«قانون التجارب السريرية» من يحمي الفقراء من استغلالهم كفئران تجارب؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

«الصحة»: تشكيل «مجلس أعلى لأخلاقيات البحوث الطبية» يُمثل به جميع أطياف الدولة

 «الصيادلة»: القانون أغفل تمثيل النقابات الطبية المختصة

 «نصير»: التجارب العلمية تختلس حق الإنسان وتلعب على وتر فقرهم وتستهدف البسطاء

«كريمة»: مخالف للشرع والدستور ويجعل الغلابة حقل تجارب

 

 أثار مشروع قانون تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية والتجارب السريرية جدلًا واسعًا منذ الإعلان عنه وحتى عقب موافقة لجنة الصحة بالبرلمان عليه، إذ يتخوف كثيرون من تحول المصريين لفئران تجارب لشركات الأدوية العالمية جراء هذا القانون، ويفتح الباب أمام عمليات السمسرة والتجارة بالفقراء، واستغلالهم في تجريب الأدوية وإجراء البحوث الطبية والعلاجية عليهم، ولذا أرسلت نقابات الأطباء والصيادلة بملاحظاتها للبرلمان حول مشروع القانون الجديد.

 

فيما رأى البعض الآخر أن القانون ينظم العلاقة بين الباحثين والمبحوثين «الذين يجرى عليهم البحث» وبين راعى البحث «من يمول البحث من شركات»،كما يحفظ حقوق جميع الأطراف وفق القانون واللوائح المنظمة، ويفتح الباب أمام استثمارات الشركات العالمية للأدوية في مصر، ويرى فريق ثالث من علماء الدين اتجه إلى تحريم مشروع القانون، وأكدوا على مخالفته لنصوص الشرع.

 

«الصحة»: القانون يحمى كل الأطراف

في البداية، قال د. أحمد عماد الدين، وزير الصحة والسكان، إن خروج هذا القانون إلى النور يُعد إنجازًا حقيقيًا جديدًا على أرض الواقع، ونقلة نوعية كبيرة في منظومة البحث الطبي الإكلينيكي، بعد أن كان مشتتًا وعشوائيًا لسنوات عديدة، لافتًا إلى أن هذا القانون سينظم العلاقة بين الباحث، والمؤسسة التي سيتم إجراء البحث معهم، والمبحوثين «الذين سيتم إجراء البحث عليهم»، بالإضافة إلى حماية كل تلك الأطراف.

 

وأوضح أن هذا القانون سيجذب استثمارات كبيرة للدولة مع فتح آفاق جديدة للعلم والأبحاث الطبية لكي تضعنا على الخريطة العالمية للبحث الطبي الإكلينيكي.


وشدد على أن «المصريين مش حقل تجارب»، وأن هذا القانون سيضمن أن الأبحاث التي ستجرى في مصر ستلتزم بأحكام القوانين والمواثيق واللوائح المصرية وستكون مطابقة للمعايير والمبادئ الأخلاقية الدولية المتعارف عليها، كما سيلتزم الباحثون ورعاة البحث بتقديم كافة أوجه الرعاية للحفاظ على المبحوثين فضلًا عن الحفاظ التام لملكية العينات المصرية.


وأكد أنه من ضمن مواد القانون هو إنشاء «مجلس أعلى لأخلاقيات البحوث الطبية» على غرار معظم دول العالم، وسيُمثل به جميع أطياف الدولة، بالإضافة إلى وضع سقف زمني يصل إلى 120 يوما للحصول على موافقة الدولة لإجراء تلك البحوث، بعد أن كانت تعوق الباحثين، حيث كانت تصل إلى أكثر من عام.

وأشار إلى أن تلك الخطوة تعد نقلة نوعية في تنظيم الأبحاث، بالإضافة إلى إبرام بروتوكول موثق بين جميع أطراف المشروع البحثي قبل البدء فيه ويتم مراجعته والموافقة عليه من قبل اللجان المؤسسية المعنية.

 

«لجنة الأخلاقيات»

أما د. عزة صالح، أستاذة الباثولوجيا الإكلينيكية والكيميائية ورئيس الإدارة المركزية للبحوث والتنمية الصحية بوزارة الصحة ومقرر اللجنة التي أعدت القانون، فأكدت أنه سيتم إنشاء لجنة تسجل في وزارة الصحة داخل كل منشأة بحثية تسمى «اللجنة المؤسسية لأخلاقيات البحث العلمي» والتي ستختص برعاية حقوق وأمان ومصلحة المبحوثين «الذي سيجرى عليهم البحث» مع مراقبة الباحث الرئيسي وراعي البحث «من يمول البحث العلمي» اذا وجد.


ولفتت إلى أن القانون سيضمن إجراء البحوث الطبية الإكلينيكية على المبحوثين في مصر بداية من المرحلة الثالثة بعد التأكد من سلامة إجراء المرحلتين الأولى والثانية في بلد المنشأ وذلك حفاظًا على سلامة المبحوثين، لافتة إلى أن المواد 15 و16 و17 من القانون تنص على الالتزام الكامل بالحفاظ على حقوق المبحوثين وبياناتهم الطبية وعدم إجراء أية دراسات أو أبحاث عليهم إلا بعد الحصول على موافقتهم.


وكشفت أن القانون وضع شروط وإجراءات والتزامات على الباحث الذي سيجري الأبحاث، ومنها أن يكون حسن السمعة وأن يكون مؤهلا لإجراء أبحاث علمية، فضلًا عن الالتزام بالقوانين واللوائح المصرية ذات الصلة وأن يطبق مبادئ الممارسة الطبية الجيدة والمعايير المحلية والعالمية المتفق عليها في هذا الشأن.


وأكدت أن القانون تضمن احترام آراء ورغبات المبحوثين، حيث ألزم القانون راعي البحث «الذي سيمول البحث» بالإبلاغ الفوري للمبحوثين المشاركين في البحث الطبي بأية تعديلات تجرى عليه، وبأية نتائج يمكن أن تؤثر بالسلب على سلامتهم وبالآثار الجانبية الخطيرة غير المتوقعة للبحث الطبي، مع الالتزام بإبرام عقد تأمين طبي لهم طيلة البحث الطبي، مع إضافة عام أخر في هذا القانون كإجراء احترازي، فضلًا عن تقديم العلاج اللازم لهم في حالة الإصابة ذات الصلة بالبحث الطبي، بالإضافة إلى استكمال العلاج لمن يثبت حاجته لذلك منهم حتى بعد انتهاء البحث.

 

«ملكية العينات»

ولفتت إلى أن القانون تضمن الحفاظ على الملكية للعينات المصرية التي يتم تجميعها أثناء فترة البحث الطبي وبعدها، بموجب مقتضيات الحفاظ على الأمن القومي المصري، حيث تنص المادة 25 من هذا القانون بعدم تخزين أو خروج أية عينات أو المواد الفائضة منها خارج البلاد، لغرض استخدامها في بحوث مستقبلية أو إجراء أي تعديلات عليها دون الرجوع إلى الدولة، و بموافقة من المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية.


وشددت على أن القانون يضمن أن تتم تلك الأبحاث الطبية في مؤسسات طبية مسجلة في وزارة الصحة، كما تم استبعاد العيادات الخاصة من إجراء البحوث الطبية بها، مع وضع اشتراطات وتجهيزات طبية يجب أن تتوفر في المنشأة التي سيتم إجراء البحوث بها، مع وجود فريق طبي على كفاءة وشفافية وخبرة عالية.

 

«الحق فى الدواء»: ثورة في مجالات الطب

ويرى محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أن مصر في حاجة ماسة لقانون التجارب السريرية، لما له من أثر إيجابي علي صناعة الدواء، وزيادة فرص الاستثمارات فيها وحافز للشركات العالمية لاستثماراتها في مجالات الأبحاث الدوائية التي تخطت ٣٦٠ مليار دولار.

وأوضح أن هذا القانون سيحدث ثورة في مجالات الطب المختلفة، حيث سيساعد الطبيب علي سهولة استكمال أبحاثه، مشيرا إلى أن مصر تأخرت كثيرا في إقرار هذا القانون.

وشدد المركز علي حظر خضوع الأطفال والمرضي النفسيين للتجارب، ومراجعة كافة الفئات التي يتضمنها القانون، وأن تكون التجارب بعيدة تماما عن الإغراءات المادية، وأن تجري في مؤسسات حكومية فقط وجامعية، وأن تشدد العقوبات علي المخالفين، وأن تكون الشركات المصرح لها قامت بعمل التجربة الأولي والثانية في بلد المنشأ حتي نتفادى التجريب غير القانوني.

«الصيادلة»: 8 توصيات للقانون

وتقدمت نقابة الصيادلة بملاحظاتها على بعض مواد مشروع قانون التجارب السريرية المعروف باسم «تنظيم البحوث الطبية والإكلينيكية على المرضى المتطوعين»، وشملت الملاحظات 8 توصيات رئيسية:

 

1- ضرورة إضافة القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الاتجار بالبشر إلى مواد القانون الجديد.

 

2- القانون أغفل تمثيل النقابات الطبية المختصة.

 

3- القانون أغفل وجود ممثلين عن المبحوثين في المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية.

 

4- القانون لم يذكر آليات تشكيل اللجان المؤسسية لأخلاقيات البحوث الطبية وكذا الهيئات القومية للرقابة.

 

5- القانون أغفل دور الدولة فى رعاية الباحثين وأبحاثهم وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها وكذا حقوق الملكية الفكرية.

 

6- ضرورة وجود مواد توضح دور الدولة فى دعم شركات الدواء القومية، وتشجيع الاستثمار فى مجالات البحث العلمى تمهيداً لخلق مناخ مناسب للتصدير.

 

7- توضيح صفة الممثل القانوني للفئات المستحقة لحماية إضافية ودرجة قرابتهم لهم، وفى حال عدم وجود ممثل قانوني من الدرجة الأولى والثانية يجب أن توضح اللائحة التنفيذية اختصاص المجلس الأعلى بتعيين ممثل قانوني للحالات التي يتوجب فيها البحث بغرض العلاج مما فيه صالح تلك الفئات.

 

8- تعديل بعض المواد التي تتعلق بدعم الباحثين، حيث إن الدستور المصري نص صراحة على تشجيع البحث العلمي وخصص ميزانية له.

 

وقال الدكتور مصطفى الوكيل، وكيل النقابة للتخطيط والتنسيق الخارجي، إن النقابة لديها تخوفات من القانون وكان يجب أن يسبق هذا المشروع، قانون الهيئة المصرية العليا للدواء، لأن به جزءا ينظم مسألة إجراء البحوث الإكلينيكية والعمل على تطوير قطاع الدواء، مطالبًا بسرعة مناقشة قانون الهيئة العليا.

 

«الأطباء»: 12 توصية للقانون

 

أعلنت النقابة العامة للأطباء، عن وضع بعض الملاحظات على مشروع قانون البحوث الطبية الإكلينيكية

وأكدت النقابة، فى بيان لها، أن قانون تنظيم التجارب الطبية على البشر حتى لا يتحول المريض المصري لحقل تجارب شركات الأدوية لأن هذا الأمر يمس بصورة مباشرة سلامة المواطن المصري والأمن القومي المصري .

وأضافت :«فى حالة الأبحاث الطبية العالمية، يجب النص على ضرورة اعتماد البحث فى دولة المنشأ أولاً حتى لا يتحول المريض المصري لحقل للتجارب، إذ إن الدستور المصري يحرم الاعتداء على جسد الإنسان أو تشويهه، بجانب ضرورة أن يتوافق البحث والتدخل الطبي مع المعايير الأساسية لسلامة المريض ووضع إرشادات الممارسات السريرية الجيدة ( GCP ) العالمية» .

وشددت على ضرورة أن تقام عمليات التدخل البحثي والطبي فى المستشفيات الجامعية الحكومية والمراكز البحثية والتعليمية بصفتها فى الأساس العمل البحثى، بالإضافة إلى أن المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية، يجب أن يكون مجلس مستقل يتبع رئيس مجلس الوزراء، ويجب أن يراعى فيه التمثيل المتوازن بين وزارة الصحة والجامعات ومراكز البحث العلمى ( الجهات المختصة بالأبحاث ) ورجال الدين .

 وتضمنت ملاحظات النقابة أيضا، «المعايير الأساسية للتجريب يجب أن تكون جزء من القانون ولا تترك كلوائح داخلية للمجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية ( المادة 9 )، يجب وضع شروط حاكمة لاختيار المبحوثين، لمنع الوسطاء والسماسرة الذين يستغلون المواطنين الفقراء في وضعهم في التجارب البحثية، اللجنة المؤسسية لأخلاقيات البحوث الطبية بكل جهة بحثية ( المادة 10) يجب أن تكون تابعة ومسجلة بالمجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية وليس لأي جهة تنفيذية».

 وتابعت: «رسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعات تخضع لمراقبة اللجنة المؤسسية لأخلاقيات البحوث بالجامعة، يجب نشر كل البروتوكولات التفصيلية للتجارب التي يوافق عليها المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية على موقعها الرسمي، لضمان شفافية الإجراءات والحماية الكافية للمبحوثين، يجب نشر النتائج السلبية للتجارب، الالتزام بشروط حفظ ملفات المرضى والمبحوثين لمدة 20 سنة على الأقل وتقديم التعويض المناسب في حال وجود أي مضاعفات، التأمين على المبحوثين يجب أن يمتد لمدة 10 سنوات بعد البحث بشكل عام ( ضد أي مشاكل صحية)  ولمدة 20 سنة ضد أي مشاكل متعلقة بالبحث».

 

علماء الدين: القانون مخالف للشريعة                             

فيما رفضت د. آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وعضو لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، مشروع القانون، مؤكدة أنه محرم دينيًا، كما يفتقد للضوابط الأخلاقية، ويستغل ضعف المرضى وعدم قدرتهم على حسم أمرهم.

وأكدت «نصير» أن هذه التجارب العلمية تختلس حق الإنسان وتلعب على وتر فقرهم وتستهدف البسطاء.

وذكر د. أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن مشروع قانون التجارب السريرية والأبحاث الإكلينيكية مخالفًا للشريعة الإسلامية والدستور، مضيفًا: «يجعل الغلابة عبارة عن حقل تجارب».

وأكد «كريمة» أن هذا القانون مخالف لقول الله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، مضيفاً «هو يصل إلى درجة الانتحار، والهيئة الطبية المنفذة ستكون ملزمة بالقصاص».

وتساءل: «هل نقل الأعضاء خدم الفقراء أم الطائفة المسرفة فقط؟! سنظل محل تجارب وإكسسوار للخليج، الشعب المصري له حرية وكرامة.