ما له علاقة بصناعة الدواء، ويستهدف الحوار فى مرحلته الأولى التوصل لأسباب النقص فى بعض الأصناف الخاصة بالأورام، والإعلان عنها لتتوقف حالة الجدل الدائمة والشكوى من النقص دون التعرف على المبرر الحقيقى، فنتعرف من خلال التحاور هل الأزمة ناتجة من نقص الدواء نفسه بالخارج فهنا الشركات ليست المتسبب الأول، أم بسبب تأخر وصول مادة خام معينة وعليه فإن الدواء سيستمر فى النقص لمدة محددة يتم الإعلان عنها، وأوضح رستم أن هذه الطريقة توصلنا إلى محاولة فتح أبواب لحل الأزمات التى تمر بها صناعة أدوية الأورام، خاصة وأنه بالرغم من وجود خطوط إنتاج مصرية إلا أن هناك أدوية تُصنع بتكنولوجيا غير متوفرة بمصر، كما ان هناك أصناف حديثة ليس لنا الحق فى تصنيعها حتى الآن.


نتيجة متوقعة


أما عن أزمة ارتفاع أسعار بعض الأصناف أشار رستم إلى أن ذلك كان نتيجة متوقعة لقرار تعويم الجنيه، والذى على أساسه طالبت الشركات المستوردة أن يتم رفع أسعار الأدوية والتى ارتفعت بالفعل خلال فترة وجيزة، وأوضح قائلاً «قبل التعويم كان الدواء يستورد على سبيل المثال بـ10 دولارات أى ما يعادل نحو 88 جنيهاً فيتم بيعه للمواطن المصرى بـ100 جنيه إلا أنه وبشكل مفاجئ وبعد قرار التعويم مباشرة أصبح المستورد يحصل على الدواء بما بعادل 170 جنيها مصريا فى الوقت الذى تطالبه الحكومة فيه بعدم رفع السعر للمواطن وهو ما كان أمراً مستحيلاً، فاضطرت للمطالبة برفع الأسعار وهو ما تم بالفعل».
كارثة قريبة


ومن جانبه أكد محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، أن الوضع فى سوق الدواء ينذر بكارثة كبيرة ما لم تتدارك الدولة الأمر وتحاول حل الأزمة مع الشركات، وأضاف أن الأمر الأكثر خطورة هو وجود نقص فى أدوية ليس لها بدائل فى الأسواق المحلية مما يؤثر بشكل كبير على المريض حتى وصل الأمر فى بعض الحالات إلى الوفاة انتظاراً للعلاج.