علاج الأورام| «الخاص».. استنزاف بلا نهاية

أحدث الأجهزة التي توفرها المراكز الخاصة بأسعار خيالية
أحدث الأجهزة التي توفرها المراكز الخاصة بأسعار خيالية

- الكشف بـ 700 جنيه.. والأشعة بـ 5 آلاف.. وجلسات العلاج بـ 45 ألفاً
- سمر: الموت المصير الوحيد للعاجزين عن الدفع
- أم مريم : تضارب التشخيص كلفنى تحويشة عمرى

مئات الآلاف من الجنيهات يتكبدها مرضى الأورام مقابل الحصول على علاج لآلامهم داخل واحدة من المراكز الخاصة لعلاج الأورام، فبالرغم من وجود العديد ممن يتوجهون طوعاً إلى تلك المراكز إلا أن هناك المئات ممن اضطروا إلى اللجوء إليها بعد أن فشلوا فى استصدار قرار للعلاج على نفقة الدولة أو التأمين الصحى، وبالرغم أيضاً من جودة الخدمة المقدمة بتلك المراكز إلا أنها «لا ترحم» من لا يستطيع الدفع مقابل الخدمة المقدمة، ليجد قطاعا كبيرا من المرضى أنفسهم أمام معادلة صعبة بين التشبث بالحياة وتوفير مقابلها المادى.. بدأنا رحلة لرصد ما يتكبده مريض السرطان من أموال بدءاً من العيادات الخاصة، مروراً بمراكز الأشعة المختلفة، وصولاً لمراكز العلاج.


فيزيتا خيالية


البداية مع عدد من عيادات أطباء الأورام بمحافظتى القاهرة والجيزة، رصدنا خلالها قيمة «الفيزيتا» الخاصة بالكشف المبدئى لدى الطبيب، والتى وجدناها تتراوح بين 200 إلى 700 جنيه، وذلك وفقاً لشهرة الطبيب والجهة التى يعمل بها، فكان استشاريون الأورام والمدرسون المساعدون بكليات الطب الأقل فى سعر «الفيزيتا» التى تراوحت ما بين 200 إلى 350 جنيها، تلتها فئة أساتذة جراحة الأورام بجامعة القاهرة والمعهد القومى للأورام بفيزيتا ما بين الـ400 إلى 700 جنيه، وفى أغلب العيادات كان على المريض الحجز قبل الموعد بـ 24 ساعة إلا أن بعض العيادات لم يتوفر بها الحجز إلا قبل 5 أيام على الأقل من تحديد الموعد.


وبالرغم من ارتفاع سعر الكشف بعدد من العيادات إلا أن على المريض الانتظار إلى ما بعد منتصف الليل فى بعض الأحيان، نظراً إلى بدء العمل بكل تلك العيادات فى الفترة المسائية فقط بعد أن ينهى الطبيب عمله بالمستشفى أو المعهد الذى يعمل بها.


ولا يكتفى الأمر بثمن «فيزتيا» الكشف بل إن على المريض دفع مبلغ آخر لكل استشارة، وتكون فى أغلب الأحيان نصف قيمة الكشف، وفى البعض الآخر نفس قيمة الكشف الأول.


5 آلاف للأشعة


وعقب الكشف المبدئى يطلب الطبيب عادة من المريض عدداً من الأشعة والتحاليل والعينات، لتبدأ رحلة التنقل بين مراكز الأشعة للقيام بالعدد المطلوب من الأشعة، ومن هنا تجولنا بعدد من مراكز الأشعة لرصد تكاليف أبرز الأشعة المطلوبة من مرضى الأورام، ومن منطقة باب اللوق - حيث تنتشر مراكز الأشعة - تراوحت تكلفة «المسح الذرى» ما بين 600 إلى 850 جنيها، وفقاً لنوع العضو المراد مسحه ذرياً ما بين العظام والقلب والغدة الدرقية، وعلى المريض الحجز قبلها بأسبوع على الأقل، أما أشعة «الماموجرام» فبلغ سعرها بأحد مراكز أشعة التحرير 1050 جنيهاً، بينما بلغ سعره بأحد مراكز منطقة المهندسين 1200 جنيه، كما بلغ قيمة الرنين المغناطيسى ما بين 1200 إلى 1600 جنيه، تتغير وفقاً لرغبة المريض فى تسلم تقرير مفصل أم نتيجة الرنين فقط، أما ما بذلنا جهداً حتى نصل إلى مركز يوفره فكانت أشعة الـ «بى تى سكان» والتى أكدت غالبية مراكز الأشعة أنها لا توفرها إلا أننا وجدناها بأحد مراكز الأشعة بالمهندسين وبلغت تكلفتها 5500 جنيه، وعلى المريض الحجز بدفعة وقيمتها ألفا جنيه لحين إتمام الأشعة.


عامان من المعاناة


وبطبيعة الحال يبدأ المريض فوراً فى العلاج بعد المرور بالمرحلتين السابقتين، إلا أنه فى بعض الأحيان تستغرق هذة الجولة سنوات طويلة، وهذا تحديداً ما مرت به الطفلة « مريم محمد سيد» 10 سنوات، والتى تم تشخيصها بورم فى العظام، فاستغرقت جولة الأشعة والتنقل بين أطباء الأورام نحو العامين تكبدت خلالها أسرتها آلاف الجنيهات، وتروى لنا والدتها القصة قائلة: «منذ عامين سقطت مريم فجأة فى فناء المدرسة وعقب إجراء الأشعة تبين إصابتها بورم فى عظمة الساعد فتوجهت إلى عيادة الأورام بأحد المستشفيات العامة بالمحلة الكبرى، إلا أن الأطباء وجهونى لقسم العظام الذى عادنى مرة أخرى للأورام وعلى هذا الحال تنقلت لأيام طويلة حتى ندمت على توجهى للمشفى، لتبدأ رحلتى مع أطباء الأورام».


تضارب التشخيص


وأضافت أن الطبيب الأول لـ «مريم» طلب عدداً من الإشعات تكلفت نحو 4 آلاف جنيه بجانب الكشف والاستشارات، إلا أنه أكد لها فى نهاية الأمر أن عليها إجراء عملية تبلغ 45 ألف جنيه، فعليه تغيير عظمة الساعد عن طريق الاستعانة بعظمة ساعد الفخد، وهو ما كان مستحيلاً للأسرة نظراً لعدم قدرتها على توفير ذلك المبلغ، فاضطرت الأم إلى الحجز لدى طبيب آخر بالقاهرة أملاً فى إيجاد حل آخر، فقالت « المرة دى حجزت عند دكتور فى كشفه بـ 600 جنيه، وهو أكدلى أن مش لازم تعمل العملية وأن تشخيص الدكتو الأول كان غلط، فركبلها جهاز وكتب روشته فيها كالسيوم وأدوية تانية بتكلفنى 320 جنيه كل 14 يوم، لكن للأسف بعد كام شهر وقعت وقعة بسيطة فاضطر الدكتور يجبسها ولما جينا نفك الجبس، الدكتور رفض يكمل فكه وأكد أن عظمة الذراع تفتت والورم انتشر، وهنا اضطريت أروح لدكتور أورام للمرة التالتة واللى كان عنده تشخيص جديد للحالة لكنه حولنى فى الآخر على معهد ناصر بعد ما اكتشفنا ان ممكن مريم تتعالج تبع التأمين، لكن بعد ما صرفت اللى ورايا واللى قدامى».


المراكز الخاصة


تنتشر على مستوى الجمهورية العديد من مراكز علاج الأورام الخاصة داخل وخارج المستشفيات، ويدفع بها المريض مئات الجنيهات فى رحلة علاج طويلة، ومن هؤلاء المرضى قابلنا سمر سيد مريضة بدأت رحلتها بسرطان الثدى ثم انتشر للعظام وأخيراً المخ، فأكدت لنا سمر أن المراكز الخاصة بالرغم من تكلفتها الطائلة إلا أنها استطاعت تفادى العديد من مساوئ المعاهد الحكومية من قوائم الانتظار الطويلة وسوء معاملة المريض والروتينية الشديدة والساعات التى يقضيها المريض فى انتظار الجرعة اللازمة.


وأضافت سمر قائلة «رحلتى مع السرطان بدأت من 4 سنين فى البداية فكرت اتعالج فى معهد حكومى لكن لما روحت مع صديقة ليا بتتعالج هناك قررت اروح لمركز خاص، وطبعا بدفع كل التكاليف لكن بما أنى متأمن عليها فالشغل بيردلى نسبة كبيرة من ثمن الفواتير»، وأكدت سمر أن هناك جلسات تصل ثمنها لـ45 ألف جنيه داخل المراكز، كما أن الأمر ليس وردياً فأحيانا نقص نوع معين من المواد يدفع الأطباء لتغيير جلسة الكيماوى بأكملها.


سرطان انتشارى


أضافت سمر أن أصعب ما مرت به خلال رحلة العلاج هو اضطرارها لتوديع عدد من صديقاتها توفوا خلال رحلة العلاج وتركوا أطفالا فى عمر الزهور بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكلفة العلاج، فأوضحت قائلة: « إحساسى بالعجز وأنا أرى الموت يحيط بمن حولى بسبب عدم قدرتنا على توفير ثمن جلسات العلاج هو أمر لم أعد استطيع تحمله، فما ذنب من أصيب بهذا المرض أن ترفض الدولة أن توفر له العلاج خاصة وأنه كان «علاج موجه» أى علاج للسرطان الانتشارى ويصاب به المريض مرة أخرى بعد شفائه، فكل من التأمين والعلاج على نفقة الدولة يرفضون توفير جلسات علاج السرطان الانتشارى والتى تصل إلى 35 ألف جنيه».