ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: وعيد السيسي.. والقوة الغاشمة في الحق

ياسر رزق
ياسر رزق

منذ أسابيع معدودة، سألت الرئيس السيسى فيما سألت، عن العملية الكبرى المنتظرة فى سيناء، وفهمت من الرئيس أنها قريبة فى نطاق مهلة الشهور الثلاثة التى حددها، وأن حجمها فوق ما يتخيله أحد، وأن الجيش سيلجأ إلى «القوة الغاشمة»، أى القوة المطلقة بلا حدود فى مواجهة الإرهاب.

كان الرئيس يتحدث بثقة وحسم، وأيضاً باقتضاب فى مسألة تتعلق بصميم الأمن القومى.

تعبير «القوة الغاشمة»، استخدمه الرئيس السيسى علنا 3 مرات.

- المرة الأولى يوم 24 نوفمبر الماضى، فى بيانه للشعب فى أعقاب جريمة «مسجد الروضة» البشعة بمنطقة بئر العبد.

- المرة الثانية يوم 29 نوفمبر، فى احتفال المولد النبوى الشريف. يومها خرج الرئيس على نص الخطاب. وقال: «إننى ألزم الفريق محمد فريد حجازى (رئيس أركان حرب القوات المسلحة) أمامكم وأمام شعب مصر، وأقول له: أنت مسئول خلال 3 شهور عن استعادة الأمن فى سيناء مع وزارة الداخلية».

وأضاف قائلاً: «خلال 3 شهور، تستعيد مصر بفضل الله تعالى بجهد الجيش وجهد الشرطة الاستقرار والأمن فى سيناء وتستخدم كل القوة الغاشمة».

كان الفريق محمد فريد حاضراً الاحتفال، بينما غاب عنه الفريق أول صدقى صبحى لارتباطه باستقبال وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو.

وقف رئيس الأركان وهو قائد قدير ومقاتل مخضرم، يؤدى التحية العسكرية، وهو يستمع إلى أمر القائد الأعلى، معلنا تمام تلقى التكليف، والبدء فى تنفيذ الأمر.

كانت مفاجأة للحضور والمتابعين أن يصدر أمر الرئيس للجيش علناً وعلى الهواء.

لكن من يعرف تقاليد العسكرية المصرية وجيشنا العريق، لابد أن يدرك أن الأمر لم يكن عفو الخاطر ولا وليد اللحظة، ولم يكن مفاجئاً لقيادة القوات المسلحة.

فى ختام الاحتفال.. تقابلت مع الفريق محمد فريد وصافحته داعياً له بالتوفيق، وكان على وجه الرجل تعبيرات التصميم والإحساس بعظم المسئولية.

- المرة الثالثة التى استخدم فيها الرئيس السيسى ذلك التعبير كانت فى يوم 19 يناير الماضى فى جلسة «السياسة الخارجية ومكافحة الإرهاب»، ضمن فعاليات مؤتمر «حكاية وطن». ففى احدى مداخلاته أثناء الجلسة قال الرئيس: «لقد اتخذت قرارا باستخدام قوة غاشمة وعنف شديد فى مواجهة الإرهاب بسيناء».

لم ينتبه كثيرون ليلتها إلى قول الرئيس: «لقد اتخذت قراراً»، فى خضم أنباء وأخبار وتصريحات حفلت بها جلسات المؤتمر.

معنى كلام الرئيس أنه أصدر القرار فعلاً، وأن العد التنازلى للتنفيذ قد بدأ.

■ ■ ■

«ى -20»، هو ذلك اليوم الذى أعلن فيه الرئيس أنه اتخذ القرار، أى قبل موعد بدء العمليات بعشرين يوماً.

على جانب آخر.. كان آخرون يعدون الأيام منذ صدور تكليف الرئيس السيسى لرئيس الأركان، ويمنون أنفسهم بانقضاء مهلة الشهور الثلاثة، دون أن تبدأ العملية العسكرية، لتكون تكئة لهم للإساءة للقائد وللجيش، وللكيد للشعب ولثورة يونيو.

تلك كانت أمانيهم، لكنها خابت وتلاشت، وأثبتوا مجدداً أنهم فاقدون للبصيرة ولحسن التقدير ولأبجديات الفهم، مثلما برهنوا على ذلك حينما صدرت مهلة الأيام السبعة قبل أسبوع من اندلاع ثورة 30 يونيو، ثم مهلة الثمانى والأربعين ساعة قبل يومين من بيان 3 يوليو، ثم طلب التفويض الشعبى لمواجهة الإرهاب والعنف المحتمل يوم 24 يوليو، وتلبية عشرات الملايين من أبناء الشعب للنداء بعد صدوره بـ48 ساعة.

■ ■ ■

قبل عشرين يوماً من انتهاء مهلة الشهور الثلاثة التى كلف بها الرئيس السيسى، الجيش المصرى لتطهير سيناء من الإرهاب، وبعد مضى 20 يوماً على إعلانه أنه اتخذ القرار بالعملية العسكرية، انطلقت فجر أمس الأول العملية الشاملة «سيناء-2018»، وكان لها وقع الصدمة على أعداء مصر والخارجين على الوطنية، ووقع المفاجأة السارة على نفوس المصريين بتوقيتها وحجمها ونطاقها.

الدرس الأهم الذى لم يستوعبه البعض من العملية «سيناء-٢٠١٨»، أن الرئيس السيسى يعنى كل كلمة، وكل حرف، وكل توقيت يقوله.

فإذا أفصح فهو يقصد، وإذا وعد فهو يفى، وإذا توعد فهو لابد منجز وعيده.

■ ■ ■

قبيل انطلاق العملية العسكرية الشاملة، ترافقت حملات التشكيك فى حدوثها.

غوغاء الإفتاء بجهل وسوء طوية، ملأوا ساعات البث الفضائى الإخواني، بتساؤلات عن سبب عدم بدء هذه العملية «المزعومة»، برغم مرور أكثر من شهرين على تكليف الجيش بها، وكأن العمليات العسكرية إجراء عشوائى، لا تسبقه معلومات استخباراتية مدققة ومؤكدة عن الأهداف وأعمال تحضير وتخطيط، وتحديد للقوات وحجمها وتسليحها، ومهام كل وحدة وتشكيل، وتنظيم للتعاون بين الأفرع المشاركة من القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوى، فى إطار معركة الأسلحة المشتركة الحديثة.

فى الوقت ذاته.. انطلقت الأبواق المعادية لمصر تدبج الأكاذيب وتدس سمومها على صفحات صحف يفترض أنها كبرى مثل «نيويورك تايمز»، التى نشرت تقريراً يدعى أن الجيش المصرى يستعين بالجيش الإسرائيلى (!)، لـ «عجزه» عن مجابهة الميليشيات الإرهابية فى شمال سيناء!!

وكان للكذب الفاضح غير المحبوك، تأثير على غير ما يريد أصحابه. فقد تلقاه الشعب المصرى بالسخرية ولم يكن أبناء الشعب الواعون فى حاجة إلى الاستماع لنفى المتحدث العسكرى لما جاء بالتقرير جملة وتفصيلاً، ليتأكدوا من تلفيق ما تضمنه من أباطيل.

كان الغرض هو الإساءة للجيش المصرى، والتشكيك فى قدراته، لكن رائحة فساد الطبخة كانت فواحة، فعافتها نفوس المصريين، وسخروا ممن يروج لها.

■ ■ ■

فجراً، انطلقت العملية الشاملة «سيناء-٢٠١٨». هدفها الرئيسى كما يبوح به اسمها هو تطهير سيناء من معاقل الإرهاب واجتثاث ميليشيات الإرهابيين. غير أنها كما جاء فى بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة هو تدمير كل البؤر الإرهابية وأوكار العناصر الإرهابية ليس فقط فى شمال سيناء، وإنما فى مناطق محددة بالدلتا، وفى الصحراء الغربية، فى عملية شاملة على الاتجاهات الاستراتيجية الشمالية الشرقية والشمالية والغربية، تشارك فيها أفرع القوات المسلحة، وقوات الشرطة، تقطع دابر الإرهاب، مع قطع خطوط الإمداد البرية والبحرية للعناصر الإرهابية فى شمال سيناء.

حجم القوات يبدو هائلاً من واقع مشاهدة أشرطة الفيديو التى بثتها القوات المسلحة، والتى نجد فيها أحدث المقاتلات متعددة المهام وطائرات النقل والهليكوبتر الهجومية والإنذار المبكر، وأحدث القطع البحرية، بجانب تشكيلات القتال الميكانيكية والمدرعة، ونظم الدفاع الجوى الحديثة.

ليس مفيداً للمجهود الحربي، ونحن فى حالة حرب، الخوض فى تفاصيل العمليات أو المعارك، إلا من خلال ما تعلنه القوات المسلحة، وهى لا تحجم عن كشف كل ما يهم الشعب فى حينه وتوقيته المناسب.
غير أنى أستطيع القول: إن هذه هى المرة الأولى التى تخوض فيها قواتنا المسلحة عملية عسكرية على أكثر من جبهة أو اتجاه استراتيجى، وأن حجم العمليات الدائرة على أرض سيناء والقوات المشاركة فيها هو الأكبر منذ حرب أكتوبر المجيدة.

■ ■ ■

القوة الغاشمة فى الحق، هى عنوان العملية «سيناء-٢٠١٨».

قوة تسحق الأعداء، وتحمى الحدود والثغور، وتؤمن الشعب، وتصون مقدراته وأرواح أبنائه، وتردع المتربصين الذين تسول لهم أطماعهم وأوهامهم أن ثروات مصر لقمة سائغة، يمكن اختطافها أو اقتناصها.

الهدف الأسمى من وراء العملية الشاملة التى تخوضها قواتنا المسلحة ورجالها البواسل بمعاونة قوات الشرطة ورجالها الأبطال، ليس فقط دحر الإرهاب وسحق الإرهابيين، وإنما هو إحباط مخططات تتوهم بإمكان النيل من أرض مصر فى سيناء عن طريق نقل إرهابيين إليها وتزويدهم بالمال والسلاح والإمدادات، ليسهل قضم قطعة منها حين يحين الحين!

المثير للاشمئزاز، أن هناك من الخونة الإخوان، من يتحدث عن أن العملية العسكرية هى جزء من صفقة، هدفها إخلاء سيناء من «المقاتلين»، توطئة لاقتطاع جزء منها فى إطار «صفقة القرن»!

هذا العواء الإخوانى، على مواقع التواصل الاجتماعى وشاشات الفضائيات التى تبث من قطر وتركيا، توجعاً من تطهير سيناء من الإرهاب، وبسط السيطرة الكاملة على كل بقعة من أرضها، له أسبابه!

فنظام الإخوان الذى استقدم الإرهابيين من كل حدب وصوب، وملأ بهم شمال سيناء، كان لا يجد غضاضة فى أن يفرط فى أجزاء من سيناء، فى سبيل إرضاء إسرائيل ورعاته فى الإدارة الأمريكية، بل عرض محمد مرسى فعلاً على الرئيس أبومازن أن يتنازل له عن 1600 كيلو متر مربع من شمال سيناء، لتوسعة قطاع غزة، فى إطار صفقة تبادل أراض مع إسرائيل. لكن الرئيس الفلسطينى الذى روعه العرض، رفض بإصرار، وكانت قيادة الجيش المصرى بالمرصاد.

■ ■ ■

العملية الشاملة «سيناء-2018»، انطلقت، ولن تتوقف حتى تحقق كل أهدافها، بجيش قادر رادع، ومقاتلين أشداء.

قلوبنا مع الرجال، وثقتنا بلا حدود فى القائد الذى يشرف بنفسه على إدارة أعمال القتال من داخل غرفة العمليات الرئيسية.

دعواتنا بالنصر لجيشنا البطل.. «وإن جندنا لهم الغالبون».