في ظل زيارة العاهل الأردني..

موسكو.. الـ«قِبلة» الجديدة لـ«عملية السلام»

فلاديمير بوتين
فلاديمير بوتين

كالحرم المكي؛ الذي يُعد قبلة للمسلمين من جميع أرجاء المعمورة؛ كانت الولايات المتحدة - لسنين طويلة - قبلة الفلسطينيين والإسرائيليين؛ والأطراف المختلفة التي ترعى عملية السلام؛ لبحث المفاوضات وجهود استئنافها؛ ويبدو أن القبلة تغيرت نحو روسيا؛ بعد القرار الأخير الذي خرج به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ منفردا؛ المتعلق بالقدس.

قِبلة الزيارات
الفترة الماضية شهدت عدة زيارات لموسكو؛ لبحث جهود استئناف عملية السلام؛ وقرار ترامب الأخير؛ حيث سبق وأن التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ نظيره الروسي فلاديمير بوتين؛ وأبلغ «أبو مازن»، الإثنين الماضي؛ بوتين، بأن واشنطن لا يمكن أن تكون الوسيط الوحيد في عملية السلام بالشرق الأوسط.


واليوم؛ يقوم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بزيارة إلى العاصمة الروسية موسكو؛ حيث تُعقد قمة أردنية روسية يلتقي خلالها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وتتناول المباحثات العلاقات بين البلدين وآخر المستجدات بشأن عملية السلام.

تعدد البؤر
فهل تتحول موسكو إلى وسيط للسلام؟ وهل أصبح الكرملين هو الماسك بخيوط أزمات الشرق الأوسط؟.. وفي ذلك يقول  د. تيمور دويدار المحلل السياسي – في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» عبر الهاتف من العاصمة الروسية موسكو؛ إن «خطة الكرملين والرئيس بوتين شخصيا؛ كانت في تحدي الولايات المتحدة وتغير منظومة العالم من أحادية البؤر في القرار السياسي إلى متعددة البؤر؛ مشيرا إلى أنه كان هناك بؤرتين في السابق – الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي -  لكن بوتين اتجه إلى أكثر من ذلك وساعد على تكوين بؤرة في بكين وأنقرة وطهران والرياض والقاهرة لكي يكون هناك توازن بالعالم؛ مشيرا إلى أن هذا أغضب الغرب والولايات المتحدة وظهر ذلك جليا في تصرفاتهم العدائية؛ ونلاحظ ذلك في المنظومة الأمنية الحديثة لها وإستراتيجيتها النووية، حيث أنها تتعامل من منطلق العداوة ضد كل من سوف يرفع رأسه، مبينا أن موسكو الآن أصبحت بؤرة بديلة للولايات المتحدة لأنها تتميز بأنها لا تضغط بنفوذ أو أي إملاء الأوامر لاتخاذ القرار السياسي لدى قيادات الدول وإنما تقدم الحلول وهذا الجديد في التعامل مع الأزمات؛ وبالأخص قضايا الشرق الأوسط».


وبين دويدار؛ أنه ربما أصبحت موسكو بالفعل قبلة لإيجاد الحلول، ورغم العقوبات التي تم إقرارها على روسيا إلا أنها لم تكن في عزلة، فهناك زيارات من قيادات أوروبية كبيرة تنتقد سياسة الكرملين، وذلك لإيجاد الحلول للأزمات المختلفة؛ لافتا إلى أن في المقابل الولايات المتحدة هي الآن التي تشعر بالعزلة بعد تأييد ترامب لنقل السفارة للقدس وتصريحاته الأخيرة بخصوص دعم إسرائيل، مستطردا أن العالم يحاول أن يجد البديل بحكم التغييرات التي يشهدها العالم، والسنوات القادمة ليست مبشرة من حيث السلام، وربما يتم الآن فهم من مع من ومن ضد من؛ وكما ذكر الملك الأردني: «نحن نخوض حرب عالمية ثالثة». 

 

قضايا مُلحة
وفيما يتعلق بزيارة الملك الأردني إلى موسكو؛ أضاف دويدار؛ أن القضايا الرئيسية المرتقب أن تكون على طاولة المباحثات بين الطرفين؛ هي: الأمن القومي للشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب ليس في سوريا فقط؛ بل وفي إفريقيا بشكل عام؛ هذا بخلاف أن الأردن لديها ملفات مثل التعليم والتعاون الاقتصادي والعسكري، بالإضافة إلى قضية المهاجرين السوريين بسبب الحرب، وإيجاد حلول لعودتهم وتهيئة المناخ المناسب لذلك؛ كما أن التصعيد الأخير في سوريا؛ وبتحريض من الغرب والولايات المتحدة؛ سيكون أحد محاور النقاش وربما الملك يحمل رسالة للرئيس بوتين حول تلك النقطة، مشيرا إلى أن سوريا أصبحت ضيقة للغاية والأمريكان يضعون أنفهم في الواقع السوري ويزيدون العبث في العملية السلمية، مبينا أن مناطق خفض التصعيد أصبحت أكثر تعقيدا بعد تحريض الغرب للمعارضة المسلحة، ودعمهم ووعود تدريب الأكراد وتزويدهم بالأسلحة.


وأوضح، أن المشكلة الرئيسية أن المشروع الغربي لتقسيم سوريا مستمر، وهذا ضد مصلحة دول المنطقة، مشيرا إلى أن الأمن القومي بالمنطقة ضمن المنظومة الأمنية للأمن القومي الروسي.. 
وأشار دويدار، إلى أن الملك عبد الله ربما يستطيع أن يتولى مهمة الوساطة بين موسكو وواشنطن فيما يتعلق بالقضية السورية، مضيفا أن من الممكن أن نرى تهدئة إن كان يحمل مقترح معين، آملا أن نرى ذلك بحكم أن الملك أنسب شخصية لتلك المهام نظرا لوساطته وعلاقته الجيدة مع كل الأطراف المتنازعة في المنطقة؛ مبينا أن خطورة التقسيم واضحة في ظل أن الولايات المتحدة تسيطر بالوكالة بمساعدة الأكراد ونهب الحقول النفطية السورية؛ لافتا إلى أنها سوف تمنع عن الدول السورية إعادة بناء نفسها؛ مؤكدا أن ذلك بدأ منذ سرقة ثروات الدولة السورية أثناء الحرب على داعش، مستطردا أن :«أي دولة لديها نفط الأمريكان قادمون».

 

دور روسي متصاعد
روسيا الحاضرة بقوة دبلوماسيا وعسكريا في المنطقة، فرضت وجودها وأصبحت رقما هاما في المعادلة بالشرق الأوسط، ما دفع بالبعض لأن يرى دورا روسيا محتملا وقويا قد يتصاعد في الفترة المقبلة في عملية السلام سواء قبلت به أمريكا وإسرائيل أم لا.


ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أكد – في تصريحات سابقة له - أن الهيمنة الأمريكية على عملية السلام كُسرت وانتهت وأصبحت من الماضي، وأن ثمة تفهما دوليا للموقف الفلسطيني، مكررا المسعى إلى تشكيل إطار دولي متعدد الأطراف يؤدي إلى تفعيل العملية السياسية وتكون أميركا جزءاً منه.


وفي مقابلة مع  DW عربية؛ يرى د.نبيل ميخائيل أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، أن الدور الروسي في المنطقة والذي يتسع يوما بعد يوم أصبح محل نقاش كبير في الولايات المتحدة بين الجمهوريين والديمقراطيين، مشيرا إلى أن دور روسي محتمل يعتمد على قضيتين الأولى: ماهي نوعية التصريحات الصادرة من موسكو بخصوص القدس خلال الأيام المقبلة وهي ما سيعكس كثيرا وجهة النظر الروسية حيال الأزمة، الأمر الآخر هو هل ستحاول موسكو إقامة صلة بين النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي وموضوع سوريا، فأمريكا تعرف أن روسيا باقية في سوريا لفترة طويلة، هذا البقاء الطويل يؤثر أيضا على لبنان، فهل ستكون الدبلوماسية الروسية شاملة أيضا لهذا النزاع كجزء من بقائها الطويل في المنطقة؟؛ لافتا إلى أن روسيا سترسل رسائل لإسرائيل مفادها بأننا في سوريا ليس لتهديدكم وإنما لإعادة الاستقرار، وبالتالي قد تصل الضغوط الروسية على إسرائيل في وقت ما لأن تكون قوية جدا.


والسؤال الذي يطرح نفسه الآن.. هل بالفعل أضحت موسكو؛ العاصمة الجديدة لمفاوضات استئناف عملية السلام؟ وهل بالفعل موسكو تستطيع أن تضع حلول من شأنها تصب في استكمال المباحثات؟.. هذا ما ستتضح ملامحه في الفترة المقبلة..