عناد «ترامب» .. بوصلة أمريكا نحو العزلة عن الحلفاء

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارًا مفاجئًا بفرض رسومٍ جمركيةٍ على واردات الصلب والألومنيوم، بواقع 25% زيادة على واردات الصلب، و10% على الألومنيوم، في خطوةٍ نالت غضب الكثير من حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، الذي تنضوي معظم بلدانه مع الولايات المتحدة تحت لواء حلف شمال الأطلسي "الناتو".

الرئيس الأمريكي استثنى جارتيه الشمالية "كندا" والجنوبية "المكسيك" من سريان هذا القرار، في وقتٍ فتح وزير خزانته، ستيفن منوتشين، الباب أمام إمكانية أن يشمل قرار الإعفاء دولًا أخرى خلال الأسبوعين المقبلين.

ومن دون مقدمات، دخلت مسؤولة التجارة بالاتحاد الأوروبي ،سيسيليا مالمستروم، في صلب الموضوع مباشرةً، لتؤكد أن بروكسيل ستتجه إلى منظمة التجارة العالمية لفرض إجراءاتها الخاصة إذا ما مضت واشنطن قدمًا في فرض هذه الرسوم، لكنها توقعت أن يشملها قرارٌ من الرئيس الأمريكي لاحقًا باستبعادها من التعريفة الجمركية الجديدة.

وبدوره، دعا رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، الاتحاد الأوروبي لأن يكون مستعدًا لاتخاذ إجراءاتٍ مضادةٍ ردًا على الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على واردات الصلب والألومنيوم، وذلك بعدما طالبت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، باستثناء الاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية، معتبرة أن ذلك الحل هو الأمثل لنزع فتيل خلاف تجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا.

الولايات المتحدة بدت أنها تقف وحيدةً بمنأى عن حلفائها، الذين ظهر عليهم أنهم سئموا من نهج الرئيس الأمريكي، الذي حنث بوعودٍ قطعتها بلاده في عهد سلفه باراك أوباما.

عدول عن اتفاقيات سابقة

اتفاقية مكافحة تغير المناخ، الموقعة في باريس عام 2015، كانت أولى صدامات ترامب مع حلفائه بالاتحاد الأوروبي، بإعلان انسحابه منها خلال قمة العشرين، التي عُقدت بمدينة هامبورج الألمانية، وهو ما جعل المستشارة الألمانية ميركل تطالب دول الاتحاد الأوروبي أخذ زمام المبادرة وعدم الاعتماد بعد على الحلفاء.

الوضعية تتشابه مع الاتفاق النووي الإيراني وسط نباين وجهات النظر الأوروبية الأمريكية حول هذا الاتفاق، في ظل رغباتٍ متكررةٍ لترامب في تعديل الاتفاق، وسط تحدٍ من إيران يصعب من مهمة التعديل، وعدم قناعةٍ من دول الاتحاد الأوروبي بمبررات ترامب الذي يمكن أن تفضي إلى إحداث ذلك التعديل المرجو من سيد البيت الأبيض.

ووقعت إيران على الاتفاق النووي مع الدول الخمس صاحبة العضوية الدائمة بمجلس الأمن (أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين) إضافةً إلى ألمانيا، وذلك عام 2015، إبان حقبة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي صدق على بنود هذا الاتفاق الذي جرى في مدينة لوزان السويسرية، بيد أن ترامب رغب عن استمرار هذا الاتفاق النووي بصيغته الحالية، وأبدى في أكثر من مناسبة نيته التراجع عن هذا الاتفاق.

عزلة بسبب القدس

أما العزلة الأكبر التي واجهتها أمريكا، تمثلت في اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ليقدم ترامب على خطوةٍ دأب رؤساء الولايات المتحدة السابقين منذ عام 1995 على التهرب منها، خشية ردود الفعل المتوقع أن تصاحبها.

قرار الرئيس الأمريكي، خلاف أنه واجه سخطٌ عربيٌ على المستويين الشعبي والحكومي، فإنه واجه شبه إجماعٍ دوليٍ على رفضه، ففي مجلس الأمن حال حق النقض "الفيتو" الأمريكي دون إلغاء هذا القرار، بعدما صوت باقي أعضاء المجلس الأربعة عشر لصالح مشروع قرارٍ مصريٍ ضد القرار الأمريكي.

وخلال تصويتٍ غير ملزمٍ بالجمعية العامة للأمم المتحدة لم تجد الولايات المتحدة إلى جانبها سوى ثماني دول، في حين صوت 128 دولة من جميع أنحاء العالم ضد قرار ترامب، من بينها دول الاتحاد الأوروبي، وذلك على الرغم من التهديدات التي وجهتها مندوبة واشنطن لدى مجلس الأمن، نيكي هايلي، للبلدان المصوتة ضد القرار الأمريكي بقطع المعونات عنها.

عزلة أمريكا باتت أيضًا في أنها أصبحت مضطرة بصورةٍ جبريةٍ على التخلي عن مساعيها لقيادة عملية السلام من جديد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعدما شدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أكثر من مناسبة، على أن بلاده لم تعد تقبل بأمريكا كوسيطٍ للسلام بعد قرار ترامب.

سياسات ترامب التي تبناها في الفترة الأخيرة جعلت بلاده أبعد مما كانت عليه في علاقاتها الخارجية خاصةً مع التكتل الأبرز على الساحة الدولية، وهو الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يقلب موازين القوى في العالم، حال استمرار الرئيس الأمريكي في نهجه الذي يحمل من الصدام الكثير.