حوار| زاهي حواس: الجيش حمى سيناء من الإرهاب قبل 4220 عاماً

زاهي حواس ومحرر الأخبار حازم بدر
زاهي حواس ومحرر الأخبار حازم بدر

استعادة رأس نفرتيتى من ألمانيا كان ممكناً ومن جاءوا بعدى قصروا


نصاب أنفق 10 ملايين جنيه على بلاغات وقضايا ليفرح بدخولى السجن


  رفضت لقاء الأمير تشارلز تعاطفاً مع ديانا ثم وافقت بعد إلحاح السفير البريطانى


  أتمنى إلغاء وزارة الآثار..وشهرتى تفوق 100 وزير


من المعتاد أن تلتقط العين مسحة من الحزن علي وجوه المسئولين الذين ابتعدوا عن مناصبهم، فانحسرت عنهم الأضواء، ولكن الوضع يبدو مختلفاً مع د.زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، والذي أكسبه عشقه اللامحدود للآثار شهرة عالمية لم يمحها مغادرته للمنصب.

 

تستطيع وأنت تتحدث معه مشاهدة لمعة في عينيه تراها دوماً علي وجوه المحبين وهم يتحدثون عن محبوبتهم، إذا لم يغادر حديثك الإطار الذي يحب أن يتحدث فيه، وهو الآثار، التي كان يعيش في عالمها منقبا، وهو يرتدي قبعته الشهيرة، قبل أن يخصص أغلب وقته حاليا في الكتابة عنها، والتسويق لها بالخارج.. لكنك في المقابل قد تري وجهاً آخر وتسمع لهجة حادة جداً، إذا تطرق حديثك إلي الماضي حيث القضايا التي طالت أغلب المسئولين بعد ثورة 25 يناير 2011.

 

كنت أخطط لأن يتطرق الحوار إلي بعض من هذه القضايا، ولكن إثارة قضية واحدة منها كان كفيلاً بأن يطلق الكلمات من فمه كالرصاص، ولم ينقذني من هذه الحالة سوي وفد من السفارة اليابانية جاء لمقابلته، فاستأذن في قطع الحوار لدقائق ليتمكن من مقابلتهم.

 

وبعد نحو عشر دقائق هي مدة لقائه مع وفد السفارة، استأنفنا الحوار الذي حاولت خلاله جاهداً إعادته إلي حالة المحب الذي يتغزل في محبوبته، فتحدث عن دور المعارض الأثرية الخارجية في حل مشكلات مصر، ورؤيته للكثير من القضايا ذات الصلة بالآثار، مثل دورها في تنمية سيناء وفوضي التنقيب العشوائي عنها.. وإلي نص الحوار

 

 وأنت الآن لا تتولى أى مسئولية رسمية.. هل تعيش وقتاً أفضل من الماضي؟
 - ظهرت حالة من الحماس الزائد على وجهه، قبل أن يقول بصوت مرتفع يعكس هذه الحالة: بلا شك الفترة التى تلت مغادرتى للمناصب الرسمية استطعت خلالها انتاج مجموعة من الكتب المهمة، والسفر للكثير من دول العالم لإلقاء محاضرات ودعيت من وزارة الخارجية المصرية لإلقاء محاضرة للسفراء الممثلين لدولهم فى الأمم المتحدة، وكان ذلك فى متحف الميتروبوليتان بنيويورك، وكانت هذه المحاضرة والحمد لله أحد أسباب فوز مصر بعضوية مجلس الأمن.


 كيف استطعت تنفيذ كل ذلك، رغم سهام النقد التى طالتك مثل أغلب المسئولين بعد ثورة 25 يناير 2011؟
 - تختفى حالة الحماسة من وجهه لينخفض صوته قليلاً وهو يقول: لم أكن التفت لهذه الانتقادات، لأنى لو التفت لها ستعطلنى عن كل ما قلته لك سابقاً، فما يطلقون عليها ثورة 25 يناير، أفرزت مجموعة من الحاقدين يتعقبون أى نجاح.


من الفشل إلى النجاح
  بلا شك أنت إنسان ناجح، ومن الطبيعى أن يكون لك أعداء، ولكن الذى استوقفنى وأنا أراجع سيرتك الذاتية، أنك لم تكن طالباً متفوقاً فى أثناء دراستك للآثار بكلية الآداب.. فكيف استطعت رغم ذلك أن تكون من أشهر الأثريين فى العالم؟
 - تستطيع أن ترى مشاعر الفخر التى بدت واضحة فى عينيه قبل أن يجيب عن هذا السؤال باستفاضة قائلا: هناك نصيحتان دائما ما أقدمهما للطلاب فى الجامعات التى تدعونى لإلقاء محاضرات بها، وهاتان النصيحتان هما إجابة على سؤالك، الأولى: ألا تشغلك الانتقادات غير الموضوعية عن مواصلة النجاح، لذلك أعرض لهم فيلماً عن حياتى مدته 4 دقائق يتضمن انتقادات لاذعة لى من آخرين، لأوجه لهم رسالة، أنك مادام ناجحا، فالطبيعى أن توجه لك سهام النقد.


وأحب أن أحكى فى هذا الإطار عن حوار دار بينى وبين الفنان المصرى العالمى الراحل عمر الشريف، الذى كنت أشكو له من أن مجلة «نيويوركر» الأمريكية الشهيرة كتبت عنى 71 صفحة، من بينها 17 صفحة تتضمن انتقادات لاذعة، فطلب منى قراءة ما كتب، ثم كان رده: « يا بختك، أنا أتمنى أن تكتب عنى هذه المجلة 60 صفحة كلها انتقادات، لأنه معنى أن تهتم بك هذه المجلة، أنك أصبحت ناجحاً ومشهوراً».


أما النصيحة الثانية، فهى أنك قد تكون غير متفوق فى الدراسة لكنك ناجح فى الحياة العملية، بشرط أن تحب عملك، وأنا لم أحبه فقط، لكنى عشقته لدرجة تجعلنى أتحدث عن الآثار كما يتغزل المحبوب فى حبيبته، وهذا العشق قدره العالم، فصرت مشهوراً فى كل مكان أذهب إليه، رغم أنى لا أعمل الآن فى وظيفة رسمية.


 اذن أصبحت وظيفتك الآن عاشقاً للآثار؟
 - تملأ الابتسامة وجهه قبل أن يقول: وهل هناك أجمل من هذه الوظيفة، فعشقى للآثار الذى وصل للعالم جعل محاضراتى التى ألقيها فى أى دولة عنصراً جاذباً للإعلام.


لقاء ديانا
 يبدو أنك لست جاذباً للإعلام فقط، ولكنى أشعر من الصورة التى توجد فى مكتبكم مع الأميرة الراحلة ديانا، أن هناك كيمياء بينكما فى هذا اللقاء؟
 - يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول: لقاء الأميرة الراحلة ديانا من أمتع الزيارات التى جمعتنى مع المشاهير، فقد حدث بيننا تفاهم، فهى أحبت كلامى وأنا أحببت أسئلتها، لأن من الواضح أنها قرأت كثيراً عن الحضارة المصرية قبل الزيارة.


وأذكر أنى تعاطفت جداً مع ما حدث لها من الأمير تشارلز، حتى أن سفير بريطانيا طلب منى بعدها أن أصطحب الأمير فى زيارة للأهرامات وأبو الهول خلال زيارة سيقوم بها لمصر، فرفضت فى البداية قائلا له أن هناك أسباباً شخصية تدفعنى للرفض.


  إذن أنت وقعت فى غرامها مثلما قال الأستاذ محمود صلاح فى تقرير له بمجلة آخر ساعة؟
 - تملأ الابتسامة وجهه قبل أن يقول: الفكرة أنى تعاطفت معها، ولكن تحت إلحاح شديد من السفير البريطانى وافقت على مقابلة الأمير تشارلز، والحقيقة وجدته مثقفا ثقافة عالية جدا، ويعرف الكثير عن الحضارة المصرية، ويتحدث عن الإسلام بشكل جيد جدا، كما لو كان شيخاً من الأزهر الشريف.


  طبيعى أن تجد منتقدين بعد هذا النجاح؟
 - يومئ برأسه موافقاً على كلامى قبل أن يقول: لا يمكن ان يحبك كل الناس، ولكنى كنت دائماً ما أضع أمامى نصيحة قالها لى أبى، فكانت الوقاية لي، وهى أن « لا تجعل إصبعك تحت ضرس أحد»، وهذه دعوة أن يلتزم الانسان فى حياته الطريق الصحيح، حتى لا يكون عرضه لأى أحقاد تنال منه.


مخازن المتاحف
 هل تسمح لى بأن أوجه أحد الانتقادات ولكن بشكل موضوعى وبناء على تصريحات منسوبة لكم؟
 - يومئ برأسه قائلا: تفضل.


 هناك تصريح منسوب لكم فى مجلة روز اليوسف بتاريخ 14 أكتوبر 2005 قلت فيه أن هناك سرقات بمخازن الآثار المصرية، بينما قلت بمجلة أخبار الأدب فى 17 نوفمبر 2008تعليقاً على احباط جمارك نويبع تهريب آثار إسلامية، أن مخازن الآثار مؤمنة تماما، ألا ترى أن التصريحين بينهما تناقض؟
 - لم ينتظر طويلاً للتفكير فى الإجابة، وقال على الفور: لا يوجد تناقض، هناك مخازن مؤمنة تماما، وهى 60 مخزناً بنتها القوات المسلحة وساعدت بشكل كبير على حماية الآثار المصرية من السرقة خلال أحداث ما يسمونها بثورة 25 يناير 2011، ولكن فى المقابل لا تزال توجد مخازن مهلهلة مبنية بالطوب اللبن ويتم اختراقها بانشاء انفاق من تحتها، وسرقت الكثير من الآثار فى منطقة الهرم وسقارة خلال أحداث ما يسمونها ثورة بهذه الطريقة.. فربما قصدت فى تصريح أخبار الأدب المخازن المؤمنة، وكنت أقصد فى تصريح روز اليوسف تلك غير المؤمنة.


علامات الغضب
وهل بناء المخازن صعب لهذه الدرجة، لكى نترك الآثار عرضة للسرقة والنهب؟
 - خلال فترة عملى كأمين عام ثم وزير بنينا 60 مخزنا بمساعدة القوات المسلحة، وهذا عدد غير كاف، وكان ينبغى أن يسعى من جاءوا بعدى لزيادة عددها ولكن لم يبن أى مخزن جديد حتى الآن.


 فى أكثر من مناسبة قلت إن آثار مصر لم يكتشف منها سوى 30 % فقط، فكيف تدعو لمزيد من الاكتشافات ونحن غير قادرين أصلا على حماية المكتشف.. هل من أجل بيعها مثلاً؟!
 - وكأنى قذفته بحجر، فقال صارخاً: لا أحد يبيع أولاده وعرضه وتاريخه.


 تعتبر الآثار مثل أولادك؟
 - تخرج الكلمات من فمه سريعاً، قائلا: طبعاً، يعنى لو أن لديك 10 أولاد وأنت فقير، هل تبيع أحدهم؟ بالقطع لا.


 ولكنها كانت تباع حتى عام 1983 بشكل رسمى وفق تصريح منسوب لكم؟
 - تظهر على وجهة علامات الغضب، قبل أن يقول: كان خطأ كبيراً وتوقف بإصدار قانون فى عام 1983 يمنع ذلك.


ولكنى لا أفهم كيف كانت تباع بشكل رسمي؟
 - تصبح ملامح وجهه أكثر غضباً قبل أن يقول: إذا كانت لديك آثار فى منزلك أو وجدتها وأنت تحفر بجوار منزلك، كنت تستطيع قبل إصدار القانون أن تذهب بها إلى المتحف المصرى وتحصل على ختم أنها غير مسروقة وتستطيع حينها أن تبيع تلك القطعة الأثرية، ولم ينته هذا الأمر رسميا إلا بالقانون الصادر عام 1983.


 وهل يكون إنشاء المخازن هو الحل للتوفيق بين الرغبة فى التوسع بالاكتشافات من ناحية وحماية الآثار من ناحية أخرى؟
 - يومئ بالموافقة قبل أن يقول: طبعا، فالتوسع فى انشاء المخازن لا مفر منه لحماية الآثار الموجودة وتوفير الأماكن لأى اكتشافات جديدة، فمصر الحديثة بنيت فوق مصر القديمة، لذلك لا تزال 70 % من آثارنا غير مكتشفة.. وهذا الأمر يعيه جيدا الوزير خالد عناني، وهو أثرى ممتاز ولديه رؤية طموحة سنساعده على تنفيذها.


وزارة أم أمانة عامة
 بما أنك معجب بأداء الوزير خالد عناني، ألا تزال مُصراً على رأيك القديم بأنه من الأفضل ألا توجد وزارة آثار؟
 - لم ينتظر أن أكمل سؤالى وخرجت الكلمات من فمه سريعة: طبعا لازلت مُصراً، فالآثار يجب أن تبتعد تماما عن السياسة، وألا يكون لها وزارة، واستمرار هذا الأمر خطأ كبير، لأن وجود وزير الآثار فى مجلس الوزراء يجعله يقدم تنازلات للأوقاف والإصلاح الزراعى وغيرها.


 إذا كان هذا رأيك، فلماذا لم ترفض منصب وزير الآثار عندما عُرض عليك؟
 - تظهر مشاعر الفخر واضحة فى عينيه قبل أن يقول: أنا كأثرى أفضل من 100 زير، وكنت أسافر مع وزراء بالخارج ويلتف الناس حولي، ولا أحد يعرف الوزراء، وعرض على فى عهد مبارك أن أكون وزيراً للسياحة ورفضت، ولكن بعد الثورة عندما طلبونى لتولى مسئولية أول وزارة للآثار شعرت حينها أنها مسئولية، لكن صدقا لو عرضت على حينها وزارة الثقافة، وكانت الآثار تابعة لها كنت سأرفض.


السؤال المرفوض
كان من اللافت أن تعرض عليك الوزارة رغم بعض الاتهامات التى طالتك؟
 - تعود ملامح الغضب إلى وجهه قبل أن يقول محذراً: إذا تحدثت بدون دليل سأهاجمك مثلما تهاجمني.


 ما سأقوله ليس كلامي، ولكنها اتهامات نشرتها الصحف؟
 - تزداد ملامحه غضبا قبل أن يسأل: مثل ماذا؟


مثل اتهامك بتخصيص إيرادات بعض المعارض الأثرية لصالح جمعية سوزان مبارك؟
 - وكأنى قذفته بحجر أكبر بكثير من الأول، فهب من مكانه صارخاً: هذا كلام فارغ وتم التحقيق فيه وحفظت كل البلاغات، وليس من حقك أن تسأل فيه الآن.


وقبل أن يواصل الحديث يرن هاتف مكتبه لتخبره سكرتيرته الخاصة، أن وفداً من السفارة اليابانية جاء لمقابلته، فيقول: استأذن فى وقف الحوار لعشر دقائق، لأتمكن من مقابلتهم، وأرجو أن تركز أسئلتك التالية على المستقبل.


عودة للحوار
 كنت أتمنى أن ترفض الإجابة على السؤال، بدلا من حالة الغضب التى أرجو أن تكون قد تخلصت منها بلقائك مع وفد السفارة؟
 - يعود الهدوء إلى وجهه قبل أن يقول: انا على استعداد للإجابة عن أى سؤال يتعلق بالمستقبل.


 كان لك تصريح قلت فيه أن الآثار يمكن أن تحل مشاكل مصر، أود أن أعرف كيف يمكنها ذلك؟
 - يدخل د.زاهى إلى أجواء الحوار مجددا بهذا السؤال، لتظهر مشاعر الحماس واضحة على وجهه قبل أن يقول: طبعا الآثار يمكن أن تحل مشاكلنا من عدة أمور، أولاً: الاكتشافات الجديدة ونشر أخبارها عالميا هو أكبر دعايا لمصر، ثانيا: المعارض الآثرية مصدر هام للدخل ودعاية سياسية تعيد لمصر قوتها الناعمة، ثالثا: يمكن وضع أفكار جديدة للمناطق الأثرية لزيادة دخلها، وقد كانت لدى رؤية فى هذا الاتجاه، ولكن لم أتمكن من تنفيذها فى كل المناطق.


وهل يمكن أن تعطينا فكرة مبسطة عن تلك الرؤية؟
 - تظهر ابتسامة ساخرة على وجهه قبل أن يقول: بالمناسبة هذه الرؤية كانت سبباً فى كثير من البلاغات التى قدمت ضدي، ومن بينها البلاغ الخاص بإيرادات المعارض.


بيوت الهدايا
 حضرتك من تعود للماضى هذه المرة ولست أنا؟
 - يطلق ضحكة عالية قبل أن يقول: بما أننا سنتحدث عن هذه الرؤية، فلابد أن أقول لك كيف تمت مهاجمتها.


  تفضل؟
 - كنت أرى أن مكان وجود بيوت الهدايا فى مدخل أى متحف غير جائز، وفكرنا فى عمل بيوت هدايا بشكل أرقى خارج المتاحف، وكانت الدراسات تقول إن المتحف المصرى وحده يمكن أن يجمع من بيت الهدايا 14 مليون دولار فى السنة، وأعلنا عن مناقصة خاصة بالمتحف المصري، ولم نسمح لأحد المستثمرين بدخولها، لأنه كان يدير بيت الهدايا القديم، ولم يسدد للمجلس الأعلى للآثار الكثير من المستحقات المالية، وتم ترسية المناقصة على شركة الصوت والضوء.


واستغل هذا المستثمر النصاب أحداث الثورة، وجمع كل أعدائى من الأثريين الذين تسببت فى دخولهم السجن لتورطهم فى سرقات وقدموا ضدى 22 بلاغاً، وكان هذا النصاب يردد دوما أنه أنفق 10 ملايين جنيه حتى يفرح بدخولى السجن، ولم ينجح.


ولكنى والحمد لله لم التفت لكل هذه البلاغات وواصلت العمل فى خدمة الآثار من خلال الكتابة والتسويق لها بالخارج، وكنت أعزى نفسى بالتسلح بسنة الرسول قائلا: إذا كان رسول الله قد هوجم، فمن تكون أنت يا زاهي؟


استعادة الآثار
 سأستغل فرصة اتجاهك للحديث عن الماضي، لأسأل عن جهودكم فى استعادة الآثار، فالبعض انتقد التقصير فى هذا الملف؟
 - على عكس ما توقعت ظهرت مشاعر الفخر فى عينيه قبل أن يقول: لم ينجح أحد فى استعادة الآثار مثلي، فأثناء تولى المهمة كأمين عام ثم وزير نجحت فى إعادة 6 آلاف قطعة آثرية.


فى حوار سابق لى مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى قال إن استعادة رأس نفرتيتى مستحيل؟
 - تخرج الكلمات من فمه سريعة قائلا: قطعت خطوات فى طريق استعادتها، لأنها خرجت بشكل غير قانوني، ولدينا أدلة قاطعة على ذلك، وكان يمكن استعادتها ولكن من جاءوا بعدى قصروا فى هذه المهمة.


 أفهم من ذلك أن هناك آثاراً خرجت بشكل قانوني؟
 - يومئ برأسه موافقا قبل أن يقول: توجد نوعان من الآثار خرجت بشكل قانوني، الأول نسبة الـ50 % التى تحصل عليها البعثات الأجنبية قانونا، والثانى ما كان يتم بيعه قبل إصدار القانون على 1983، فكما قلت لك سابقا قبل صدور هذا القانون كان بيع الآثار مباحا، شريطة ألا تكون مسروقة، لذلك لا أنزعج كثيرا عندما أسمع عن مزاد لبيع القطع الأثرية، لأنها كانت تباع بشكل رسمي، وتكون مهمتنا فى هذا الحالة هى البحث هل وصلت للمزاد بشكل رسمى أم غير رسمي.


فتوى التنقيب
 ولكن ألا ترى أن الفتوى التى أصدرها الشيح عبد الحميد الأطرش،أعادتنا مرة أخرى إلى ما قبل 1983، بإعطائها للأفراد الحق فى امتلاك ما يعثرون عليه من آثار فى باطن الأرض التى يملكونها؟
 - تظهر مسحة من الحزن على وجهه قبل أن يقول: هذه الفتوى أضرت كثيرا بالآثار لاسيما خلال ما يسمونها بثورة 25 يناير، حيث كان الناس يحفرون بحثا عن الآثار وما يسمونه بـ «الزئبق الأحمر»، فهناك اعتقاد أنه موجود فى حلق كل مومياء وأن امتلاكه يتيح للشخص تسخير الجن لينفذ له ما يطلبه، وبالمناسبة لولا هذا الوهم لكانت خسائر الآثار أكبر خلال أحداث الثورة، فكثير ممن اقتحموا المتاحف خلال تلك الأحداث كانوا يبحثون عن الزئبق الأحمر.


 ولماذا لم تفكروا فى إعادة المومياوات لمقابرها لتتخلصوا من هذا الوهم؟
 - يبدى انزعاجاً شديداً قبل أن يسأل: ولماذا نعيدها؟
هناك فتاوى أصدرها مجموعة من الشيوخ حرمت عرض المومياوات، وهناك حملة أطلقت على الفيس بوك لنفس الغرض...


 - تظهر علامات الامتعاض على وجهه قبل أن يقول: هذا كلام فارغ، فعرضها ليست به مشكلة، ولكن كنت أفكر فى تغطية وجه المومياوات، وهذا ليس استجابة لفتوى شرعية، ولكنه أفضل من الناحية الإخلاقية.


 ولكن ألا تخيفك مثل هذه الفتاوى وتدعوك إلى الانضمام للمطالبين بتجديد الخطاب الديني؟
 - لأول مرة يصمت لوهلة قبل أن يقول: لا تقحموا الآثار فى قضية تجديد الخطاب الديني، فالآثار هى التراث والعرض وقد حث القرآن فى أكثر من موضع على زيارتها.


عودة للمستقبل
 سأعود مرة أخرى للمستقبل لأسأل عن المعارض الخارجية ودورها فى إعادة السياحة لمصر؟
 - تنطق ملامح وجهه بحالة من التفاؤل، يدعمها قوله: معرض آثار توت عنخ آمون الذى سيجوب عدداً من مدن العالم قريباً سيعيد لمصر قوتها الناعمة، فالرئيس السيسى اجتهد كثيراً فى استعادة قوة مصر، وهذا المعرض وغيره يمكن أن يساعده فى ذلك.


وهل سيأتى اليوم الذى نرى فيه استفادة من آثارنا، بدلاً من ترك الملعب خالياً للصين؟
 - تقصد الإنتاج الصينى للمستنسخات الأثرية المصرية.


 بالضبط هذا ما أقصده؟
 - يحافظ هذا السؤال على ابتسامة الأمل فى وجه د.حواس، ثم يقول: « الشركة القابضة للآثار التى تم تأسيسها مؤخرا وتتضمن شركات للمقاولات الخاصة بقطاع الآثار وإدارة المواقع الأثرية والحراسات والنماذج الأثرية ستحل هذه المشكلة.


  كيف؟
 - شركة النماذج الأثرية ستتولى تنفيذ مستنسخات أثرية وبيعها، وستكون أفضل من الصينية، لأنها ستكون متطابقة تماما مع الأصل.


 ولماذا لا نزيح الصين من المنافسة باستخدام قانون الملكية الفكرية؟
 - يصمت لوهلة قبل أن يقول: نستطيع مقاضاتهم على تنفيذهم لمستنسخات أثرية إذا نفذوها بشكل متطابق تماما، ولكن الذى يحدث أنهم لا يفعلون ذلك، وبالتالى لا نستطيع الرجوع عليهم بشكل قانوني.


سيناء مسك الختام
 قبل أن نختم حوارنا معك، لا يمكن أن نغفل السؤال عن تنمية سيناء أثرياً ورؤيتك لتحقيق ذلك؟
 - تظهر مشاعر الحماس واضحة على وجهه ليشيد بطرح هذا السؤال معتبرا إياه مسك الختام، قبل أن يقول: سيناء مهمة لمصر منذ 5 آلاف عام، ويبدو أنها كانت دائما مطمعاً، فقبل نحو4220 عاماً هاجمها مجموعة من الإرهابيين وتصدى لهم الجيش وقتها، فوضع الإرهابيون نساءهم وابناءهم أمام الجيش لمعرفتهم أن عقيدته تحرم عليه قتل النساء والأطفال، فما كان من الجنود إلا أن ارتقوا سلالم وقنصوا الإرهابيين بالرماح من خلف الساتر البشرى الذى احتموا فيه.


وكما نجح الأجداد فى تطهيرها، فكلى ثقة فى قدرة الجيش المصرى على تخليصها من الإرهاب عبر العملية التى ينفذها حاليا تحت عنوان « سيناء 2018 «، وأتمنى أن تبدأ بعد هذه العملية خطة تنمية شاملة ثقافية وصناعية وزراعية، وأن تحظى الثقافة بقدر كبير من الأهمية فى تلك الخطة عبر تطوير المناطق الأثرية، لأن الثقافة هى أهم سلاح فى مواجهة الإرهاب.