مصابو الحروب..أمراض نفسية متحركة على خرائط سوريا وليبيا «الممزقة»

اللاجئين
اللاجئين

أقل نتائجها الخوف والرعب، ولا سقف لخسائرها البشرية والمادية، هكذا تكون الحروب، فدانة مدفع واحدة تظل آثارها لسنوات، وبمرور الوقت تنقلب مخاوفها إلى أزمات نفسية ثم إلى أمراض مزمنة.

«مصابو الحروب»، هم هؤلاء الذين تعرضوا لرصاصات طائشة أو لبتر في عضو من أعضائهم، هكذا يرى العالم المصابين لكن أقسى ما يواجهه الإنسان هو الأذى النفسي، فلا يوجد شيء أصعب من الاستيقاظ على وطن ضائع تمزقه الصراعات العرقية أو تستنزفه قوى الاحتلال لتحوله إلى «أشلاء وطن»، كما لا يوجد أصعب من أن يجبر شخص على ترك أرضه وبيته ليعيش لاجئا في وطن بديل؛ حيث يواجه التشرد والظروف غير المستقرة على كافة الأصعدة.

هل يتساوى من يعيشون في أوطان مستقرة، ذات وضع اقتصادي واجتماعي مرتفع بمن يعيشون على الحدود في مواجهة ظروف الطقس القارسة والموت؟، هل تتساوى نفسية من يعيشون في الرفاهية بمن يعيشون في العراء؟، بالطبع لا.

لترتفع الآن أذرعة اللاجئين..«رياحا..رياحا»..لتنتشر أسماؤهم «جراحا..جراحا».. لتنفجر أجسادهم «صباحا..صباحا».. لتكتشف الأرض عنوانها.. ونكتشف الأرض فينا..يا أمنا انتظري أمام الباب..إنا عائدون، بهذه الكلمات ومن أحرفها رسم الشاعر الفلسطيني محمود درويش معاناة اللاجئين بكل معانيها.

مجرد ذكر لفظ «لاجئين»، يتبادر إلى الذهن «سوريا»، فمنذ عام 2011 والصراعات الدائرة هناك تركت أرض الشام جريحة، مع نزوح الملايين من أبنائها خارج حدودها، أما من عاشوا بداخلها وواجهوا مخاطر الحرب فقد حاولوا بكل الطرق النجاة بأنفسهم؛ لكنهم لم يستطعوا النجاة وسط هذه الأجواء المتوترة.

«مليون سوري» يعانون الاضطرابات النفسية..والأطفال الأكثر تأثرا

مؤخرا، صرح مدير الصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة السورية، بأن أكثر من مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، مؤكدًا  أن الأحداث التي مرت بها سوريا خلال السنوات السبع الأخيرة ساهمت، في زيادة المصابين بهذه الاضطرابات.

تأثير تلك الصراعات على الكبار يختلف من حيث سرعة ظهوره، فيشعر الشخص بخلل في السلوك اليومي، وعدم القدرة على القيام بالنشاطات الاعتيادية، كما يصبح كثير الخوف والقلق والترقب، إضافة إلى قلة التركيز وعدم القدرة على النوم والأحلام المزعجة.

ويرى باحثون أن ردود الفعل التي تصاحب وقوع الانفجارات قد تكون آنية بالصدمة والخوف، ثم الصراخ، وتليها حالة صعوبة في التفكير وشعور بالقلق الدائم، ولكن هذا الشعور يتطور مع الوقت ليصبح حالة عدم اطمئنان حتى في الظروف الطبيعية، كما يتحول على المدى البعيد إلى حالة عدم قدرة على التكيف مع الآخرين.

ويختلف أثر الصدمة على الأطفال بحسب فئاتهم العمرية، فالأطفال الذين لا يتجاوز عمرهم الثانية عشر، يشعرون بعجز من حولهم، وينعكس هذا على شعورهم بالانفعال، أما الأطفال من 3 إلى 6 سنوات فيشعرون بالعجز وعدم القدرة على التعبير عما في داخلهم، وكلما زاد عمر الطفل زاد شعوره بالخوف والغضب، وأحيانا بالذنب.

في ليبيا.. الحرب تفكك روابط الأسر

عرف المجتمع الليبي بكونه مجتمعا مترابطا، الضرر لا يطال أولئك من هم في مواقع الاشتباكات والنزاع فقط، بل يطول الجميع القريب والبعيد، يصل الأثر حتى على الليبيين المقيمين خارجها، ليستمر ضرر الصراع من خلال تفاعل الناس مع بعضهم في نقاشاتهم السياسية في الواقع، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ليزداد الحقد وتشتعل الكراهية أكثر وتبدأ الانقسامات.

تفرقت العديد من العائلات، وحدثت حالات طلاق وقطيعة اجتماعية وصلت أحيانا للخلاف حتى القتل بسبب حرب لا يطالهم منها إلا الأذى والدمار والحزن وفقد الأحبة، قادت تلك الأجواء الصادمة إلى الاضطرابات والاكتئاب، وفتحت بابا واسعا دخل منه العشرات نحو الأمراض النفسية والعقلية.