بعد رحيل أحمد خالد توفيق

قراء العراب يفسرون لـ«بوابة أخبار اليوم»..سبب تعلقهم بكتاباته

جنازة أحمد خالد توفيق
جنازة أحمد خالد توفيق


وما خسروه برحيله "أفراح المقبرة" أخر كتب الكاتب الراحل بالأسواق في عيد الفطر المقبل

 عمر أسامة: كان صديقي في وقت غربتي بدول الخليج وزرع فينا الثقة بالنفس

فاطمة ياسين: شكل فكري الإنساني واعتبرت الخبر كذبة إبريل

 محمد علي: الصدمة تسيطر على جيلنا لم "نشبع" من فكره بعد

 

أن يسيطر الحزن عليك لوفاة قريب أمرًا من الطبيعي حدوثه لجميع البشر، ولكن أن يتملكك الحزن حتى تنزف أعينك الدمع دون أن تشعر بها، وأن تشعر أن خنجر مسموم يمزق قلبك دون رحمة بعد فقدان شخصًا لم تعرفه إلا عبر الورق، ولم تحدثه إلا من خلال كلماته، ولم تتعلم قيمه إلا من خلال جمل يسطرها بين أغلفة كتبه أمر لن يستطيع تحقيقه إلا مع د. أحمد خالد توفيق، الذي ما أن أعلن عن خبر وفاته حتى اتشح قلب جموع من الشباب بالسواد، وجمعهم دمع الفراق ومرارة الفقد.

وبعد أن هدأت فترة القيل والقال، وعزاء زملاء الكاتب الكبير ورفاق رحلته عبر صفحات الجرائد وأثير الإذاعات وشاشات التلفاز، «بوابة أخبار اليوم» تتيح الفرصة لقراء الروائي الطبيب لنعيه، وتوضيح أسباب إعصار الحزن الذي ضربهم في مساء يوم 2 إبريل عقب رحيل العراب بعد إجرائه عملية جراحية بالقلب، وتوجيه رسائل أخيرة لـ د. أحمد خالد توفيق.

11عام قضيتها مع بطولات رفعت إسماعيل الشخصية الرئيسية في أعمال العراب ولا أتخيل أن نهايتها قد حانت" كلمات عمر أسامة طالب كلية طب الأسنان عن رحلته بين طيات كتب وروايات الأب الروحي التي بدأت عن طريق الصدفة بأحد الدول الخليج، عندما عمر الطفل الذي لم يتجاوز عمره 10 سنوات وقتها العودة إلى مصر قبل أن يحين إجازة والده السنوية، فنصحته أمه بالتوجه لمكتبة قريبة تبيع كتب وروايات مصرية تشبه روايات الرجل المستحيل، وهناك نصحه البائع بشراء «أسطورة المقبرة» للراحل، ليأخذها على مضض لعدم حبه للرعب، قبل أن يعود في اليوم التالي ليشتري ما تبقى من السلسة بعد أن قضى ليله كله يحتضن بعيونه كلمات أثرته روعتها.

 يتابع عمر الذي قضى مراحل حياته التعليمية حتى الجامعة بأحدي الدول العربية دون أصدقاء سوى روايات العراب على حد وصفه، وأن الروائي الراحل كان سببا في اختياره لكلية طب الأسنان ليكون مثله أو شبيه له قدر الإمكان وهو ما يعكس قدره لدى جماهيره، مشيرا إلى أن قلم توفيق زرع بداخل الجيل الثقة وبالنفس وحسن اختيار القدوة، وأن السبب في ذلك في اختياره لبطل أعماله رفعت إسماعيل العجوز المريض الضعيف والمبهر في نفس الوقت، «كان بيخلينا نحس أن البطل مش زايد عننا في حاجة بالعكس قد يكون أضعف مننا» علق عمر.

وعن يوم الرحيل يقول «لم يكن شخص مشهور توفى كان أبي، لازلت أحفظ تفاصيل اليوم بدقة لا تفوتها شيء، أذكر سماعي للخبر وأنا بمدينة الرحاب حوالي السابعة والنصف مساءٍ لأقود سيارتي بجنون وعدم وعي حتى لأصل مستشفى الدمرداش حيث أعلن أن جثمانه هناك.

 وبعد حوالي دقيقة زحفت خلالها الدموع على وجنتي عمر في صمت مطبق ومرت مشاهد من اليوم أمام أعينه، يكمل " كنت بجري في مشرحة مستشفى الدمرداش من تلاجة لتلاجة، وعندي أمل ولو 1 % أني أشوفه حي رغم إحاطة الموت بي في كل بقعة، وهناك قابلت شخصية موقع التواصل الاجتماعي الشهيرة هشام عفيفي، ومعه اثنان من الناشرين، وهناك أخبروني أنه جثمان الراحل الحاضر بأعماله في وجدان جيل كامل يرقد في مستشفى عين شمس التخصصي.

 «لن أنساها طوال حياتي أظنها أغلى ربع ساعة في حياتي كلها تلك التي قضيتها أمام جتمان من علمني حب الحياة» كلمات عمر الذي بقى أكثر من 4 ساعات واقفا أمام باب المشرحة في طقس بارد للغاية، الذي يتابع " دخلت المشرحة أخيرًا، وهناك كان جسد مسجى على سرير يزال الممرض الغطاء لتبدأ الدموع في الانهمار حتى تحجب الرؤية عن عنينه، ليرتل بعدها بعض الآيات من القرآن، ثم يقبل رأسه أسطورته وقدوته ويخرج مودعًا من أعطاه مفتاح الحياة ورحل، مختتما بتوجيه رسالة للعراب «سلاما على من علمني حب الحياة ورحل».

رحلة أحمد خالد توفيق مع قراءهٍ لم تقتصر على مرحلة عمرية بعينها أو فئة دون غيرها، أو ارتبطت بظروف حياتيه للقارئ ولكن ارتبطت بعقل فكر وقلب أخلص وقلم أبدع فخلق علاقة لا تتكرر تجاوزت علاقة كاتب بجماهيره، وهو ما تؤكده فاطمة ياسين، مدرسة الجغرافيا للمرحلة الثانوية، والتي قضت حوالي 20 عامًا في محراب د. أحمد خالد توفيق الذي أسهم في تكوين معظم فكر جيلها وإنسانيتهم من وجهة نظرها. تقول فاطمة عن العراب أنه كان بمنزلة الأب الذي رب جيلا بكتاباته التي كان خليط من تبسيط العلوم لقارئ عادي وتعريف لثقافات شعوب مختلفة، فضلا عن الخبرة الإنسانية التي يوصلها للقارئ بطريقة سلسة جدًا، وثبات بطله على موقفه ومبادئه ليشكل من خلال كلماته الفكر الإنساني.

وعن استقبال خبر الوفاة، توضح أنها استنكرته بشده واعتبرته نوع من أخبار كذبة إبريل، ولم أصدق حتى انتشر الخبر في جميع وسائل الإعلام كالنار في الهشيم، وأكدوا جماهيره عبر «السوشيال ميديا» أنهم ينتظرون خروج جثمانه من المستشفى، معبرة عن إحساسها بالفاجعة وأن أحدا لطمها بقوة على وجها " كان إحساس يتم للمرة الثانية، الأب الذي ربانا بكتاباته رحل دون إنذار «مختتمة برسالة مقتضبة للعراب» «حتى تحترق النجوم»، وهي جملة بطل أعماله رفعت إسماعيل التي كان يقولها لمحبوبته " سأحبك حتى تحترق النجوم" وأكملها قبل وفاته بلحظات بأنه سيبقى يزور أحلامها للأبد، وحتى تأتي له هناك وحتى يبقيا سويا لا يفرقهما شيء.

«كان كاتب شامل بكل ما تحمله الكلمة من معني» أولى كلمات المهندس محمد علي، 38 عام، عن أحمد خالد توفيق، والذي بدأ رحلته معه بكتاب «ما وراء الطبيعة» قبل 8 سنوات، يعبر محمد عن كاتبه المفضل «أسلوبه اختلف عن الجميع، عندما يتحدث للشباب بروايات وكتب يأثرهم، وحين تقرأ ترجمته للكتب تجده رائعا وعندما يكتب كتب فكرية تشعر أنه لا توجد صلة تربطه بفن الرواية، لذلك كان شامل، لذلك أثر الشباب وكان الأب الروحي.

ويتطرق محمد للموقف الوحيد الذي ربطه بالكاتب الروائي الطبيب أحمد خالد توفيق، التي كان قبل كل تلك الألقاب إنسان عظيم بكل ما تحملة كلمة إنسان من معنى، وأنه دوره وتأثيره تخطى بكثير فكرة بل أن أبحر بإنسانيته في لينبت في نفوس قرائه قيمة القدوة العظيمة.

حسب ما يروي محمد فإن أحدى زميلاته وواحدة من أشد معجبيه عانت من حالة نفسية سيئة لمرض والدتها في أوائل شهر مارس الماضي، ففكر في التواصل مع توفيق ليتواصل الأخير معها ويرفع من روحها المعنوية، وبعد محاولات مضنية نجح في الحصول على رقم هاتفه وأرسل له يخبره بأن هناك حالة إنسانية تحتاج مساعدته ويطلب من  «الإيميل الشخصي» له ليسرد له الأحداث، وبعد أقل من ساعتين رد العراب برسالة بها عنوان بريده الإلكتروني.