مقالات القراء| «هوس الجمال»

هوس الجمال- صورة أرشيفية
هوس الجمال- صورة أرشيفية

"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ" .. لقد أصبح الجمال، مطلب فئات المجتمع المختلفة، ولم يعد حكرًا على فئة بعينها، فأصبحنا نرى كمًا لابأس به ساعيًا خلف الجمال،  ولم يعد طلب الجمال قاصرًا على المرأة فقط، بل الرجال أيضًا، ولم يقتصرالجمال، على التجميل بأدوات الزينة المختلفة، بل امتد إلى ما هو أكثر من هذا.


 فأصبحت عمليات التجميل متنوعة، ومتجددة باستمرار فتارة بين التكبير والتصغيرفي جزء معين من الجسم، وتارة أخرى بين البوتوكس والفيلر، وما بين هذا وذاك نرى عجائب الأمور.
فنرى من يصبح أجمل وأكثر رشاقة، ومنهم من يصبح لاحول له ولاقوة، بل قد تغيّر شكله إلى الأسوأ، ناهيك عن المشاكل الصحية، فبعد حدوث الطفرة الهائلة في جراحة التجميل، أصبحنا نرى الآن من يذهب إلى طبيب التجميل، فيطلب منه أن يغير شكله، ليصبح مثل المطرب الفلاني أوالممثلة الفلانية، وعلى صعيد آخر، تجد شخصًا في الخمسين من عمره، وبعملية تجميل تراه مرة أخرى وقد أصبح في الثلاثين، أوربما في العشرين.


وحتى الأجسام لم تعد تخل من عمليات التجميل، فأصبحنا نرى الجسم المنحوت، وكأنه مقاس بالمازروة، وإذا استطعنا أن نقول أن مثل هذا النوع، هوعمليات تجميل كبرى، فبالتالي يتبعها عمليات تجميل صغرى ألا وهي "الميك-أب"، فقد أصبح من ضروريات بل من أساسيات الحياة في أغلب الفئات، حتى أنه أصبح من أولويات قائمة الشراء، فنرى غالبية السيدات والفتيات لايخرجن من بيوتهن إلا بعد وضع الميك-أب، إلامن رحم ربي، وعن فنون وضع المكياج حدث ولاحرج فنرى سيدة بعيون مندهشة ولاتعرف السبب،  ونرى أخرى بحواجب ما أنزل الله بها من سلطان ...إلى آخره في بقية الوجه.


وقد تحول الميكب آرتيست، إلى فنان مبدع تظهرقدراته الفنية في وجه المرأة، حتى إننا نرى  سيدات أوفتيات قبل الميك أب بشكل وملامح، وبعده بشكل وملامح أخرى، لدرجة قد تصل إلى أننا لانتعرف عليهم.


تحضرني مقولة الشاعرالكبير، إيليا أبو ماضي،"كن جميلًا ترى الوجود جميلًا" التي تدل على أهمية  وجودالجمال في حياتنا، حتى نرى الجمال في كل شيء حولنا، ولكن هل الجمال هو جمال الشكل فقط؟، أم للجمال مضمون أعم وأشمل من هذا؟، وهل الجمال نسبي أم مطلق؟ فأعتقد أن الجمال نسبي.. فما يراه البعض جميل قد لايراه البعض الآخر بنفس الصورة، وأن الجمال ليس جمال الشكل فقط، فكم من أناس أعجبنا بهم لجمال صورتهم، وبعد أن نقترب منهم، ونتعامل معهم نجدهم من الداخل عكس صورتهم، والعكس صحيح.


 وإنه لخطأ فادح أن نحصر المرأة أوالرجل بعقولهم الواعية، ومميزاتهم المختلفة، في دائرة الجمال الشكلي فقط،  فنحن لانقيّم الإنسان بشكله، ولكن بعمله، ومثالاً لذلك حتى مسابقات ملكات الجمال، لم تعد تختار ملكة الجمال لجمالها فقط، بل أصبح للجمال مواصفات أخرى، كأن تجيد التحدث بلغات مختلفة، وأن يكون تعليمها جامعي، وأن تكون مشاركة بأعمال مجتمعية أوغيرها.


أعلم أن الجميع يريد الجمال، الرجل والمرأة على حد سواء، وخصوصاً المرأة، لأنها ترى الجمال بعين أخرى غيرالتي يراه به الرجل، ومن وجهة نظري، أن المرأة تتمتع بل وتتميز بجمال من نوع خاص، وهو جمالها الفطري الذي حباها به الله فلا توجد إمرأة قبيحة، فلكل إمرأة جمالها الذي يميزها عن الأخريات، فالمرأة ما بين السمراء والبيضاء، الطويلة والقصيرة، فلكل منهن جمالها، وكذلك الحال في الرجال، فإذا سعى الإنسان وراء جمال الشكل فقط، فسيكون هو الخاسر الوحيد، لأنه لابد من يوم يزول فيه الجمال، لأنه لا أحد يستطيع أن يوقف الزمن.


فلكل سن جماله ومميزاته، فنحن ننتقل من الطفولة إلى الشباب، ثم الشيخوخة، ولكل مرحلة مميزات جديدة، وجمال من نوع خاص نتزين به في كل مرحلة، فنجد الطفولة ببرائتها ومرحها،  وهذا جمالها، والشباب بعنفوانه  وبهجته  ونضارته، وهذا جمال من نوع آخر، وحينما يأتي سن النضوج فياله من جمال مميز، يزين صاحبه بتاج العقل والحكمة والخبرة، التي كلما مرعليها الزمن، ازدادت قيمتها وزاد حبه في قلوب الآخرين، وزاد قربه من الله، فيصبح بالنسبة للجميع، كالبئر الذي ينهلون منه علماً ومعرفة .. أليس هذا هو الجمال بعينه؟! الجمال الذي يبحث عن قيمة الإنسان قبل شكله. 
لست ضد عمليات التجميل، ولكن لابد لها من تقنين نوعًا، ما فهناك بالفعل من يحتاجون إليها، كالذى يتعرض لحادث أو حريق أوتشوهات، فتسبب له أضراراً عضوية أونفسية، فلا أحد ينكر عليه هذا بل يصبح من الضروري، إجراء مثل هذه العمليات، أما من لايحتاج إليها فليس من الضروري عملها، وعليه فقط أن يدرك مافيه من جمال.


 فالأدب والأخلاق، والعلم والذوق الرفيع، هو الجمال الحقيقي، الذي إذا تحلى به الرجل أوالمرأة، على حد سواء، أصبح في قمة الجمال، فإننا حينما نهتم بالصحة وبالرياضة، يزدهر الجمال وينمو يومًا بعد يوم، وعندما نهتم بتنمية العقل، والقدرات الخاصة، والمواهب والقراءة، يظهرالتميز والإبداع، وحينما نقترب أكثر وأكثر من الله، وحفظ القرآن الكريم وتدبره، يظهرنور وجمال ما بعده جمال، فهو جمال دائم لايزول. 


 فالجمال الداخلى الذى يظهرعلى الوجوه، هو الجمال الحقيقى، فيا طالبين الجمال، تجملوا وتزينوا كيفما تشاءون، ولكن لا تحصروا أنفسكم فى جمال الصورة فقط .