ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: عصر السيسى

ياسر رزق
ياسر رزق

لتوى خرجت من خطاب الرئيس السيسى فى ختام محفل «حكاية وطن».
تتزاحم الأفكار والعبارات فى رأسى بعدما استمعت وشاهدت على مدى أيام ثلاثة من إنجاز هو أقرب للإعجاز.
معظم ما تابعته أعرفه بتفاصيله وأرقامه. لكنها المرة الأولى التى أرى فيها صورة مصر الجديدة مكتملة بكل ألوان الطيف ودرجات الظلال.
إنها المرة الأولى التى اتطلع فيها إلى خريطة مصر الجديدة بكل أبعادها، بطولها وبعرضها، بعمقها فى باطن الأرض، وبارتفاعها حتى حدود السماء، وببعدها الرابع وهو الزمن على مدار ٤٣ شهراً مضت.
فى الثالث من يوليو ٢٠١٣، صار السيسى بطلاً شعبياً، يتغنى باسمه المصريون.
انفتح كتاب التاريخ المصرى فى تلك الليلة بعد طول انطواء ليضع اسم عبدالفتاح السيسى فى قائمة زعماء مصر التاريخيين كعرابى ومصطفى كامل وسعد زغلول. الفرق أنه نجح فيما لم ينجح سابقوه.
فى الثامن من يونيو ٢٠١٤، صار البطل الشعبى رئيساً ولعلها المرة الأولى فى تاريخ مصر الحديث والقديم أيضا، التى يتحول فيها بطل إلى رئيس، وأن يأتى الشعب برجل مصرى من مسكنه فى القلوب إلى مقعده فى سدة الحكم.
فى التاسع عشر من يناير ٢٠١٨، قدم السيسى أوراق اعتماده إلى التاريخ، كرجل هذا القرن، وصانع لمجد مصر الحديثة الثالث.
فى القرن التاسع عشر.. كان محمد على.
فى القرن العشرين.. كان جمال عبدالناصر.
فى القرن الحادى والعشرين.. جاء عبدالفتاح السيسى.
< < <
أحب أن أتفرس فى وجه السيسى وهو يتطلع أمامه ويرنو إلى بعيد.
أحب أن استمع إلى نبرات صوته الصادقة حين يتكلم والمخلصة حين يحتد.
أحب أن أنظر إلى عينيه وهو يتحدث عن أميه، أمه مصر، ووالدته الراحلة، وأجد لمعان دموع عشق وحنين.
هبة من الله أودعها فى هذا الرجل. إنه قادر على شحذ الهمم واستنهاض العزائم فى لحظة تحد أو خطر، وعلى رسم بسمة الأمل وإشراقة التفاؤل فى لحظة تطلع إلى المستقبل.
قادر هذا الرجل، على أن ينتشلك من دوامة يأس إلى مرفأ اطمئنان، وأن يعيدك من سحابات أوهام، إلى أرض واقع.
ميزة السيسى أنه يسكن قلبك بوطنيته الجياشة، وإنسانيته الفياضة، وإخلاصه الغامر، وصدقه منقطع النظير، وفى نفس الوقت يقطن عقلك بعمق رؤيته، وسداد أفكاره وسلامة منطقه، وأنه ينجز قبل أن يقول، ويقول ما يستطيع أن يحقق، مهما بدا صعباً وعسيراً، وأحيانا مستحيلاً.
< < <
ملت على زميل لى، والرئيس السيسى يجيب على أسئلة المواطنين فى ندوة «إسأل الرئيس»، وقلت له: تخيل حال مصر، لو كان هذا الرجل جاء بعد السادات إلى سدة الحكم، كيف وضع بلادنا الآن؟!
ثم رددت على نفسى وقلت له: بل تخيل حال مصر، لو لم يأت هذا الرجل فى عصر غمة الإخوان، ولو لم يتسلم المهمة بعد نكبة حكم المرشد؟!
.. نعم، كل شيء بأوان.
تصاريف القدر، هى التى جاءت برجل الأقدار، فى هذا الأوان.
مسار حياته رسمه القدر، ولم يختطه هو ولا غيره.
تألم سنوات، حينما تغير مسار مستقبله المهنى على غير إرادته، كان يحلم أن يكون طياراً مقاتلاً، والتحق بالثانوية الجوية، لكنه أكمل دراسته فى الكلية الحربية ليتخرج ضابط مشاة.
لم يكن يعلم حينما كان يتألم، أن القدر اختار له مساراً آخر، لأنه كان يعده لمصير آخر.
فلو صار طياراً مقاتلاً، ما بلغ منصب القائد العام للقوات المسلحة فى تلك الفترة الحاسمة من تاريخ مصر، التى انحاز هو فيها لإرادة الشعب فى ثورة الثلاثين من يونيو، وما أصبح بطلاً شعبياً، ثم رئيساً وقائداً لمصر فى أصعب مراحل تاريخها.
لو صار طياراً مقاتلاً، لكان التاريخ غير التاريخ.
تصاريف القدر، هى التى أنجته من حوادث وأحداث، ومن مكائد صغار يرتدون لباس الكبار، ومن مؤامرات كبار بالاسم يرتكبون أفاعيل الصغار!
< < <
أتابع «حكاية وطن»، ونحن نسترجعها مع السيسى، قولاً ومشاهد وأرقاما.
حكاية أم الدنيا فى ٤ سنوات أو أقل وهى فى طريقها الشاق الطويل لتكون «قد الدنيا».
وأعود بالذاكرة إلى قرابة سبع سنوات مضت.
فى أحد أيام ربيع عام ٢٠١١، التقيت اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسى مدير المخابرات الحربية، وكان هذا هو لقاؤنا الثانى بعد ثورة يناير.
استمعت منه إلى تشخيص دقيق تفصيلى لأمراض الوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو نفس التشخيص الذى عرضه فى محاور لقاءات «حكاية وطن» لأوضاع مصر ما بعد ثورة يناير، وبنفس العبارات تقريباً.
كان على دراية كاملة بحقائق الأحوال بالأرقام وبالبيانات، وكان على معرفة أدهشتنى بسبل الخروج من تلك الأوضاع، وهى نفس السبل التى صارح بها الشعب على مدى سنوات رئاسته الأولى.
يومها.. سألت اللواء السيسى: كيف تتصور رئيس مصر المقبل؟
قال لى وهو يرنو بعينيه إلى بعيد: أتمناه رجلاً مخلصاً له رؤية، مؤهلاً لقيادة بلد بوزن مصر العظيمة، وقادراً على استنهاض همم أبنائها.
لم يكن السيسى يتحدث عن نفسه، برغم أن هذه هى صفاته. لم يكن يبحث عن حكم، ولم يكن طريقه مؤدياً إلى الحكم فى ذلك التوقيت وفى ظل تلك الأوضاع عام ٢٠١١.
بل إنه قال لى: أتمنى أن يكون رئيس مصر القادم، فى نهاية الأربعينيات أو مطلع الخمسينيات من عمره، وحبذا لو كان أستاذا جامعياً وخبيراً اقتصادياً يتمتع باحترام وتقدير ومحبة المصريين.
خرجت من ذلك اللقاء.. وأنا أفتش فى رأسى عن اسم تتطابق معه الصفات والمواصفات التى قالها السيسى، فلم أجد.
وقلت لصديق لى: هل تعرف من الذى يستحق أن يكون رئيس مصر القادم؟!.. إنه هذا الجنرال الشاب، الذى فاجأنا بشخصيته ووطنيته وبصيرته وإخلاصه ورؤيته الاستراتيجية العميقة.
وقال لى صديقى: معك حق.. ولكن كيف السبيل؟!
وكان السبيل.. من تصاريف القدر.
< < <
أعود من خواطرى، إلى كلمات السيسى، وهو يسرد بيانات وأرقام ما تحقق على أرض مصر، وهو يشرح كيف كنا وكيف أصبحنا فى كل المحاور والمجالات.
لو كان كل إنجاز السيسى هو شق القناة الجديدة وأنفاقها، لكفاه إنجازاً فى ٤ سنوات.
لو كان إنجازه هو تدشين وبناء 14 مدينة جديدة منها عاصمة مصر فى القرن الحادى والعشرين، لكفاه.
لو كان إنجازه هو شبكة الطرق الهائلة ومحطات الكهرباء العملاقة وشبكات المياه والصرف التى دخلت المناطق المحرومة، لكفاه.
لو كان إنجازه هو بناء مليون شقة يسكن فيها 5 ملايين مصرى، منها 600 ألف شقة للإسكان الاجتماعى، لكفاه.
لو كان إنجازه هو استحداث معاش تكافل وكرامة لنحو مليونى أسرة مصرية، وانتشال مليون أسرة من عشوائيات عشش الصفيح وأكشاك الإيواء على قمم وسفوح الهضاب المتداعية، وإسكانهم فى 170 ألف شقة كريمة مجهزة مجاناً بالمفروشات.. لو كان هذا كل إنجازه.. لكفاه.
لو كان إنجازه هو علاج 1.5 مليون مصرى من فيروس سى ووضع خطة للقضاء نهائياً على هذا الوباء الذى يفترس أعمار المصريين خلال 4 سنوات، لكفاه.
لو كان إنجازه هو بناء جيش قوى مهاب رادع قادر على الدفاع عن البلاد داخل إقليم الوطن وخارجه.. لكفاه
لو كان إنجازه هو إزالة غمة الإخوان، التى كانت تخنق أنفاس مصر، وتهدد هويتها، وتفضى بمستقبلها إلى الضياع، لكفاه.
ولو كان إنجازه هو محاصرة الإرهاب ومنعه من تحقيق مراميه وأغراض محركيه، لكفاه.
كل ذلك وأكثر.. تحقق فى 4 سنوات وأقل.
وأسمح لنفسى أن أقول إنه لا أحد، كان يتصور منذ 4 سنوات، أن صورة مصر ستصبح على مشهدها الحالى فى غضون 43 شهراً، حتى من بين أشد المتفائلين، إلا السيسى نفسه، الذى كان يتمنى لو استطاع إنجاز ما هو أكثر.
يقول السيسى وهو محق إنه لولا شعب مصر ما حققنا كل ما تحقق.
ونقول ومعنا كل الحق إنه لولا السيسى ما استطعنا أن نبلغ كل ما أنجزناه.
< < <
لا يخادع السيسى، ولا يبيع الأوهام.
كان السيسى صادقاً حين قال: «لا أستطيع أن أستمر فى منصبى ثانية واحدة على غير إرادتكم».
ولقد سمعته من قبل، يقول لى إنه لن يستمر لو لم يتقبل الشعب الإجراءات الاقتصادية الاضطرارية، والضرورية لإنقاذ مستقبل البلاد.
لكنى مع ذلك فوجئت، عندما سمعته أمس الأول ومعه محافظ البنك المركزى طارق عامر، يقول: إنه كان سيدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لو لم يتفهم الشعب تلك الإجراءات.
يعزف السيسى أيضاً عن قول معسول الكلام ودغدغة مشاعر الجماهير على غير الحقيقة، حتى وهو يعلن ترشحه لفترة رئاسة ثانية، وسمعناه يقول بجدية: «هتتعبوا معايا من أجل مصر».
ضمير السيسى الوطنى الذى دفعه دفعاً إلى تلبية نداء الجماهير له بالترشح للرئاسة فى المرة الأولى، هو نفسه الذى قاده لأن يطلب من الشعب السماح له بالترشح لفترة رئاسة ثانية، ليكمل مسيرة بناء الدولة والوفاء بتطلعات الشعب وآماله فى خضم تحديات جسام تواجه الوطن.
لا يحرص السيسي على البقاء فى منصبه إذا وجد من يملك رؤية وبرنامجا ومقدرة وإخلاصا، غير أنه يأبى على كرامة بلاده وعزتها أن يتقلد مسئوليتها فاسد، غير أهل لحمل الأمانة، ولا يتحرج فى أن يعلن موقفه أمام الشعب وعلى رؤوس الأشهاد.
يأمل السيسى، أمد الله فى عمره وأيده بالتوفيق، أن ينجز فى سنوات رئاسته الثمانية، ما تعجز دول ناهضة عن تحقيقه فى عشرين عاماً.
لا يساورنى شك، فى أن السيسى هو رئيس مصر المقبل باكتساح أياً كان منافسوه، ويخالجنى شعور بأن نزول الجماهير إلى لجان الانتخاب سيكون حاشداً وربما قياسياً.
وظنى أن مهمة السيسى فى رئاسته الجديدة بعد نيل ثقة الجماهير، ستكون تحويل مصر العظيمة إلى مصر العظمى، وبناء جيل جديد قادر على تحمل مسئولية قيادة بلاده فى مستقبل نتمناه زاهراً.
ولست أبالغ إذا قلت.. إننى أشعر بالفخر لأنى أعيش فى عصر السيسى.