المدينة تملك إرثا حضاريا كبيرا يرجع إلى مختلف العصور القديمة

تحقيق| دور جوه ذاتك.. مشروع لإحياء التراث والثقافة بـ«إسنا»

مدينة أثنا
مدينة أثنا

أعمال الكشف عن الآثار مهمة لكنها لا تغنى عن الحفاظ عن البشر

 

صعيد مصر غنى بالكنوز الأثرية التى ترجع إلى مختلف العصور وتعتبر سجلا حيا لتاريخ وحضارة العالم إذ يؤرخ لأقدم حضارة عرفها الإنسان ، من أجل ذلك تسعى الدولة لإعادة اكتشاف أصوله التراثية والثقافية لتكون بمثابة مشاعل نور ليس لمصر وحدها، وإنما للعالم كله.

 من بين هذه المشروعات مشروع تنمية وتطوير مدينة إسنا ويهدف إلى تطوير وتطبيق مفهوم بديل للتنمية السياحية فى المدينة ، وترويج السياحة الثقافية فيها  ، مع وضع الضوابط  بين الحفاظ على التراث من جهة ومتطلبات السياحة واحتياجات التنمية المحلية من جهة أخرى ، وكذلك إعادة إحياء المنطقة من خلال تحسين العوائد الاقتصادية للمجتمع المحلى كعناصر أساسية لتحقيق تنمية مستدامة

فى هذا التحقيق تكشف «بوابة أخبار اليوم» تفاصيل المشروع الذى طال انتظاره ويمثل نقلة حضارية  للمدينة التراثية التى تقع جنوب مدينة الأقصر بحوالى 60 كم والتى عانت كثيرا من الإهمال فى الفترات السابقة وهى خطوة جادة نحو وضعها على النحو الذى يليق بها فى خريطة مصر السياحية

 محافظ الأقصر لـ«أخبار اليوم»..

يقول محمد سيد بدر، محافظ الأقصر، إن  مدينة إسنا  تزخر بإمكاناتها الأثرية التى تعكس أهميتها على مر العصور بما تحويه من آثار تمثل حقب تاريخية  مختلفة سواء فى العهد البطلمى مرورا بالعصرين القبطى والإسلامى حتى يومنا هذا إلا أنها تعتبر مركزا تجاريا هاما بالنسبة للقرى والمراكز والمحافظات المحيطة بها وتحتوي علي عدد من الأسواق التجارية القديمة.

 

 

وأوضح بدر، أن الدولة وقعت اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية لتنمية مدينة إسنا، والترويج السياحى لمنطقة القلب التاريخى فيها، والمشروع يتم فى إطار السعى نحو زيادة تنافسية قطاع السياحة في مصر من خلال رفع مستوى إدارة المواقع التراثية، وترويجها، والحفاظ عليها لزيادة عدد الليالى السياحية فيها.

وأضاف محافظ الأقصر أن شركة "تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة" بالشراكة مع شركة "سي. آي. دي. للاستشارات" بتنفيذ مشروع «إعادة اكتشاف الأصول التراثية لمدينة إسنا» للحفاظ على مواقع التراث الثقافي بالمدينة.

وتابع محافظ الأقصر أن المشروع يشمل ذلك أنشطة الترويج السياحي والتنمية المجتمعية بالمنطقة بغرض تحسين العوائد الاقتصادية من تلك الأنشطة لسكان مدينة إسنا. يتم تنفيذ المشروع بالتعاون مع كل من محافظة الأقصر ووزارة الآثار وذلك بتمويل من الشعب الأمريكي من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولي

 واستكمل المحافظ تصريحاته لـ«أخبار اليوم» :«الدكتورة ليلى اسكندر وزيرة التطوير الحضارى والعشوائيات سابقاً ورئيسة مؤسسة التنمية المجتمعية وشركة استشارات CID الأقصر قد سبق وأن زارت على رأس وفد رفيع المستوى ضم المهندس كريم إبراهيم ، رئيس شركة تكوين للاستشارات الفنية ، ووفد من الوكالة الأمريكية للتنمية ، بهدف مناقشة  تنفيذ المشروع الذى يهدف إلى إعادة اكتشاف الأصول التراثية والثقافية لمركز إسنا جنوب الأقصر من خلال البرنامج الذى تم وضعة من قبل مؤسسة التنمية المجتمعية وتنفذه شركة تكوين للاستشارات الفنية  للحفاظ العمرانى والتنمية المستدامة والترويج السياحى لمنطقة القلب التاريخى للمدينة».

 

أهمية منطقة القلب التاريخية؟

 

منطقة القلب لمدينة إسنا تتجمع فيها نماذج من حضارة مصر القديمة وتعد سجلا حضاريا للحضارة المصرية بإسنا حيث تحوى معبد إسنا الذى يعد من أهم المعالم السياحية بالمدينة وهو المعبد الوحيد الباقى من أربعة معابد كانت موجودة في اسنا ثلاث منهم في شمال غرب اسنا في (أصفون – كوم الدير – غرب اسنا).

 أما الرابع فكان يقع في شرق اسنا (الحلة) وفي عام 1830 تم اكتشاف معبد آخر في كومير جنوب غرب اسنا بحوالي 10 كم إلا أن هذه المعابد قد اختفت منذ القرن الماضي ولم يبق منها غير ما يدل عليها  وتقول المراجع الأثرية عنه  أنه تم تصميمه (على الطراز البطلمي) وبدأ بنائه بطليموس السابع  واستمر البناء في عهد الرومان (و بالذات كلاوديوس وماركوس أوريليوس اللذان تركا بصماتهما جلية على المعبد). 

ويقع على مستوى 10 أمتار تحت سطح الشوارع المعاصرة المحيطة به. ولم يتم ازالة الأتربة عن كل المعبد، وهناك العديد من الآثار المدفونة بجوار المعبد ويعد من أجمل المعابد في مصر وهو محتفظ بجماله حتي الآن وأعمدته عليها نقوش تحتفظ بألوانها وكأنها قد نقشت بالأمس  وهو من المعابد التي لها سقف ويتميز بجمال اعمدته واشكالها الزاهية البديعة ويوجد علي جدرانه بعض النصوص عن اسرار الحياة.

 

أجمل صالات الأعمدة

وتعتبر هذه القاعة (الصالة) من أجمل صالات الأعمدة في مصر على وجه العموم من حيث تماثل النسب وطريقة نحت تيجان أعمدتها وبقائها في حالة جيدة من الحفظ وتتميز واجهة المعبد بحوائط نصفية أو ساترية لكى تستر المعبد وتحافظ على أسرار الطقوس التي كانت تؤدى بداخله وقسمت جدرانه الداخلية والخارجية إلى سجلات أو صفوف أربعة بكل سجل منظر متكامل بذاته وتمثل مناظر المعبد بصورة عامة الملوك البطالمة في الجدار الغربي والأباطرة الرومان في هيئات فرعونية وهم يقدمون الهبات والقرابين والزهور المقدسة لالهة المعبد (خنوم – منحيت – نيبوت) وآلهة أخرى مثل (مين – سوبك – صخور – ايزيس)  بينما المناظر الداخلية للمعبد تتعلق أغلبها بالديانة والعقيدة في تلك الفترة وتتكون من مؤلفات دينية ونصوص عن خلق العالم وأصل الحياة بالإضافة إلى التضرعات والتراتيل الدينية وأعياد الإله خنوم ومناظر فلكية ومناظر تأسيس المعبد ومناظر سحرية تمثل صيد وقتل الأرواح الشريرة وهزيمة الأعداء

 

مآذن وأبراج كنائس إسنا

 يوجد باسنا العديد من المساجد القديمة والأثرية ذات الرونق الخاص والإشكال الجميلة وتعتبر  من أول البلاد التي اسلمت بعد الفتح الإسلامي لمصر، وقد أجري لها ترميم وتثبيت بالأرض بعد زلزال عام1992.

ويعد المسجد العمرى أول مسجد بني في مدينة إسنا والذي تنتمى إليه المآذنة العمرية وسمي بالمسجد العمري نسبة إلى عمرو بن العاص عندما فتح المسلمون مصر ولأنه بني في عهد الفتح الإسلامي وبعد فتح مدينة إسنا ودخول الإسلام إليها وقد تم هدمه وإعادة بناءه مرة أخرى على الطراز الحديث إلا أنه تم الإبقاء على المأذنة على وضعها القديم دون المساس بها وقد سمي بعد إعادة بناءه بالمسجد العتيق والجامع الكبير.

كما يعد مسجد الخن وهو من أقدم وأعرق المساجد في اسنا ويقع في منطقة وسط البلد ويتميز بمساحته الكبيرة وبني أكثر من مرة وتم إجراء ترميم وتوسعة له في نهاية التسعينات ، هذا بخلف مساجد أخرى قديمة ولها تاريخها مثل مسجد السلايمة من أقدم المساجد ويتميز بجمال مئذنته  وكذلك مسجد الصاوي من أقدم المساجد ويتميز بجمال مئذنته ويقع بشارع السويقة وهو من أجمل المساجد من الداخل.

وفى نفس الوقت تزخر إسنا يالكنائس التاريخية ومنها كنيسة العذراء مريم والأم دولاجي والكنيسة اكبر الملائكة ميخائيل وكنيسة القديس ماري جرجس والكنيسة الانجيلية المشيخية..

البشر قبل الحجر

 وإذا كانت مدينة إسنا  تمتلك ثروة يعتد بها من الأصول التراثية الثقافية تنتمي لحقب مختلفة من تاريخ مصر؛ ومنها الفرعونية واليونانية الرومانية والقبطية، والإسلامية، وحتى الفترة المعاصرة. حيث يحتوي مركز المدينة على "معبد خنوم" الذي يعود للفترة اليونانيةو الرومانية والمئذنة العمرية التي تعود للعصر الإسلامي، كذلك الأسواق الغنية بالحرف المحلية من منسوجات تقليدية ومنتجات غذائية.

واستناداً إلى تلك المؤهلات، يسعى المشروع - والذي يمتد لفترة 3 سنوات- إلى إطلاق الإمكانات التراثية المتنوعة لمركز مدينة إسنا بما يمهد لإعادة إحياء تلك المنطقة بصورة مستدامة، ووضع المدينة بما تشمله من معالم تراثية متميزة على الخريطة السياحية بمصر.

فمن خلال مجموعة من تدخلات الحفاظ العمراني والتنمية المجتمعية التي تتم بالاشتراك مع سكان المنطقة، يسعى المشروع لإيجاد توازن بين احتياجات الحفاظ على المواقع التراثية، والترويج السياحي، وتنمية المجتمع المحلي بما يحسن المستوى الاقتصادي للمنطقة بمعنى الحفاظ على التراث يجب ان لا ينسينا الإهتمام بالبشر

 

 وتشمل خطة المشروع المتكاملة الحفاظ على عدد من المواقع التراثية بمركز مدينة إسنا، وذلك بما يليق بقيمة التراث الثقافي للمدينة وبما يضمن اشتراك المجتمع المحلي في تلك العملية. وتشمل تلك المواقع كل من "وكالة الجداوي" وهي أثر مسجل يعود تاريخ إنشائه إلى القرن الثامن عشر، و"سوق القيسارية" التراثي، وعدد من المباني ذات الطراز المعماري المتميز بمركز المدينة. كما سيتم تحديد مسار سياحي يمر بصورة مبدئية بالمعالم الهامة بمركز المدينة وذلك لإعطاء السياح الأجانب والزوار المصريين الفرصة لتفقد تلك المعالم.

 

تحسين فرص العمل

 

كما سيقوم المشروع بتوثيق مكونات من تراث المدينة وترويجها من خلال وسائل تواصل متعددة سيتم إعدادها خصيصاً لزيادة الوعي بتميز وتنوع وثراء معالم التراث الثقافي بمدينة إسنا. بالإضافة إلى ذلك، سيسعى المشروع إلى تحسين العوائد الاقتصادية لسكان المنطقة من خلال أنشطة التنمية السياحية وتحسين فرص العمل في هذا المجال.

وسيتم تحقيق ذلك من خلال تدريب بعض سكان المنطقة على مهارات السياحة الثقافية، كذلك الحفاظ على الحرف اليدوية التقليدية وتطويرها من خلال تدريب الحرفيين ومؤسسات المجتمع المحلي بالمنطقة. ويتم تنفيذ هذا المشروع في إطار الاتفاقية المشتركة بين حكومتي جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة الأمريكية، بشأن الاستثمار المستدام في السياحة بمصر "سايت"، والتي تتم بالتعاون بين وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، ووزارة الآثار، ووزارة السياحة، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.