«عبد الفتاح القصري» الكوميديان الذي أضحك الجمهور.. فأبكته الدنيا

عبد الفتاح القصري
عبد الفتاح القصري


عبد الفتاح القصري.. فنان رسم البسمة والضحكة على وجوه الناس فكانت جائزته في آخر أيامه أن أبكته الدنيا وغدر به أقرب الأقربين إليه.

 

على الرغم من أن القصري أفنى عمره في أضحاك الملايين إلا أنه على قدر الضحك الذي أضحكه للجمهور، بكى أشهره الأخيرة في الدنيا أكثر منها بكثير.

 

أكثر نموذج لغدر الدنيا والبشر، على الرغم أنه ابن لرجل ثري من تجار الذهب، إلا أنه توفى ولم يجد ثمن للأكل ولا للدواء ولا المأوى.

 

كان الفنان الراحل يمتلك سمة فريدة في الأداء التمثيلي بشكل عام والكوميدي بشكل خاص حيث اشتهر بقامته القصيرة وشعره الأملس وإحدى عينيه التي أصابها الحول فأصبح نجما كوميديا، بالإضافة إلى طريقته الخاصة في نطق الكلام وارتداء الملابس.

 

تمر، اليوم الأحد، ذكرى ميلاد الفنان عبد الفتاح القصري، الذي ولد في 15 أبريل عام 1905 بحي الجمالية، ودرس بمدرسة "الفرير" الفرنسية وتخرج من مدرسة القديس يوسف بالخرنفش.

 

أحب القصري التمثيل منذ الصغر، ومن فرط حبه بالتمثيل بدأ مشواره الفني ضد رغبة والده من خلال الالتحاق بفرقة "عبد الرحمن رشدي"، ثم فرقة "نجيب الريحاني" ثم فرقة "عزيز عيد" و"فاطمة رشدي".

 

ضحى بنصيبه من تركة أبيه الذي هدده بالحرمان من الميراث إذا لم يرجع عن تلك الهواية.

 

لعب القصري أدوار المعلم ابن البلد الغير متعلم على الرغم من أنه تعلم في "الفرير" الفرنسية ومدرسة القديس يوسف بالخرنفش، ولم يكن أميا كما أشيع عنه.

 

الريحاني هو الذي وضع يده على شخصيه المعلم أبن البلد التي صنعت شهرة القصري حتى اليوم وهو الذي ظل يدعمها ويضمها من مسرحيه إلى أخرى بل وانتقل بها صاحبها إلى شاشه السينما محققا من خلالها أقصى درجات النجاح الجماهيري.

 

شارك عبد الفتاح القصري فيما يقرب من 63 فيلم منها "ولو كنت غنى" و"السوق السوداء" و"الدنيا بخير" و"عودة طاقية الإخفاء" و"مجد ودموع" و"عروسة البحر" و"بنت المعلم" و"سكة السلامة" و"الصيت ولا الغنى" و"دموع الفرح" و"العقل زينة" و"حماتي قنبلة ذرية" و"بيت الأشباح" و"بيت النتاش" و"على كيفك" و"شمشون ولبلب" و"عشرة بلدي" و"حرام عليك" و"نساء بلا رجال" و"حسن ومرقص وكوهين" و"ابن حميدو" و"إسماعيل يس في مستشفى المجانين" و"بين ايديك"، وأخر أفلامه "سكر هانم" 1960.

 

ومن أشهر المسرحيات التي قدمها: "قسمتي" و"الدلوعة" و"الشايب لما يدلع" و"الجنية المصري" و"ماحدش واخد منها حاجة".

 

عبد الفتاح القصري هم نموذج لرجل رفعته الأيام إلى السماء السابعة وفجأة ألقت به دون أية مقدمات إلى ماهو أسفل من الأرض السابعة.

 

بدأت مأساة عبد الفتاح القصري في صيف 1962 حيث كان يقف على المسرح يؤدى أمام إسماعيل ياسين مشهدا في إحدى المسرحيات، وفجأة خرج من الديكور الجانبي على المسرح وأظلمت الدنيا في وجهه واكتشف أنه فقد بصره أخذ يتحسس قطع الديكور وهو يصرخ "مش شايف" وظن جمهور الصالة أنه جزء من المسرحية فزاد ضحكهم وتصفيقهم للرجل الذي كان يعتصر من الألم وأدرك إسماعيل ياسين أخيرا هول المأساة فأخذ بيده إلى الكواليس، لينفجر القصري في البكاء وهو يصيح "مش شايف".. "نظري راح ياناس" وعلى الفور تم نقله إلى المستشفى حيث تبين أن ارتفاع نسبة السكر هو المسؤول عن فقدانه البصر.

 

بعد ثلاثة أشهر عاد إليه بعض من بصره لكنه كان دخل في دوامة أخرى أشد وطأة فقد أجبرته زوجته الشابة على تطليقها بل وأجبرته على أن يكون شاهد على زواجها من صبى البقال الذي ظل القصري يرعاه لمده خمسة عشر عاما، وليس فقط ذلك بل عاشت مطلقته وزوجها الجديد في منزله وأمام عينيه ويتمتعان بأمواله، ويعامل منهما أسوأ معاملة.

 

وفي أحد الأيام اصطحبت الفنانة مارى منيب معها زميلتها الفنانة نجوى سالم وذهبتا في زيارة لصديق العمر في شقته المتواضعة وكان قد فقد ذاكرته أو جزءا كبيرا منها، وفقد أيضا البصر، وعلى الفور قررت مارى منيب إدخال القصري المستشفى على حسابها وأسرعت بالاتصال بمستشفى الدمرداش حتى تحجز له سريرا هناك، ويذكر أن عبد الحليم حافظ ومحمد الكحلاوي هما فقط اللذان زاراه في غرفته المتواضعة بمستشفى الدمرداش بالإضافة إلى نجوى سالم التي كانت لا تفارقه وتقسم معه لقمة عيشها.

 

لكن المأساة لم تنته عند هذا الحد فقد عاد الرجل بعد أسابيع إلى بيته ليكشف أن مطلقته باعت أثاث المنزل وتركته على البلاط وبعد أيام كان قد دخل من جديد إلى مستشفى القصر العيني بعد إصابته بتصلب الشرايين وأثرت على أجزاء كبيره من المخ مما أدى إلى فقدانه للذاكرة وإصابته بالهزيان وعلى الجانب الأخر كانت البلدية قد وضعت الشمع الأحمر على البيت الذي يسكن فيه تمهيدا لإزالته فأصبح الرجل ليس فقط أسير محنه المرض وإنما بلا مأوى أيضا.

 

وقامت نجوى سالم بمخاطبه كل الجهات لإنقاذ القصري فقررت نقابه الممثلين صرف إعانة عاجله قدرها عشرون جنيها، ومن المفارقة العجيبة أن النقابة الموقرة لم تنسى أن تخصم من مبلغ الإعانة سبعه جنيهات قيمة اشتراكات متأخرة على القصري!!.

 

كما قررت النقابة أن تصرف له معاشا شهريا قدره عشر جنيهات وسعت نجوى سالم أيضا لدى صلاح الدسوقي محافظ القاهرة وقتها فحصلت للقصري على شقة بالمساكن الشعبية في منطقة الشرابية إيجار 280 قرشا في الشهر ودفع يوسف السباعي من جيبه خمسين جنيها لشراء غرفة نوم، كما وفرت له نجوى سالم جهاز تليفزيون 14 بوصه عن طريق صلاح عامر رئيس مؤسسة السينما والمسرح والتليفزيون.

 

غير أن هذا كله لم يكن كافيا إذا كان علاج القصري يحتاج إلى نفقات دائمة فقادت الفنانة هند رستم حملة بين الفنانين للتبرع لعلاج زميلهم، ومن بين المتبرعين كان فريد الأطرش "100 جنية" عبد الحليم حافظ "50 جنيها" وشركة دولار فيلم وشركة الشرق "30 جنيها"، وجمال الليثي وجبرئيل تلحمى "25"، وشادية وعباس حلمي "20" وحلمي رفلة "15" ومارى كويني"10" وخمسة جنيهات من مريم فخر الدين وأحمد مظهر وحسن رضا وكامل حقناوي وحلمي عزب.

 

وحينما وضع القدر نهاية لتلك المأساة وأعلنت مستشفى المنيرة في التاسعة من صباح الأحد الثامن من مارس 1964 وفاة عبد الفتاح القصري بعد أيام من دخوله إليها لم تجد شقيقتة "بهية " بجوارها فى جنازته سوى نجوى سالم وصديقين له هما قدري المنجد وسعيد عسكري الشرطة وفى الطريق الى مدافن باب النصر توقفت السيارة لتلتقط رجلين أخريين حلاق وترزى ليحمل الرجال الاربعة على جثمان القصرى ويشيعوه الى مشواره الأخير.

 

ومن عجائب هذه الدنيا، أن مصلحة الضرائب بحثت بعد عام 1971 عن شقيقة القصري بعد سبع سنوات من رحيله لتطالبها بمبلغ "1482 جنيه و 220 مليما"!!!.