ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: المعركة الحقيقية في انتخابات الرئاسة

ياسر رزق
ياسر رزق

من يتأمل فى أجواء انتخابات الرئاسة، يجد مشاعر عدم رضا أو ارتياح عند بعض مؤيدى الرئيس عبدالفتاح السيسى وعند معارضيه على السواء، برغم اختلاف أسباب وبواعث هذه المشاعر عند الجانبين.
< المؤيدون فريقان.
- أحدهما كان يفضل لو اقتصر الترشح على الرئيس «السيسى» ما دام لا يوجد على الساحة من يرقى إلى جدية منافسته، حتى لو صارت الانتخابات أشبه بالاستفتاء، ومنطقهم أن الرجل لا يقارن بغيره لقيادة البلاد فى هذا الظرف الاستثنائي، وأن الأمثلة المشابهة عديدة فى دول ديمقراطية عريقة أثناء الأزمات والحروب.
- والثانى كان يتمنى لو اتسعت ساحة المنافسة عدداً وكيفاً، بحيث لا تقتصر على منافس وحيد، تكاد تكون فرصه معدومة، بل إن الانتخابات حتى فى ظل وجوده، أشبه بالاستفتاء.
ومنطق هؤلاء أن الرئيس السيسى يستحق أن يتسلم مدة رئاسته الثانية، بعد انتخابات تنافسية حقيقية، تقطع الطريق على من يريد أن يشوه التجربة الديمقراطية فى مصر، وتضيف إلى الرئيس السيسى مددا من قوة سياسية غير محدودة، يولدها إقبال أعداد هائلة من الناخبين على صناديق الانتخاب كلما زادت التنافسية. غير أن هذا الفريق يعلم أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وأن العيب ليس فى المرشح المنافس الوحيد وهو المهندس موسى مصطفى إنما فيمن يرون أنهم أقدر منه ومع ذلك أحجموا عن الترشح.
< < <
< المعارضون وغير المؤيدين هم أيضا فريقان.
- الفريق الأول وهو ينسجم فى رؤيته مع أتباع جماعة الإخوان، كان يتمنى لو خلت ساحة المنافسة تماما إلا من الرئيس السيسى، ليمكن انتحال منطق أن الرجل لا يطيق وجود منافسين، والادعاء أمام العالم بأن النظام أقصى كل من يرغب فى الترشح، والترويج لمقاطعة التصويت ما دامت الانتخابات صورية، وبالتالى الانتقاص من شرعية الرئيس فى مدته الثانية، والطعن المستمر فيها عبر مواقع التواصل وبعض وسائل الإعلام العالمية المتربصة أصلا بنظام ٣٠ يونيو.
- الفريق الثانى، وعلى النقيض، كان يتوق لترشح شخصيات بعينها أمام الرئيس السيسى، ليس بغرض الفوز، لأن هؤلاء يدركون - ربما أكثر من المؤيدين - أن فرص تلك الشخصيات هى والعدم سواء، إنما بهدف استباحة شخص الرئيس وتوجيه الإساءات إليه، تحت ستر أن تلك أمور متعارف عليها فى المنافسات الانتخابية، ليباشر الرئيس مدته الثانية وهو مثخن بجراح طعن شخصى مؤلمة لكرامة من لا يرى فى المنصب جاها ولا مغنما.
كان الهدف أيضا هو استغلال أجواء الحملات الانتخابية لتصوير كل إنجاز على أنه إخفاق، ليس من أجل تقديم بديل فى برنامج، وإنما لبث الإحباط فى نفوس الجماهير.
غير أن مراد هذا الفريق لم يتحقق لأن تلك الشخصيات التى أبدت رغبتها فى خوض المنافسة، أحجمت عن الترشح لأسباب تتعلق فى معظمها بعدم قدرتها على تحصيل النصاب اللازم من الجماهير المؤيدة أو من أعضاء مجلس النواب. وأيضا لحسابات شخصية تخشى حتى فى حالة تحقيق النصاب، من خروج الانتخابات بنتائج قد تجعلهم مثار سخرية فى الشارع السياسي.
والملاحظ أن جانبا لا يستهان به من هذا الفريق يجاهر علنا بكراهيته للجيش ولرجاله، ومع ذلك كان كل مناه أن يخوض مرشح كان ينتمى للمؤسسة العسكرية الانتخابات فى مواجهة الرئيس السيسى. وبواعثهم ليست حباً فى المرشح بذاته أو أملاً فى إمكان فوزه، إنما هى الرغبة فى استغلال ترشحه لإطلاق مزاعم وأباطيل عبر منصات التواصل الاجتماعى تختلق سيناريوهات كاذبة عن المؤسسة العسكرية.
لكن حسابات المرشح المقصود، جعلته يوقن أن الانتخابات لو خاضها قد تسفر عن نتيجة، تخصم من تاريخ سياسى ورصيد حققه فى انتخابات سابقة، فكان قراره هو الإحجام.
< < <
جانب كبير من مؤيدى الرئيس السيسى يتخوفون من سريان شعور- لدى الجماهير، فى ظل منافسة تكاد تكون معدومة، يفضى إلى الاطمئنان بأن الرئيس فائز حتماً، ومن ثم لا داعى للنزول أو لا ضرورة للاحتشاد أمام اللجان.
ومعارضو الرئيس.. وبعضهم ممن تنشرح صدورهم المريضة لكل ما يؤذى الوطن، وأقصد بهم المنتمين للإخوان، يجاهدون بكل ما أوتوا من صفحات وحسابات على مواقع التواصل وبرامج على الفضائيات الإخوانية، للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، أو على الأقل الحد من نزول الجماهير إلى الصناديق، ما دام السيسى سيكون الفائز فى كل الأحوال.
وإذا كنت أدرك مرامى معارضى الرئيس، بالذات المنتمون للإخوان، وأتوقع فشلا ذريعا لدعوات المقاطعة، فإننى أتوقف أمام مخاوف مؤيدى الرئيس بالذات من النخبة من عدم نزول الجماهير بالحجم المأمول. فإذا كانت لديهم هذه المشاعر، فأين هو دورهم عبر مواقعهم السياسية أو النيابية أو الشعبية أو الفكرية أو الإعلامية فى حث الجماهير على المشاركة، وكشف أغراض الداعين إلى المقاطعة والمروجين لها؟!
وظنى أن تلك المخاوف، رغم أنها مشروعة وتكشف عن نبل مقصد، تفصح عن نقص إيمان لدى النخبة بالجماهير المصرية، وإقلال من شأن وعيها الفطرى بالمصلحة الوطنية.
< < <
أمامنا ٤ أسابيع لا غير قبل بدء الانتخابات الرئاسية، والتصويت كما هو معلوم سيتم داخل الجمهورية أيام ٢٦، ٢٧، ٢٨ مارس المقبل.
وأعلم أن معركة السيسى الحقيقية فى هذه الانتخابات، هى نزول الناخبين بكثافة واحتشادهم أمام اللجان للتصويت بأعداد قياسية، أيا كان اتجاه تصويتهم، سواء له أو لمنافسه، أو حتى إبطال الصوت.
وأستطيع أن أراهن، ولدى أسبابى، على أن الدافع للنزول، لن يكون هو المخاطر التى تحيق بالبلاد خارجياً أو التحديات التى تجابهها فى الداخل، إنما هو المكتسبات التى تحققت لجماهير الشعب أو حققتها بسواعدها على مدى ٤ سنوات صعبة، وبعضها كان من قبيل الأحلام عصية المنال، أو المستحيلات التى تخاصم الممكن وتعزف عنها حسابات الواقع.
أراهن من الآن، على نزول الشباب الذين كانوا فى أعمار تقل عن سن الانتخاب فى الانتخابات الرئاسية الماضية، وبلغت أعدادها على مدى السنوات الأربع الماضية قرابة ٥ ملايين ناخب، وأظن معظمهم حريصا على المشاركة لأول مرة ونيل حقه فى التصويت فى أكبر الاستحقاقات الديمقراطية.
أراهن على نزول الشباب العارقين الذين شقوا قناة السويس، وحفروا أنفاقها، وشيدوا -ومازالوا- المدن الجديدة شرق القناة، وفى العاصمة الإدارية، وصعيد مصر والعلمين وغيرها، وأنشأوا ٧ آلاف كيلو متر من الطرق، وأقاموا محطات الكهرباء والصرف الصحى.
أراهن على الأسر الشابة التى تسلمت وتتسلم ٦٠٠ ألف شقة فى إسكان الشباب، وعلى الأسر التى تغيرت حياتها من أبناء المناطق العشوائية الخطرة، وانتقلت وتنتقل بأعداد تقترب من مليون مواطن إلى مساكنها اللائقة المجهزة فى أحيائها الجديدة.
رهانى على الرجال والنساء والشباب الذين شفوا بفضل الله أولاً من وباء فيروس «سى»، وعلى نحو مليونين من المصريين البسطاء يحصلون على معاش كرامة وتكافل، من ربات الأسر وكبار السن وذوى الإعاقة، وعلى أبناء القرى الذين دخلت إلى منازلهم مياه الشرب وخدمات الصرف الصحى بعد طول حرمان.
رهانى على المرأة المصرية التى لم تنل تقديرها المستحق بقدر ما نالته فى عصر السيسى، وعلى متحدى الإعاقة الذين نحتفل بعامهم فى هذه السنة، وعلى أسر رجال الجيش والشرطة وآباء وأبناء وزوجات الشهداء والمصابين الذين يضعون الرجل فى حبات قلوبهم.
رهانى على أبناء شعب يفخرون بجيشهم الذى صار أقوى مما كان عليه فى أى مرحلة من تاريخنا، بفضل خطة هادئة مدروسة وطموح، وضعها السيسى وأشرف على تنفيذها، لتصبح قواتنا المسلحة قادرة ورادعة، تطهر الأرض من أعداء الحياة، وترهب أصحاب الأطماع فى ثروات مصر ومصالحها الحيوية فى إقليمها وخارجه.
رهانى على كل فئات الشعب وطوائفه وطبقاته التى لا تنسى أين كنا قبل الثلاثين من يونيو، وكيف أصبحنا بعد سنوات الصبر والعمل والتضحية.
< < <
لست قلقاً على نزول الجماهير المصرية فى أيام التصويت الثلاثة، بل أظن إقبالها فى اليوم الأول، سيكون مفاجئاً للكثيرين.
الناس نزلت بكثافة فى الانتخابات الماضية وهى تتمسك بأهداب أمل وتطارد حلماً.
هذه المرة، أمسكت بالحلم، وتأبطت واقعاً جديداً، وتبصر ما هو أكثر. لذا الإقبال أوسع فى تقديرى.. والأيام مقبلة.