أقوى ملكات مصر القديمة الحلقة الثانية..

ملكة عرفت هيبة القضاء العادل في عهد الفراعنة

ملك بيبي الأول
ملك بيبي الأول

◄| ملكة أثبتت تحضر المصريين القدماء
◄| ملكة أثبتت وجود "العدالة" في عهد الفراعنة
◄| ملكة عرفت هيبة القضاء العادل في عهد الفراعنة
◄| قاضي يحاكم ملكة بأمر الملك


قال عالم الآثار المصرية الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، ومدير مركز الدكتور زاهي حواس إن تاريخ مصر القديمة يحفل بذكر سير ملكات عظيمة.


وأضاف أنه كان بين ملكات مصر القديمة عدد قليل منهم من اللائي لم تكن على نفس القدر من أهمية المكانة التي تحظى بها ولا بنفس القدر من القيم الأخلاقية التي أبدعتها مصر القديمة قبل أن يولد فجر الضمير وقبل أن يبزغ الوعي الأخلاقي والقيمي في العالم القديم. 
وفي الحلقة الثانية من أقوى ملكات مصر القديمة تلقي" بوابة أخبار اليوم" الضوء على ملكة حملت نعت "ورت إمات إس" من خلال رؤية الدكتور حسين عبد البصير.


معنى "ورت إمات إس"
ويذكر التاريخ فيما يذكر من سير ملكات عصر الأسرة السادسة ملكة حملت نعت "ورت إمات إس"، ولا نعرف لها اسما على وجه التحديد، ويعني نعتها "العظيمة في طيبتها" أو "عظيمة الصولجان". 
وسوف نطلق عليها اسم "ورت إمات إس" للدلالة عليها، وربما كانت ابنة للملك تتي من ملوك الأسرة السادسة، وكانت هذه الملكة زوجة للملك بيبي الأول أحد أهم ملوك عصر الأسرة السادسة.


سبب شهرة هذه الملكة
وجاء ذكر هذه الملكة في إحدى السير الذاتية لأحد أهم الموظفين الكبار من ذلك العصر ويدعى الموظف "وني الأكبر"ونقش هذا الموظف نص سيرته الذاتية في مقبرته في أبيدوس. 
وكانت تلك الواقعة من دواعي فخر "وني" مما جعله يسجلها في سيرته الذاتية كأحد أهم أحدث حياته الوظيفية، ومن خلال تسجيله تلك الواقعة، يوضح لنا "وني" أهميته وعظم مكانته لدى الملك بيبي الأول الذي وثق فيه وجعله يحقق في تلك الواقعة المتعلقة بالحريم الملكي الذي لم يكن مسموحا لأحد الدخول إليه ومناقشة خصوصياته، غير أن وني بصفته القضائية الكبيرة، ومكانته المهمة في الدولة المصرية آنذاك، وثقة الملك فيه بشكل خاص، قام بتلك المهمة على أكمل وجه. 
ويذكر وني أن الملك بيبي الأول كلفه بالتحقيق وحده -وهذا الشرف لم يسبقه إليه أحد من قبل- مع هذه الملكة، وفضّل عدم ذكر اسمها حفاظا عليها، وربما كانت هي عنخ إن إس بيبي الثالثة زوجة الملك بيبي الثاني، وتورطت تلك الملكة في مؤامرة ما ضد الملك بالاشتراك مع الوزير. 
وتعد تلك الواقعة الأولى في هذا الصدد، وهناك واقعة مشابهة حدثت من زوجة الملك رمسيس الثالث من ملوك الأسرة العشرين. 

قاضي يحقق مع الملكة 
وهذا التحقيق يؤكد رقي الملك المصري القديم الذي لم يشأ أن يتم اتهام زوجته الملكة ظنا، ودون قرائن إدانة، ودون تحقيق عادل، ودون التأكد من صحة ما نُسب إليها على الرغم من أنه كان في استطاعته اتهامها منفردا دون تحقيق ودون أدلة إدانة؛ فلم تكن هناك سلطة تعلو سلطة الملك في مصر القديمة، فقد كان ابن الآلهة والممثلة للسلطة الدينية والدنيوية على الأرض، غير أنه قام بالعكس واحترم القضاء العادل.
وأسند الأمر إلى القاضي "وني" وكلفه بالتحقيق واستجلاء الأمر دون تدخل منه في مجريات التحقيق، مما يدل على فهم وتقدير واحترام المصريين القدماء، حكاما ومحكومين، للعدالة التي أطلقوا عليها اسم "ماعت" وجعلوا لها ربة تحمل اسمها وتمثل أسمى المعاني لديهم، ولولا الإيمان بقيمة "ماعت" وتطبيقها قولا وفعلا ما كانت مصر القديمة وحضارتها على الإطلاق. 
وقام وني بالتحقيق مع الملكة ومع كل أطراف المؤامرة. ورفع تقريره للملك منفردا. ولا نعرف على وجه الدقة ماهية المؤامرة التي قامت بها الملكة. 


أسباب التحقيق مع الملكة
وكان الموظف "وني" من الحصافة بحيث أنه لم يخبرنا بطبيعة المؤامرة، ولا هوية الأطراف المشاركة فيها مع الملكة، ولا بنتيجة التحقيق ولا مصير المتآمرين. 
ورحج البعض حدوث خيانة زوجية من هذه الملكة، ومال البعض الآخر إلى الاعتقاد بأن الملكة تآمرت على واحدة من الزوجات الأخريات الأثيرات للملك. 
واعتقد فريق ثالث أنه ربما تآمرت على أحد أبناء الملك من ملكة أخرى كي تعرقل طريقه للوصول إلى عرش مصر بعد صعود روح الملك بيبي الأول إلى السماء ودخوله عالم الآلهة المبجلين بين ملوك مصر السابقين الخالدين.
ولا نعلم على وجه التحديد ماهية العقاب الذي تم إنزاله بهذه الملكة، غير أنه من المرجح أنها اختفت من الأحداث وتاريخ الفترة وتم تنحيتها، وهناك من يعتقد أنه تم إقصاؤها وولدها، وكان هذا أشد عقاب لها، وبالفعل تزوج الملك بيبي الأول من ملكتين أخريين "عنخ إن إس بيبي الأولى وعنخ إن إس بيبي الثانية" بنتيّ النبيل خوي وأختيّ الوزير جاو من نبلاء أبيدوس، وأنجب من الأولى خليفته الملك مرنرع ومن الثانية الملك بيبي الثاني.


ملكة مختلفة
وتعتبر قصة هذه ملكة مختلفة عن قصص الملكات العظيمات التي سجل التاريخ سيرهن بأحرف من نور، وليس في هذا ما يشين مصر القديمة؛ فإن مصر القديمة كانت مثلها مثل أي مجتمع إنساني قديم أو معاصر فيه ما فيه من أطماع وأحقاد وغيرة وكراهية مما يمتليء به بعض ضعاف النفوس من البشر، غير أن المهم هنا هو سلوك الملك بيبي الأول المتحضر في تلك الواقعة المشينة، وهذا هو ما يعبر عن عظمة وروح مصر وتحضر المصريين قديما ودوما وإيمانهم قديما بقيمة "الماعت" العدالة.