الشهم.. الندل

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

انعقد لسانها عن الكلام، وتجمدت الدموع في عينيها، وخارت قواها؛ حيث كلمات الحبيب الذي غرر بها تخترق أذنيها وكأنها وكزة عنيفة دفعتها لتسقط على الأرض، ارتجفت أوصالها، وتملكتها حالة من اليأس المميت.

وبخطوات يشوبها اضطراب وخوف توجهت إلى غرفة نومها، تتساقط دموع الحسرة والندم فوق وجنتيها، ولم تجد أمامها سبيلًا غير أن تروي لأمها فجيعتها بعدما غرر بها ابن الجيران، وبدأ الجنين يتحرك داخل أحشائها.

لطمت الأم خديها، وكاد أن يغشى عليها من هول المفاجأة، وعصفت بها الحيرة، وأثقلت رأسها بالتساؤلات، فلم تجد أمامها سبيلًا أيضًا غير الذهاب إلى الشاب ابن الجيران الذي تجرد من كل مشاعر الإنسانية والشهامة، وبصوت متهدج ونفس مكسورة تتوسل إليه أن يتزوج ابنتها التي قررت الانتحار، فما كان منه إلا أن نهرها، وهددها بفضيحة مدوية إذا لم تكف عن طلب زواجه من ابنتها.


تملكت الأم رعشة شديدة، ودارت بها الدنيا، تتلاطم الأفكار في رأسها بحثًا عن الخروج من هذا المأزق، وخشية فضيحة ابنتها، فابن الجيران ذو قلب متحجر، ويتسم ببلطجة أجبرتها في الابتعاد عنه.


وفي أحد الأيام، وأثناء تواجد الفتاة بعملها بأحد مصانع الملابس، اقترب منها زميلها بالعمل بعدما تلاحظ لديه عيناه الذابلتين، يلمع فيهما بريق يشوبه حزن وأسى، وجسدها يوشك أن يذوب، نجح في نسج خيوطه حولها، وطمأنتها ووعدها بالزواج بعدما روت له مأساته مع ابن الجيران البلطجي، احتواها زميل العمل بكلامه المعسول، ودون تردد توجه إلى والدتها طالبًا الزواج منها.


انفرجت أسارير الفتاة، واعتقدت أن الدنيا فتحت ذراعها واحتضنتها؛ حيث الزميل الشهم استخرج شهادة ميلاد للطفلة ونسبها إليه وحملت اسمه، ولم تكن تعلم الفتاة أن وقت سعادتها ما هو إلا قنبلة موقوتة كشفت عن ندالته أيضًا، فبعد فترة من الزواج أخذ يقسو على الطفلة التي لم تبلغ عامها الثالث، وأصبح عصبي المزاج لأتفه الأسباب، والاستيلاء على نقودها التي كانت تتحصل عليها من العمل بالمصنع، وإنفاقها على المخدرات، ونشبت بينهما الخلافات ووصلت إلى طريق مسدود قام هو الآخر على إثرها بتهديدها وفضح أمرها عن علاقتها بالشاب البلطجي، وما إن طلبت منه الطلاق، لم يكف لسانه عن فضيحتها على المقاهي، وأصبحت سيرتها فوق كل لسان، غير أنه رفض أن يطلقها.


كادت عينيها والأم أن تبيض من كثرة الدموع، وأن الدنيا أعطت لهما ظهرها مرة أخرى، فالشهم الشجاع ليس إلا ندل، وتسبب في فضيحة ابنتها، تراود مخيلتهما العار الذي سيلحق بطفلة لم تلحق أن ترتوي من الدنيا حتى تشبع.


وبدموع منهمرة يحاولان بها إطفاء لهيب أحزانهما وآلامهما، توجهتا إلى محكمة الأسرة، بعد أن خاب ظن الفتاة معتقدة أن الزوج الشهم سيحميها ويسترها من الفضيحة، وتقدمت برفع دعوى خلع منه إلى مكتب تسوية المنازعات بمحكمة الأسرة، تنازلت فيها عن كل مستحقاتها هربًا من أن يفشي سرها أكثر مما حدث، وتم إحالتها إلى المحكمة للفصل فيها.