متسولة تشعل "الفيس بوك" | الدين يُحرم والقانون يعاقب بالحبس

الصورة المثيرة للجدل
الصورة المثيرة للجدل

« لجأت لمن لا ينسي عباده».. جملة كتبها أحد رواد موقع «فيسبوك» تعليقًا على صورة يظهر فيها بائعة مناديل مع طفلتين يبدو وأنهما ابنتيها، وتجلس البائعة المنتقبة على كارتون ينام فوقه طفلتيها، في جو شديد البرودة حيث تظهر الأمطار في الصورة وهي تكسو الشارع.


ورغم ما تحمله الصورة من إنسانيات كثيرة، تحول طلب الناشر في عدم الإغفال عن مثل هؤلاء إلى «خناقة» بين المتابعين حول أحقية التعاطف مع مثل من في الصورة من عدمه.


بدأت المشادة الكلامية تعليقًا على كلام ناشر الصورة «رامي»: « متتأخروش عن الناس دى يا شباب ربنا يرضى عنكم»، ليظهر البعض تعاطفه « طب الواحد يقول ايه.... مين بس اللي هيتحاسب على المنظر المبكي ده ...في جو زي ده كلنا تحت البطاطين وقافلين الأبواب علينا وعلى أولادنا ...يا رحمان أرحمنا برحمتك»، ويشكك البعض: « لو دي أمهم مش هتنيمهم ف التلج كده وبعدين معظمهم بيبقوا مخطوفين ربنا يتولاهم»، لتنهال التعليقات وتتحول إلى ساحة حرب.


انقسم المتابعون إلى فرق، البعض يرى أنه يجب التعاطف مع المتسولين والمتواجدين بلا مأوى في الشارع، والبعض وجد أن التعاطف معهم يدفعهم للتسول والتمثيل وأحيانًا خطف الأطفال لاستخدامهم في التسول وبيع المنتجات المصنعة «تحت بير السلم».


وكان للبعض رأي آخر، وهو أنها لا تتسول لأنها تبيع المناديل، فعند شراء مناديل منها هذه مساعدة لكسب المال بشكل لا مشكلة فيه، والحساب يكون على النية والنوايا لا يعلمها إلا الله.


رأي الدين: «التسول بغير حاجة حرام»
وجاء رأي أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية في هذه المسألة، أن سؤال الناس مِن غير حاجة أو ضرورة داعية مذموم في الشرع، لأنه يتضمن المذلةَ والمهانةَ للمسلم، وهو مما ينَزهه عنهما الشرع.
واستشهدت أمانة الفتوى على ما روى الإمام أحمد وابن حِبَّان واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال: «لا يَفتح إنسانٌ على نفسه بابَ مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، لأَنْ يَعمِد الرجل حبلًا إلى جبل فيحتطب على ظهره ويأكل منه خيرٌ مِن أن يسأل الناس مُعطًى أو ممنوعًا».


وأوضحت أمانة الفتوى أن الناس لهم أحوال في المسألة، وباختلاف أحوالهم تختلف أحكامهم؛ فالسائل إذا كان غنيًّا عن المسألة بمال أو حرفة أو صناعة ويُظهِر الفقر والمسكنة ليعطيه الناس؛ فسؤاله حرام، ويدل على هذا ظاهر الأحاديث الواردة في النهي عن السؤال؛ ومنها ما رواه البخاري ومسلمٌ واللفظ له من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تَزَالُ المَسألةُ بأحَدِكُم حتَّى يَلقَى اللهَ وليسَ في وَجهِهِ مُزعَةُ لَحمٍ»، وهو ما فسره القاضي عياض رحمه الله «يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقطًا لا وَجه له عند الله».


واستكملت أمانة الفتوى فتواها: «أما إن كان السائل مضطرًا للسؤال؛ لفاقة أو لحاجة وقع فيها، أو لعجز منه عن الكسب فيباح له السؤال حينئذٍ ولا يحرم»، مستشهدة بما رواه أبو داود وابن ماجه مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إنَّ المسألةَ لا تَصْلُحُ إلا لثَلاثَةٍ: لذي فَقْرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ».


وفسرت «الفقر المدقع» بأنه الشديد، و«الغرم المفظع» بالغرامة أوالدين الثقيل، و«الدم الموجع» بدم يوجع القاتل أو أولياءه بأن تلزمه الدية وليس لهم ما يؤدي به الدية، فيطالبهم أولياء المقتول به فتنبعث الفتنة والمخاصمة بينهم. 


وفيما يخص إعطاء المتسولين، قالت أمانة الفتوى: «ليس على إطلاقه، ويرتبط بغلبة الظن بحاجة السائل وصدقه، وإذا رأى المعطي أن يتحرى عن حاله فله ذلك خاصة في أموال الزكاة التي أوجب الله صرفها لمستحقيها»، موضحة أن أهمية ذلك تظهر في بعض الأماكن التي أصبح التسول فيها حرفة يتكسب منها أصحابها، ومهنة تُمتهن ويُساق إليها الأطفال لتعلمها من صغرهم، موضحة أن ذلك مؤشر خطر على أمن المجتمع وسلامته، وانتشار التسول وصيرورته ظاهرةً هو دليلٌ على تخلف الشعوب والأمم، وشاهد على قلة التكافل والتعاون فيما بين الناس.


موقف القانون: «عقوبات التسول تصل للحبس»


ولم ينسى القانون التسول حتى تم إصدار حوالي 12 مادة خاصة بهذا الشأن، فجاء في القانون ما ينص على حبس وتغريم بعض الحالات القائمة بالتسول، وجاء في القانون رقم 49 لسنة 1933:


المادة 1: يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز شهرين كل شخص صحيح البنية ذكرا كان أم أنثى يبلغ عمره خمسة عشرة سنة أو أكثر وجد متسولا في الطريق العام أو المحال العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أي شيء. 


المادة 2: يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرا كل شخص غير صحيح البنية وجد في الظروف المبنية في المادة السابقة متسولا في مدينة أو قرية لها ملاجئ وكان التحاقه بها ممكنا.


المادة 3: يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور كل متسول في الظروف المبينة في المادة الأولى يتصنع الإصابة بجروح أو عاهات أو يستعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور.


المادة4: يعاقب بالعقوبة المبينة في المادة السابقة كل شخص يدخل بدون إذن في منزل أو محل ملحق به بغرض التسول .


المادة 5: يعاقب بنفس العقوبة كل متسول وجدت معه أشياء تزيد قيمتها على مائتي قرش ولا يستطيع إثبات مصدرها .


المادة 6: يعاقب بنفس العقوبة كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن خمسة عشرة سنة على التسول، وكل من استخدم صغيرا في هذه السن أو سلعه لأخر بغرض التسول وإذا كان المتهم وليا أو وصيا على الصغير أو مكلفا بملاحظته تكون العقوبة بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة شهور.


المادة 7: في حالة العود تكون عقوبة الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون الحبس مدة لا تجاوز سنة .


المادة 8: في جميع الأحوال التي يحكم فيها على المتسول غير صحيح البنية في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون يأمر القاضي بإدخاله في الملجأ بعد تنفيذ العقوبة .


المادة 9: يجوز للبوليس وللنيابة الأمر بالقبض على المتهم كما تجوز للنيابة أن تصدر أمرا بحبسه احتياطيا ولا يكون هذا الأمر نافذ المفعول إلا لمدة الأربعة أيام التالية للقبض على المتهم وتسليمه للنيابة إذا كان مقبوضا عليه من قبل ما لم تحصل النيابة في أثناء هذه المدة على إذن بالكتابة من القاضي الجزئي بامتداده طبقا لنص المادة 37 من فانون تحقيق الجنايات وكل حكم يصدر طبقا لنصوص هذا القانون يكون واجب التنفيذ ولو مع حصول الاستئناف.


المادة 10: يعين وزير الداخلية بقرار منه المدن و القرى المشار إليها في المادة الثانية و يقرر شروط الالتحاق بهذه الملاجئ و الخروج منها.


المادة 11: تلغى الفقرة «رابعا» من المادة 338 من قانون العقوبات الأهلي والفقرتان رابعا وخامسا من المادة الأولى من القانون رقم 24 لسنة 923 الخاص بالمتشردين و المشبوهين.


المادة 12: على وزيري الداخلية والحقانية تنفيذ هذا القانون كل فيما يخصه.